الصيرفة الإسلامية ومؤشر سعر الفائدة

لاحم الناصر

TT

تعتمد الصيرفة الإسلامية على مؤشر الفائدة عند تسعير أرباح عمليات التمويل المختلفة كالمرابحة والإجارة والاستصناع والسلم وغيرها من البيوع الآجلة، بل وصل الأمر إلى جعلها معيارا لإرباح المشاركة والمضاربة، بحيث لا يستحق المصرف من أرباح المشاركة أو المضاربة في عمليات التمويل إلا ما يعادل الفائدة. كما أن الكثير من المصارف الإسلامية أصبحت اليوم تستخدم مؤشر الفائدة في احتساب كلفة الأموال (الودائع)، نظرا لأن الكثير منها أصبح يستخدم آلية المرابحة العكسية لاستقطاب أموال المودعين، بدلا من المضاربة. ونظرا لارتباط مؤشر الفائدة بالربا، حيث إنه يعبر عن متوسط سعر الإقراض قصير الأجل بين المصارف، إما محليا أو دوليا، وفق المؤشر المستخدم، فإن استخدامه من قبل الصيرفة الإسلامية تحف به العديد من المخاطر، سواء الأخلاقية، أو ما يتعلق بعدالة تسعير منتجات الصيرفة الإسلامية. وأقصد هنا بالمخاطر الأخلاقية هو حصول الربط الذهني لدى عملاء وموظفي الصيرفة الإسلامية بين الربح والفائدة وعدم التفريق بينهما، فيصبح لديهم البيع مثل الربا، فتحل كلمة الفائدة محل الربح، والقرض محل البيع في تعامل الموظفين مع بعضهم البعض ومع عملاء المصرف، بغض النظر عما تحتويه العقود من ألفاظ ومعانٍ. ويحدث هنا ما يسمى بالألفة بين اللفظ ومعناه بكثرة الاستخدام، بحيث لا يجد الموظف أو العميل أي حرج في استخدام عبارة الفائدة المعبرة عن الربا، بدلا من الربح، وهذا قد ينقله إلى عدم المبالاة بالوقوع في الربا، حيث زالت الفروق لديه؛ فلم يعد يفرق بين القرض والبيع، أو بين الربا (الفائدة) والربح، فهما لديه سواء. وقد لمست ذلك بنفسي، حيث وجدت أن الكثير من الموظفين لا يرون فارقاً بين الصيرفة الإسلامية وبين الصيرفة التقليدية سوى في المسميات، خصوصا مع منتج التورق المستخدم اليوم على نطاق واسع في التمويل الشخصي. وأذكر أن أحد العملاء اتصل بأحد المصارف، يطلب منه أن يلغي قرضه، وقد بادر الموظف إلى ذلك، مع أن العملية كانت تمويل بالمرابحة عن طريق شراء العميل معادن بالمرابحة من المصرف، ومن ثم يقوم المصرف ببيعها في السوق الدولية، وإيداع ثمنها في حساب العميل. كما أنني قد لا أذيع سرا عندما أقول إن غالبية موظفي الصيرفة الإسلامية اليوم، خصوصا في المملكة العربية السعودية، لا يستخدمون سوى كلمة قرض وفائدة عند تحدثهم عن عمليات التمويل الإسلامي الشخصي. ومما يؤيد ما ذهبت إليه من وجود مخاطر أخلاقية في استخدام مؤشر الفائدة لتحديد أرباح منتجات الصيرفة الإسلامية، هو تحرج الكثير من الهيئات الشرعية من ذكر مؤشر الفائدة في عقود الصيرفة الإسلامية التي تقرها، وذلك لارتباطها بالربا، مع أنها تجيز للمصرف استخدام الفائدة معيارا لتحديد أرباح منتجات الصيرفة الإسلامية. هذا من ناحية المخاطر الأخلاقية، أما من ناحية مخاطر عدالة التسعير لمنتجات الصيرفة الإسلامية، فلا شك أن معدل سعر الفائدة لا يصلح لتسعير أرباح منتجات الصيرفة الإسلامية، حيث إن معدل الفائدة هو عبارة عن قيمة النقود في القرض، حيث تتم مقايضة النقود بنقود لأجل مع الزيادة، أما في الصيرفة الإسلامية، فإن التبادل يتم على أساس النقود بالسلع أو الخدمات. ولا شك أن المخاطر مختلفة هنا بين منتجات الصيرفة الإسلامية وبين القرض التقليدي، فلا يمكن أن يكون معيار التسعير واحداً، فمثلا عند تأخر العميل في سداد القرض التقليدي؛ فإن المصرف يقوم بزيادة قيمة القرض نتيجة تأخر العميل في السداد، أما عندما يتأخر العميل في سداد المرابحة، فلا يمكن الزيادة عليه، لأنه دين ثابت في الذمة.. فالزيادة عليه من ربا الجاهلية. كما أن المقرض التقليدي يمكنه تغيير سعر القرض، وفقا لتغير مؤشر الفائدة، وبالتالي يكون تعرضه لمخاطر تغير سعر الفائدة أقل، لأنه يتماثل مع المؤشر في أدواته وآلياته. أما في الصيرفة الإسلامية، فبمجرد حدوث عقد البيع، فلا يمكن للمصرف تغيير الربحية، لأنها أصبحت ديناً في الذمة بالتالي، فيكون تعرضه لمخاطر تغير سعر الفائدة أكبر، حيث إن هناك اختلافاً بين المؤشر المستخدم، وبين آليات منتج الصيرفة الإسلامية وضوابطه.

لقد سعى الكثيرون لحل هذه المعضلة، وهي إيجاد مؤشر لربحية منتجات الصيرفة الإسلامية، إلا أنني أرى أن الجهد المبذول دون الحد الأدنى المطلوب لحل مثل هذه الإشكالية، التي قد يرى البعض أن حلها متيسر، إلا أنه في الحقيقة أصعب مما نتصور، حيث تختلف المنتجات في الصيرفة الإسلامية وتتباين. كما أنه لا توجد سوق للتمويل الإسلامي بين المصارف الإسلامية. وهذه السوق هي الأداة الوحيدة القادرة ـ من وجهة نظري ـ على إنتاج مثل هذا المؤشر. وكل حل دون ذلك.. فهو بدون فائدة. لذا، يجب السعي وبقوة لإيجاد سوق للتمويل بين المصارف الإسلامية، حتى تولد مؤشرات الصيرفة الإسلامية ولادة طبيعية، لا قيصرية. والله الموفق

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]