عبد الرحمن طه لـ«الشرق الأوسط»: ضعف التجارة بين الدول الإسلامية سببه المناخ الطارد للاستثمارات

مدير المؤسسة الإسلامية لتأمين الاستثمار: نحن الجهة الوحيدة التي تقدم تأمينا إسلاميا ضد المخاطر السياسية

د. عبد الرحمن طه (تصوير: مروان الجهني)
TT

كشف الدكتور عبد الرحمن على طه مدير عام المؤسسة الإسلامية لتأمين الاستثمار وائتمان الصادرات التابعة لمجموعة البنك الدولي أن المؤسسة تعمل على برنامج لزيادة تدفق الاستثمارات الخارجية للدول الإسلامية بعد أن حصلت الأخيرة على قدر ضئيل من التدفقات الاستثمارية العالمية التي لم تتجاوز 3 في المائة.

وعزا طه ذلك الفشل لضعف مناخ الاستثمار في معظم الدول الإسلامية الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي والبالغ عددها 56 دولة. وزاد بقوله في حوار لـ«الشرق الأوسط» في جدة إن المناخ في كثير من الأحيان مناخ طارد للمستثمرين، مبينا أن البنك الإسلامي للتنمية كلف المؤسسة بقيادة هذا البرنامج وإدارته ووصلت أنشطته إلى 9 أقطار من الدول الأعضاء حتى الآن ويعمل بالتعاون مع مؤسسات دولية كمنظمة اليونيدو والاونكتاد، مؤكدا أن هذا البرنامج يسهم مباشرة في تحقيق جذب الاستثمارات للدول الأعضاء. إلى تفاصيل الحوار: > ما الهدف من إنشاء المؤسسة؟ وما هي الأنشطة التي تقوم بها المؤسسة لتحقيق هذا الهدف؟

ـ الهدف الأساسي للمؤسسة أنها تعمل على تشجيع المعاملات التجارية بين الدول الأعضاء وتشجيع صادراتها ومساعدة الدول الأعضاء في جذب الاستثمارات الأجنبية، فلها دوران دور لصادرات الدول والاستثمارات التي تأتي إليها، وهذا الدور يكمل دور البنك الإسلامي للتنمية الذي يسعى إلى دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول الأعضاء.

ونعمل على تحقيق أهدافنا عن طريق تقديم وتوفير خدمات التأمين ضد مخاطر الائتمان المرتبطة بالصادرات والتأمين ضد المخاطر القطرية والسياسية المرتبطة بالاستثمار.

