روبين بوتيجيج لـ «الشرق الأوسط» : مالطا ستكون مركز التمويل الإسلامي في حوض المتوسط

قال إن بلاده ستكون نقطة انطلاق لتقديم الخدمات المالية الإسلامية في إيطاليا

روبين بوتيجيج
TT

كشف مسؤول بارز في شركة إريم بيزنس أدفايزرز ومقرها مالطا، أن بلاده تجري حالياً مشاورات مع العديد من علماء الشريعة الإسلامية من أجل إجراء التعديلات التشريعية الضرورية، بهدف تيسير التمويل الإسلامي في مالطا. وقال روبين بوتيجيج، مدير عام شركة إريم بيزنس أدفايزرز، في حديثه مع «الشرق الأوسط»، في أبوظبي، إن مالطا تحتل موقعا استراتيجيا مثاليا لخدمة منطقة البحر المتوسط، حيث إن هناك الملايين من المسلمين الذين لا يجدون فرصة للاستفادة من البنوك، نظرا لعدم وجود بنوك إسلامية، لأن بعضهم لا تتاح له فرصة تملك مسكن خاص. وإذا نظرنا إلى ليبيا وإيطاليا فقط، نجد أن هناك سوقا بحجم 6.5 مليون، ومليون على التوالي. كما أن إيطاليا بها 70 ألف شركة، يساهم فيها عرب. وأضاف روبين أن كثيرا من مبادئ التمويل الإسلامي ليست جديدة على مالطا، وهناك مبادئ معينة شائعة لدى المنتمين إلى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، مشيرا إلى تأسيس بنك «إيه بي إس» كمثال لعقد الهبة الذي تستخدمه مؤسسات التمويل الإسلامي من أجل ممارسة التكافل (الشبيه بالتأمين). وتابع روبين بوتيجيج: تمتلك مالطا هيكلا مثاليا في ظل وجود نظام قوي للخدمات المالية والمميزات الضريبية اللازمة للاستفادة من هاتين السوقين. كما أن مالطا هي الدولة الوحيدة العضو بالاتحاد الأوربي التي تربطها اتفاقية ازدواج ضريبي مع ليبيا. وبالإضافة إلى ذلك، سوف تتاح للمسلمين المحليين فرصة الاستفادة من خدمات البنوك الإسلامية، ولكن الجالية المسلمة في مالطا صغيرة نسبيا، ومع ذلك فإن السكان المحليين أيضا يرون التمويل الإسلامي تمويلا بديلا، وبالتالي فإن التمويل الإسلامي يمكن أن يصبح، مستقبلا، نظام التمويل السائد حتى في مالطا.

وأشار روبين إلى أن الأطراف الثلاثة الرئيسية المتصدرة للنقاش حول التمويل الإسلامي في بلاده - وهي المعهد المالطي للإدارة، واتحاد موظفي بنوك مالطا، وجمعية أصحاب العمل المالطيين – منخرطة أيضا في اتصال مستمر مع المنظمات الإسلامية.

وأفاد بوتيجيج، الذي يشغل كذلك رئيس القسم التعليمي في المعهد المالطي للإدارة، أنه شخصيا يحضر العديد من أنشطة التمويل الإسلامي من أجل مواكبة مختلف التطورات. كما أن المعهد المالطي للإدارة سوف يطلق، عما قريب، دورات تدريبية وتعليمية في مجال التمويل الإسلامي، بالتعاون مع إحدى المنظمات الإسلامية. وهكذا فإن هناك مستوى رفيعا من التعاون موجودا في مالطا، كما يبدو الحماس على كثيرين تجاه هذا التطور هناك.

وألمح الخبير المالي، أن النقاش حول التمويل الإسلامي في مالطا قد انطلق على يد قطاع الخدمات المالية في أعقاب عدد من الاستفسارات من المؤسسات المالية الإسلامية حول إمكانية قيام مالطا بدور مركزي للخدمات المالية الإسلامية.

