رجال صنعوا تاريخ الصيرفة الإسلامية

TT

سيسجل التاريخ في صفحاته التي لا تمحى أسماء الرجال الذين حملوا على أكتافهم إعادة الاقتصاد الإسلامي إلى الحياة بعد ان كاد ان ينسى في خضم سيطرة الاقتصاد الوضعي على جميع شؤون الحياة الاقتصادية في العالم الإسلامي وتحملوا مخاطر التجربة الأولى لصناعة وليدة في بيئة معادية غريبة. حيث كان الجميع ينظر إليها بأنها مغامرة ينفذها البعض على سبيل التجربة والتي سريعا ما ستفشل وتنسى في مجاهل التاريخ. في حين كان أصحابها مؤمنين بها وبنجاحها ومستعدين لبذل الغالي والنفيس في سبيل ذلك لإيمانهم بصحة دينهم وصلاحيته لكل زمان ومكان. فكان في مقدمة هذا الركب المبارك تاجر لؤلؤ من إمارة دبي حيث كانت تنطلق مراكب الغوص لاستخراجه من الخليج إلا ان المركب الذي انطلق في عام 1975م من على سواحل هذه الإمارة الصغيرة بقيادة هذا التاجر كان مختلفا عن كل المراكب المصطفة على ساحل هذه الإمارة الساحرة. لقد كان مركب الصيرفة الإسلامية الذي انطلق في هذا التاريخ عبر تأسيس أول بنك إسلامي خاص في التاريخ هو بنك دبي الإسلامي الذي أسسه الشيخ سعيد آل لوتاه (أطال الله في عمره). لقد كان الشيخ سعيد مؤمنا كغيره من المسلمين بالشريعة الإسلامية وصلاحيتها لكل زمان ومكان إلا ان الفرق بينه وبين غيره هو قدرته على تحويل هذا الإيمان إلى واقع معاش مع إصرار وعزيمة على النجاح مهما كلفه الأمر وقد حقق الله مراده وها هو بنك دبي الإسلامي يحقق النجاح تلو النجاح حتى كتابة هذه السطور. لقد ساهم الشيخ سعيد بتأسيسه لبنك دبي الإسلامي في تحقيق حلم الشيخ احمد بزيع الياسين أو كما يحب ان يسميه أهل الكويت (العم ابومجبل) حيث يروي عن نفسه فيقول حاولت في فترة السبعينيات تأسيس شركة أو بنك على المنهج الإسلامي، وكان دافعي لهذه الاستجابة لأمر الله تعالى بالابتعاد عن حرمة الربا في الأعمال التجارية وقبل عام 1956 راجعت أحد البنوك الوطنية لحثه على تقديم خدمات خاصة لمن يرغبون في التعامل بالصفة المشروعة، إلا أنني لم أجد استجابة لديهم. وحينما كنت عضواً في مجلس إدارة بنك الكويت المركزي طرحت في إحدى جلسات مجلس الإدارة موضوع ضرورة إنشاء مصارف إسلامية في ذلك الوقت، وبعد المناقشة المستفيضة وافقوا على ذلك، إلا أنهم أجلوا الموضوع إلى الجلسة التالية ولم يذكر في المحضر ما تم بهذا الخصوص، إلا ان مشاركة بعض الكويتيين ووزارة المالية الكويتية في إنشاء بنك دبي الإسلامي بالتعاون مع الشيخ سعيد آل لوتاه كما يروي الشيخ احمد شجع وزارة المالية الكويتية على قبول فكرة إنشاء بنك إسلامي عندما عرضها عليهم مرة أخرى فتم تأسيس بيت التمويل الكويتي في عام 1977م من قبل وزارة المالية الكويتية وكلف الشيخ احمد بزيع الياسين بالعمل فيه من قبل وزارة المالية حيث رأس مجلس إدارته من 1977م إلى 1993م. ويعتبر بيت التمويل الكويتي اليوم من المؤسسات المالية الإسلامية القلائل التي تطبق معايير الصيرفة الإسلامية المحققة لمقاصد الشرع في تعاملاتها، إضافة إلى نجاحه في مجال الأعمال، حيث يعتبر ثاني اكبر بنك إسلامي في الخليج من حيث الموجودات، كما انه يستحوذ على أعلى نسبة ودائع في السوق المصرفية الكويتية.

وفي الفترة نفسها من عام 1977م أثمرت جهود الأمير محمد الفيصل في إقناع الحكومة المصرية بقبول الفكرة التي طرحها بإنشاء بنك فيصل الإسلامي حيث صدر قرار من مجلس الشعب بذلك وافتتح البنك أبوابه رسميا للعملاء في عام 1979م. وقد سعى الأمير محمد إلى تعميم هذه التجربة فأنشأ بنك فيصل الإسلامي في السودان والبحرين الذي تحول إلى مصرف شامل في باكستان وسويسرا باسم فيصل تيمنا بوالده الملك فيصل (رحمه الله) الذي يسجل له تاريخ الصيرفة الإسلامية انه أول من انشأ مصرفا دوليا يعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية ألا وهو البنك الإسلامي للتنمية. ولا يمكن لنا ان نذكر الرجال الذين صنعوا تاريخ الصيرفة الإسلامية دون ان نذكر واسطة عقدهم وربان سفينتها اليوم الذي يبذل من وقته وماله الشيء الكثير في سبيل المحافظة عليها من الانحراف عن مبادئها التي قامت عليها وهي النهوض بمجتمعاتها وتحقيق مبدأ الاستخلاف ألا وهو الشيخ صالح كامل رئيس مجموعة دلة البركة المصرفية التي أسسها في عام 1982م وهي اليوم تنتشر في أكثر من عشر دول عبر 184 فرعا. ولاشك ان جهد الشيخ صالح في سبيل المحافظة على الصيرفة الإسلامية بيضاء نقية تحقق مقاصد الشرع التي أرادها الله، فيشكر ونسأل الله له التسديد والإعانة.

* مستشار في المصرفية الإسلامية