> ما هي العوامل التي تتميز بها المؤسسة عن غيرها من مؤسسات ضمان الصادرات؟

ـ المؤسسة تتميز كمؤسسة تأمين مخاطر ائتمان ومخاطر قطرية، وهناك فرق كبير في هذا المجال في صناعة التأمين كمجال متخصص للغاية، وفي العادة لا تعمل فيه شركات ومؤسسات التأمين العامة. ونتميز كذلك بأننا مؤسسة دولية متعددة الأطراف حيث تسهم فيها 38 دولة إسلامية وهذه ميزة مهمة جدا بالنسبة لمؤسسة تؤمن على المخاطر القطرية لأننا نؤمن على المخاطر القطرية الخاصة بهذه الدول نفسها، وهذا يعطيها وضعا خاصا ومميزا، فعندما أؤمن على مخاطر في السودان أو اليمن أو باكستان فأنا أتعاون مع هذه الدول في درء هذه المخاطر وبذلك يقل ويتوقف احتمال وقوع الخطر. فهذه ميزة مهمة تسندها ميزة أننا جزء من مجموعة البنك الإسلامي للتنمية وهو من أهم مؤسسات تمويل التنمية في العالم وله علاقة متميزة مع الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي. فوجودنا يعطينا قوة وحماية إضافية في أداء مهمتنا. كما استطاعت المؤسسة خلال العام الماضي الحصول على تصنيف عال Aa3 وهو من أعلى التصنيفات التي يمكن أن تعطى لشركة تأمين ويضعنا في نفس المرتبة مع كبريات مؤسسات تأمين مخاطر الائتمان العالمية. والتصنيف المذكور مهم في التعامل مع معيد التأمين الذي ينيبنا في الاكتتاب على هذا الخطر ويقود إلى الثقة بالدرجة العالية من المهنية. وكذلك إننا الجهة الوحيدة في العالم التي تقدم تأمينا على مخاطر الائتمان وعلى المخاطر السياسية بشكل متوافق مع الشريعة الإسلامية، وأهمية الأمر خاصة في النمو السريع للصيرفة الإسلامية والتأمين الإسلامي (التكافل) على نطاق العالم وهناك العديد من المؤسسات المالية ومن المستثمرين يصرون على الحصول على تأمين لمخاطرهم يكون متوافقا مع الشريعة الإسلامية. > ما هي المخاطر القطرية التي تعمل فيها المؤسسة؟ ـ في صناعة التأمين على المخاطر السياسة هي محددة في حزمة ثلاثية من المخاطر الأساسية، وهي خطر التأميم والمصادرة ووضع اليد من قبل الدولة المستضيفة للاستثمار أو أي عمل أو إجراء من قبل الدولة يحرم المستثمر من حقوقه الأساسية في ممتلكاته والتصرف فيها، وهذا الإجراء يمكن أن يكون مرة واحدة عبر قرار يصدر من السلطات مما يحرم مستثمرا في مجال معين في وقت معين من كل أو بعض حقوقه في ملكية والتصرف في هذا الاستثمار. الخطر الثاني هو خطر الحرب والاضطرابات المدنية، وكثير من المستثمرين يهملون خطر الاضطرابات السياسية ويكتفون بالتأمين ضد الحرب. وهناك خطر ثالث يتمثل في خطر عدم التمكن من تحويل أرباح المستثمر أو أصل استثماره من العملة المحلية إلى عملة قابلة للتحويل لأسباب تتعلق بالسلطات المحلية كقرارات البنك المركزي بمنع التحويل إلى خارج الدولة وهذه هي المخاطر الرئيسة وهناك خطر رابع هو خطر عدم التقيد بالالتزامات القانونية بين المستثمر وبين الدولة.

من الأمثلة الحديثة لهذه الأخطار ما قامت به حكومة فنزويلا من مصادرات لاستثمارات أعادت الأذهان إلى فترة التأميم التي اجتاحت العديد من دول العالم في القرن الماضي.

> إلى أي مدى تسهم المؤسسة في تحقيق الأهداف الإستراتجية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية؟

ـ المجموعة وضعت خلال العامين الماضيين رؤية جديدة خلصت إلى أهداف محددة وأسمتها بالرؤية إلى عام 1440هـ وشارك في وضعها مجموعة من حكماء الأمة برئاسة الدكتور مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق وبُنيت عليها إستراتيجية منها أن يركز البنك في عملياته على محاربة الفقر وأن يسعى لمساعدة الدول في بناء البنية التحتية وكذلك أن يسعى ليكون مسهلا لعملية التنمية وليس ممولا فقط، واستخدام علاقاته الوثيقة مع الأسواق المالية ومؤسسات التمويل بأن يوظف هذه القدرة ليجذب ويسهل جذب موارد للتنمية خارج موارده بالإضافة إلى موارده.

تأمين مخاطر الائتمان وتأمين المخاطر القطرية تلعب دورا أساسيا في تسهيل حصول المصدرين على تمويل لصادراتهم وكذلك يساعد الدول الأعضاء الأقل نموا التي لا تتمتع بتصنيفات تؤهلها للاستدانة من الأسواق المالية الدولية لتحصل على تمويلات عبر تغطية المخاطر القطرية وترقية الوضع الائتماني للدولة لتصبح قريبة من اشتراطات الحد الفاصل الذي توافق المؤسسات الدولية فيه على منح الدولة القروض. هذه الأدوات تساعد مجموعة البنك ليسهم في استجلاب موارد لدوله الأعضاء خارج موارده، ومثال على ذلك أن شركة مصرية تعمل في مجال الكهرباء قدمت للحصول على عطاء لمشروع كهرباء كبير في السودان وهي تحتاج لتمويل والسلطات السودانية طالبة التمويل على خمس سنوات. المصارف العالمية لم تمول إلا إذا ضمنت أن السودان سيسدد وجميعها قالت للشركة إن السودان غير مصنف وغير مقبول من ناحية وضعه الائتماني ورفضت بذلك المصارف الدولية تمويل الشركة لكن الشركة حصلت على بوليصة تامين لمخاطر الائتمان للجهة المعنية في السودان، قبل هذا التأمين من مجموعة من البنوك وبادرت البنوك بتوفير التمويل للمشروع الذي تبلغ تكلفته 60 مليون دولار والذي هو في قيد التنفيذ الآن.

