الصيرفة الإسلامية أهم الغائبين عن قمة الكويت الاقتصادية

لاحم الناصر

TT

في هذا الوقت بالذات الذي أصبحت فيه الصيرفة الإسلامية محط أنظار المراكز المالية العالمية المرموقة من لندن وباريس إلى طوكيو ونيويورك واحتلت عناوين الصحف العالمية البارزة كالفاينانشيال تايمز والايكونوميست والوول ستريت جورنال والواشنطن بوست كصناعة مالية أذهلت العالمَ بصمودها أمام تسونامي الأزمة المالية العالمية. فأخذ العالم في كيل المديح لها وللأصول التي تقوم عليها حيث رأى الكثيرون أنها يمكن ان تصلح ما أفسدته الرأسمالية. تقول الكاتبة الإيطالية لوريتا نابليوني مؤلفة كتاب اقتصاد ابن آوى «ان المصارف الإسلامية يمكن ان تصبح البديلَ المناسبَ للبنوك الغربية». أما السيد غولدن بروان رئيس وزراء بريطانيا فقد اثنى على المصارف الإسلامية فقال «البنوك الإسلامية أكثر أمانا، ومحافظها محمية بأصول حقيقية، وعملياتها ذات مردود جيد على الاقتصاد، ومربوطة بمشاريع رصينة وقوية». كما شدد على ان حكومته تسعى لأن تكون لندن مركزا ماليا للصيرفة الإسلامية. إلا ان هذا الاهتمام العالمي لم نجد له أي أثر أو انعكاس على قرارات قمة الكويت الاقتصادية المتعلقة بالأزمة المالية العالمية، والذي صيغ بأسلوب إنشائي، ولم يقدم حلولا عملية يمكن ان تساعد الدول المنضوية تحت هذا التجمع الإقليمي على مواجهة الأزمة ككتلة اقتصادية واحدة، وكأن من صاغ هذا القرار صاغه مجارة للحدث، حتى لا يقال ان القمة الاقتصادية العربية لم تتطرق للأزمة العالمية وليس تفاعلا مع الحدث بحيث يقدم حلولا ناجعة لمواجهة هذه الأزمة ككتلة اقتصادية واحدة. وكان من أنجع هذه الحلول وأهمها؛ هو ان يدعو القرار الدول العربية إلى تشجيع صناعة الصيرفة الإسلامية عبر توفير المناخ الاستثماري الذي يناسب خصوصيتها سواء من حيث الأنظمة الرقابية في البنوك المركزية أو من حيث القوانين والتشريعات التي تنظم عملها وتقديم الحوافز لها أسوة بالمراكز المالية العالمية كسنغافورة وماليزيا وهونغ كونغ ولندن وباريس وتوفير البنية التحتية التي تساعد هذه الصناعة على العمل وتوفر لها الأدوات المناسبة كأسواق المال وأسواق النقد المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية بحيث تستطيع الاستفادة من أصول هذه الصناعة التي تقدر بـ800 مليار دولار وقد تصل الى تريليون دولار، وهو ما يعادل الناتج القومي العربي، حيث يمكن للسيولة المتوفرة لدى مؤسسات الصيرفة الإسلامية ان تساهم في فك الاختناق الحاصل في سوق التمويل في الدول العربية. كما انه يمكن لهذه الأموال لو وجدت الأدوات المناسبة لطبيعة عملها القائمة على التوافق مع الشريعة الإسلامية ان تساعد الكثير من الحكومات العربية في تمويل عجز ميزانياتها وتمويل أنشاء البنية التحتية في هذه الدول مثل الطرق والمطارات والموانئ، والتي تعتبر احد أهم الأنشطة التي تمولها المؤسسات المالية الإسلامية، حيث توفر لها أصولا حقيقية يمكن تداولها عبر إصدار الصكوك. ويدل على ذلك تجربة حكومة دبي الناجحة في هذا المجال حيث مولت الكثير من مشاريع البنية التحتية لديها عن طريق إصدار الصكوك الإسلامية وكذلك الحكومة الماليزية وولاية انهالت في ألمانيا. كما ان تشجيع الصيرفة الإسلامية في الدول العربية سيؤدي إلى خلق المزيد من فرص العمل في سوق يعتبر الأعلى في العالم من حيث حجم البطالة التي تقدر بـ14 في المائة او ما يقدر بـ17 مليون عاطل عن العمل. لا شك ان هذه الفوائد وغيرها الكثير مما لا يمكن إحصاؤه في هذه العجالة هو ما دفع الكثير من الدول غير الإسلامية إلى احتضان هذه الصناعة وتشجيعها لتصبح مركزا ماليا لها، في حين تحرم الدول العربية من الاستفادة منها بسبب آيديولوجيا متمكنة أو بيروقراطية متحجرة، وهي المؤهلة أكثر من غيرها من الدول الأخرى لاحتضانها لأن أصول الصيرفة الإسلامية اصل في دينها وغالبية مؤسساتها وأصولها ملك لمواطنيها. لقد كانوا يتحججون في الماضي عند مطالبتهم بتشجيع هذه الصناعة بأنها تجربة حديثة لم تثبت نجاعتها، فماذا عساهم قائلون اليوم، وقد شهد العالم بعلو كعبها وصلابة عودها والحق ما شهدت به الأعداء لقد كانت الصيرفة الإسلامية بحق أهم الغائبين عن قمة الكويت الاقتصادية.

والله الموفق

* مستشار في المصرفية الإسلامية