وأوضح روبين أن إحدى خصائص مالطا الرئيسية التي تميزها عن جيرانها المنافسين وجود جهة تنظيمية واحدة في هذه الدولة وهي منخرطة في حوار دائم مع صناعة الخدمات المالية، مما يضمن وجود مالطا الدائم في صدارة التطورات داخل قطاع الخدمات المالية، منوها إلى حقيقة أنه في أعقاب فترة من المناقشات.

وبين بوتيجيج أن هيئة مالطا للخدمات المالية نشرت وثيقة تشاور حول «التمويل الإسلامي في مالطا: المصرفية والأوراق المالية»، وكانت تهدف إلى تحليل التعديلات الضرورية المطلوبة في القوانين المالطية بغرض إزالة العراقيل من طريق التمويل الإسلامي، بل وربما تشجيعه في مالطا. ومن المتوقع قريبا صدور وثيقة تشاور أخرى حول تأمين التكافل والصكوك الإسلامية.

وأبان روبين بوتيجيج أن صناعة الخدمات المالية، ومن ضمنها الشركاء الاجتماعيون، قدمت مرئياتها وتعليقاتها على التمويل الإسلامي في مالطا إلى هيئة مالطا للخدمات المالية. ويبدو أن البنوك الكبرى في مالطا أظهرت اهتماما خاصا بافتتاح منافذ إسلامية لها. ومن المتوقع الآن أن ترفع هيئة مالطا للخدمات المالية توصياتها إلى الحكومة من أجل إجراء التعديلات الضرورية على القوانين المالطية.

وقال روبين بوتيجيج إن الجالية الإسلامية في مالطا صغيرة نسبيا، حيث لا يزيد عدد المسلمين في الدولة عن 3 آلاف نسمة، ولكن مالطا تحتل موقعا استراتيجيا مثاليا للاستفادة من هذه الأسواق. وإذا أخذنا في الاعتبار إمكانية الحوار مع الجهة المنظمة بالإضافة إلى الفترة التشاورية، فالأجدر أن تبدأ عملية تأسيس مؤسسة مالية إسلامية في مالطا في أقرب فرصة.

وأكد الخبير أن المؤسسات المالية الإسلامية التي تتأسس الآن قد تستفيد من الحماس المهني الموجود حاليا تجاه هذا القطاع في مالطا وشركائها المجاورين، مشيرا إلى أن مالطا ربما تُستخدم في الأساس كنقطة انطلاق بغرض التغلغل في الجالية الإسلامية في إيطاليا، التي يعيش بها نحو 900 ألف مسلم، كما يوجد في هذه الدولة 70 ألف شركة أسسها مواطنون أصلهم من الدول العربية. ولكن إنشاء بنك إسلامي في إيطاليا أمر بعيد رغم حقيقة أن المستثمرين يقولون إنهم جاهزون لمثل هذا البنك.

وأشار مدير عام شركة إريم بيزنس أدفايزرز إلى المحاولات الرامية إلى افتتاح بنك في إيطاليا يعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية، وأنه تم إجراء العديد من الاتصالات مع المؤسسات الائتمانية في إيطاليا، حيث أبدت اهتمامها. ولكن العديد من المشكلات جعلت الجميع يوقنون بأنه لن يكون ممكنا فعل شيء في عام 2008.

وتابع بوتيجيج بقوله: تستغرق هذه العملية وقتا طويلا في إيطاليا ومن المحتمل أن تكون صعبة، رغم أن هناك اهتماما متزايدا بهذا القطاع. ويرى المحللون أن إيطاليا ليست لديها الإطار الضريبي والتنظيمي للتعامل مع المنتجات الأساسية للتمويل المتوافق مع الشريعة الإسلامية.