البديل الآخر أن البنك الإسلامي للتنمية أن يقوم بتمويل هذا المشروع من موارده الخاصة لأن الأمر هو تحقيق تنمية في دولة عضو وهذا العمل التقليدي للبنك، والآن البنك عن طريق المؤسسة يستطيع أن يحقق تمويل المشروع دون دفع الأموال بسبب توفير التمويل على المخاطر الذي استطاع أن يوفر التمويل من مصادر خارجية من مجموعة من البنوك كضامن عن طريق التأمين.

كما تقوم المؤسسة بالمساهمة في توفير الائتمان للصادرات للدول الأعضاء وتسهم في نمو التجارة البينية وجميعها تسهم في تحقيق التنمية لهذه البلدان وهي من أهداف البنك الأساسية.

بالإضافة للتأمين فالمؤسسة تدير برنامج البنك الإسلامي للتنمية في مجال الترويج للاستثمار وهو برنامج حديث يلعب دورا مهما في مساعدة الدول الأعضاء في بناء قدرتها التنظيمية والمهنية في الترويج لفرص الاستثمار فيها، ويقدم لهذه الدول المشورة الفنية لتحسين مناخها الاستثماري، وهذا البرنامج نتج عن قناعة فشل الدول الأعضاء في جذب نسبة معقولة وعادلة من التدفقات الاستثمارية العالمية الضخمة التي حدثت خلال العقد الماضي وما زالت، فالدول الـ56 الأعضاء في البنك أو في منظمة المؤتمر الإسلامي اجتذبت قدرا ضئيلا من هذه التدفقات لا تتجاوز 2 أو 3 في المائة من تلك التدفقات بسبب ضعف وعدم تطور مناخ الاستثمار في معظم دولنا وهو في كثير من الأحيان مناخ طارد للمستثمرين لذا كلف البنك المؤسسة بإنشاء هذا البرنامج وإدارته وقد أثبت وجوده خلال سنتين وله أنشطة مختلفة في نحو 9 أقطار ويعمل بالتعاون مع مؤسسات دولية ذات خبرة مثل منظمة اليونيدو والاونكتاد فهذا البرنامج نعتقد انه يسهم بمباشرة في تحقيق أهداف المجموعة في دعم الدول الأعضاء في جذب الاستثمارات.

> ما هو نوع الاستثمارات التي قدمتها المؤسسة للدول الأعضاء في السنوات الأخيرة وهل يمكن تسمية بعضها؟

ـ حجم أعمال المؤسسة في السنوات الأخيرة نما بمعدل عال جدا ووصل إلى نحو 1.5 مليار دولار هي حجم الأعمال المؤمنة فعلا، ومعظمها كان في مجال ائتمان الصادرات وتشمل تغطية صادرات العديد من الدول إلى جميع أنحاء العالم. وتعتبر المملكة العربية السعودية هي المستفيد الأول في مجال التأمين على ائتمان الصادرات ثم تركيا ومصر وباكستان. > ما نوع التحديات التي تواجه المؤسسة؟