كما بدأت منطقة شمال أفريقيا ـ والحديث لبوتيجيج ـ بعد سنوات من الجلوس في مقاعد المتفرجين، تتبني نظام التمويل الإسلامي. ويقول المحللون: إن النمو هناك يمكن أن يكون أبطأ بكثير منه في الشرق الأوسط إذا أخذنا في اعتبارنا المقاومة من جانب نخبة السّاسة ورجال الأعمال وكذلك الآراء الأكثر مرونة التي تعتبر القروض والاستثمارات متوافقة مع الشريعة الإسلامية. ولم ترخص الجزائر ولا ليبيا التمويل الإسلامي ترخيصا كاملا، ولكن الجزائر لديها بالفعل لاعبان في هذه الصناعة.

وحول واقع التمويل الإسلامي في مالطا، قال بوتيجيج تتيح مالطا هيكلا صلبا ومنضبطا تلتزم تشريعاته بتوجيهات المفوضية الأوروبية. وهناك تعارض واضح بين اتفاقيات بازل، التي تلتزم بها مالطا، والتمويل الإسلامي. وتجري مالطا الآن مشاوراتها مع عدد من العلماء من أجل معالجة هذه المشكلة. ويمكن لاتفاقية بازل الثانية في حد ذاتها أن تكون أساسا قويا لموثوقية التمويل الإسلامي في منطقة أوروبا وحوض البحر المتوسط.

واستطرد روبين بوتيجيج «إن القطاع المصرفي التقليدي في مالطا قطاع ناضج تطور على مر السنين. وسوف تتاح للبنوك الإسلامية في مالطا فرصة العمل ضمن نظام عريق مع الاتحاد الأوربي. كما أن وجود بنك إسلامي في مثل هذا النظام الصارم سيضفي مزيدا من المصداقية على مؤسسات التمويل الإسلامي التي تريد استهداف دول البحر المتوسط. وربما يتم التغلب على الصعوبات الموجودة في ليبيا وإيطاليا من خلال تأسيس هذا البنك الإسلامي في مالطا».

وزاد بوتيجيج مالطا تمتلك خبرة كبيرة في استخدام موقعها الاستراتيجي من أجل خدمة الدول الأخرى، ويدل على ذلك الوجود القوي للبنوك التركية والبنوك النمساوية هناك. وبصرف النظر عن احتلال مالطا موقعا استراتيجيا مثاليا، فإنها توفر العديد من المميزات الأخرى. فإذا أخذنا في اعتبارنا النظام الضريبي لهذه الدولة، نجد أن المؤسسات المالية الإسلامية التي يتم تأسيسها هناك سوف تحظى بميزة فيما يتعلق بتحقيق الكفاءة الضريبية مقارنة بالمؤسسات التي يتم تأسيسها في الدول الأخرى أعضاء الاتحاد الأوروبي. وهذا يرجع أيضا إلى الشبكة القوية من اتفاقيات الازدواج الضريبي التي أبرمتها مالطا، بما في ذلك اتفاقيتها مع ليبيا.

وقال بوتيجيج إنه يمكننا تقديم خدمة لقضية عادلة مع الاستفادة من قطاع يتجه إلى النمو بمعدل لا يصدق. ويمكن لمالطا - من خلال هيكل نظامها المالي وموقعها الجغرافي الاستراتيجي - أن تكون المكان المثالي لاستهداف أسواق شمال أفريقيا، لا سيما ليبيا. كما أن هناك مسلمي أوروبا المتوقع أن يتضاعف عددهم على مدى العقد المقبل. المسلمون في إيطاليا ينتظرون أن تتيح لهم مالطا فرصة الاستثمار وتمويل مشروعاتهم وتكوين الثروة.

وبحسب بوتيجيج، فإن مالطا تتيح أيضا هيكلا يتميز بكفاءة التكلفة مع وجود مهنيين يجيدون لغات متعددة وعلى أعلى مستوى من التدريب في مجال الخدمات المالية. كما أن المهنيين المالطيين يتميزون بخلفياتهم متعددة الثقافات حيث يتضمن التاريخ المالطي وجودا عربيا وأوربيا فوق هذه الجزيرة.