ـ هي كثيرة لكن التحدي الأساسي هو عدم تطور مجال الأعمال في بنيته الأساسية وبيئته في الدول الأعضاء والوعي بأهمية مخاطر الائتمان والمخاطر السياسية المرتبطة بالعمل، وهذا لا يتأتي إلا إذا كان مستوى الإدارة العامة لمؤسسات الأعمال مرتفعا، كذلك لا يتأتي العمل طالما كانت البنيات الأساسية والتحتية للتجارة والاستثمار ما زالت متدنية مع غياب الشفافية والإفصاح خاصة في الأسواق المالية في كثير من الدول الأعضاء، وهذه من اكبر المشكلات، مما جعل مهمتنا أن نعمل على التأمين ضد المخاطر في بيئة غير متطورة، فمن الأيسر على المؤسسة أن تعتمد على المعلومات من مؤسسات المعلومات العالمية عن الشركات في معظم دول العالم لذلك يندر أن نقبل التأمين على الأخطار لشركة في الدول الأعضاء مباشرة، ونضطر لإجبار المتعامل على الحصول على خطاب اعتماد من احد البنوك المحلية، لأننا نستطيع أن نقبل مخاطر بنك محلي في هذه الدول، وذلك لسهولة تحليل بيانات مقدرته على التسديد، وجزء كبير من نشاطنا في سنواتنا الأولى تركز على ترقية الوعي عن طريق السمنارات والإعلانات وغيرها.

كثيرا ما يحتج مجلس الإدارة على المصروفات ونؤكد لهم أن عملنا يسير في تهيئة الوعي: معظم التجارة الدولية تتم الآن مدعومة بائتمان الصادرات والتجارة التي يجريها رجال الأعمال مع الشركات الآسيوية والأوروبية مثلا تجري عبر هذا النوع من التأمين فشركات ضمان الاستثمار تضمن التاجر المحلي حتى دون أن يعلم هو بذلك فكل التسهيلات الائتمانية من أوروبا أو آسيا وراءها مؤسسات ضمان صادرات.

وواحدة من أسباب ضعف الصادرات في الدول الأعضاء غياب هذه الآلية في الدول الـ56 حيث لا توجد مؤسسات مثيلة إلا في نحو 20 دولة فقط وأغلبها مؤسسات متواضعة. عندما يدور الحديث عن ضعف التجارة البينية بين دول الأعضاء فالناس تتحدث عن الحواجز الجمركية وغيرها، لكن من الأسباب غير المعروفة عدم تمتع صادراتنا بأدوات تمكننا من المنافسة في الأسواق العالمية وأهمها توفر تسهيلات ائتمانية للمشترين في الخارج، ولكي يستطيع المصدر أن يوفر للشريك عمله في الخارج يجب أن يوفر الضمان، والبنوك توفر من هذا الضمان في شكل خطابات ائتمان أو اعتمادات مستندية ولكنها سبل عالية التكاليف، وصعبة المنال في الكثير من الأحيان، إذن البديل هو ائتمان الصادرات وهي ليست فكرة جديدة بل هو نظام معمول به في أوروبا على مدى قرن.

> كيف تحسب أقساط التأمين على المخاطر؟

ـ أقساط التأمين تعكس تقييمنا للخطر الذي نؤمن عليه، وإذا زاد الخطر يرتفع القسط، العامل الآخر فترة الائتمان، فكلما زادت الفترة زاد القسط، وعموما هذا التقييم تحكمه السوق، لأننا لم نعد الوحيدين، إذ صارت هناك شركات عالمية ضخمة تنافسنا، وهذه واحدة من التحديات، والتحدي الآخر هو المقدرة التأمينية، فرأسمالنا البالغ 250 مليون دولار ـ رغم كبره ـ إلا أنه لا يغطي الطلب الحالي والمتوقع لخدمات المؤسسة، ونعتقد أن رأس المال ضعيف ولن تتمكن المؤسسة من لعب الدور المنوط بها دون أن يقوى رأس المال، والبنك الإسلامي على وعي بذلك وقام مؤخرا بزيادة رأس المال بنسبة 50 في المائة.

قبول المصارف لأعمال ضمان ائتمان الصادرات يعتبر عملا أساسيا للبنوك، ولكنها للأسف لا تقوم بهذا الدور بالشكل المطلوب، نحن نحاول أن يسير هذا العمل، ومن ضمن محاولاتنا اتفقنا مع خبير عالمي متخصص في كيفية الاستفادة من المصارف من التعامل مع ائتمان الصادرات، وكيفية التعامل مع هذه الآلية.