وفيما يتعلق بإمكانية تأسيس مالطا لصناديق استثمارية تتوافق وأحكام الشريعة الإسلامية، أفاد بوتيجيج أن هيئة مالطا للخدمات المالية ترى إمكانية تأسيس صناديق استثمار في الأسهم المتوافقة مع الشريعة الإسلامية فورا؛ لأنها لا تحتاج إلى إجراء تعديلات هامة على القانون المالطي. وقد أخذت هيئة مالطا للخدمات المالية في التحليل الذي أجرته بعين الاعتبار عدد من أنواع الصناديق، بما في ذلك صناديق الإجارة وصناديق المرابحة وصناديق السلع. كما تدرس الهيئة ما إذا كان توافر هياكل معينة من خلال استخدام الأدوات ذات الغرض الخاص أو استخدام أموال مختلطة قد يكون له أثر ضريبي.

وفي شأن استيعاب القوانين المالطية للمؤسسات المالية الإسلامية، أوضح بوتيجيج أن هناك عددا من التعديلات التي سيتم إجراؤها على القوانين المالطية من أجل ضمان استيعابها للهيكل التشغيلي لأي مؤسسة مالية إسلامية. ومن المتوقع قريبا إجراء تعديلات على القوانين المصرفية وقانون المؤسسات المالية. علاوة على ذلك، هناك تعديلات في قانون ضريبة الدخل وقانون الرسوم على الوثائق والتحويلات وقانون الضريبة المضافة يجري اقتراحها من أجل ضمان توفير أنسب الظروف للمؤسسات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.

ويشمل التحليل الذي ما زالت تجريه هيئة مالطا للخدمات المالية حتى الآن العديد من أنواع العقود، من ضمنها المشاركة والمضاربة والمرابحة والبيع المعجل والإجارة وبيع السلم. كما تم تحليل الأنواع المتعددة من الحسابات المصرفية. ويبدو أن هيئة مالطا للخدمات المالية لا ترى أي صعوبة في تعديل القوانين الحالية على نحو يمكّن من العمل بهذه العقود. وقد اقترحت صناعة الخدمات المالية تقييم وتحليل أنواع العقود الأخرى. ومن المتوقع قريبا أيضا أن تنشر هيئة مالطا للخدمات المالية وثيقة تشاورية خاصة بالتكافل والصكوك.

وأكد بوتيجيج على أهمية الترابط بين منتجات التمويل الإسلامي، موضحا أن التآزر والترابط بين العناصر الثلاثة للتمويل الإسلامي يتم على النحو التالي: يتقدم العميل بطلب للحصول على تمويل إسكان بموجب نظام تمويل المرابحة أو الإجارة. ومن أجل الحفاظ على مصلحة البنك، يفرض البنك على العميل الاشتراك في نظام التكافل للرهن العقاري. في ظل هذا النظام، إذا مات العميل خلال فترة التمويل، يتولى صندوق التكافل - وهو قائم على التبرعات - سداد مبلغ التمويل غير المدفوع إلى البنك عنه. من ناحية أخرى، ستقوم شركة للتكافل باستثمار مساهمة أو قسط التكافل في الأسهم غير المعتمدة وأدوات الدخل الثابت. كما أن سوق المال الإسلامية ستوفر منتجات لهذا الغرض. وبالإضافة إلى ذلك، ربما تحتاج البنوك الإسلامية إلى اتخاذ الحيطة تجاه بعض المخاطر في عملياتها. وسوف تفيدها في هذا الشأن أدوات إدارة المخاطر الإسلامية أو المشتقات الإسلامية التي توفرها سوق المال الإسلامية.

وفيما يتصل باتفاقيات الازدواج الضريبي، ألمح بوتيجيج إلى أنه من المتوقع أن توسع الحكومة المالطية قاعدتها القوية من اتفاقيات الازدواج الضريبي مع الدول العربية. ومن المتوقع أن تقترح هيئة مالطا للخدمات المالية على الحكومة المالطية ما هو مطلوب من تعديلات تشريعية ضرورية. ومن المتوقع أن تجري الحكومة المالطية هذه التعديلات في المستقبل القريب.