السلم المصرفي المنظم

لاحم الناصر

TT

عقد بيع السلم أو السلف هو احد العقود المسماة في الشريعة الإسلامية. فقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: «من أسلف فيكم فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم». وقد اجمع المسلمون على جوازه، ومعنى السلم في اللغة أي الترك أو الإعطاء أو التسليف. وذهب الفقهاء مذاهب شتى في تعريفه حسب الشروط التي وضعها كل فقيه لصحة السلم عنده. إلا أنني أرى ان أحسن ما عرف به السلم هو انه عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد. ويشترط لصحة عقد السلم ان يكون المسلم فيه (المبيع) غير معين، بل موصوف في الذمة مقدور على تسليمه عند حلول اجله وان يتم ذكر جميع صفات المسلم فيه التي يختلف الثمن باختلافها مثل العلامة التجارية أو بلد الصنع أو الإنتاج أو نوع المنتج مثل ان يكون المسلم فيه رزاً فيذكر نوع الرز وصفته ووزنه وبلد الإنتاج. كما يجب ذكر مقدار المسلم فيه فإن كان بالوزن فيذكر وزنه وان كان بالعد فيذكر عدده وان كان بالحجم فيذكر حجمه فيتم ضبط الصفة والمقدار ضبطا ينفي الجهالة عنه ويحقق العلم به. كما يشترط لصحة عقد السلم تسليم الثمن في مجلس العقد فلا يجوز ان يؤجل تسليم الثمن لان ذلك من بيع الكالئ بالكالئ المحرم في الشريعة الإسلامية. ومعنى بيع الكالئ بالكالئ أي الدين بالدين.

وعقد السلم يعتبر احد أهم العقود التي تقدم للمصارف الإسلامية حلا بديلا لتقديم التمويل النقدي لعملائها الذين يحتاجون له لتمويل رأس المال العامل. كما انه يعتبر من أوائل عقود التحوط المعروفة في العالم، حيث يحقق رغبة طرفيه في التحوط، فالبائع يحتاط من كساد الأسواق والمشتري يحتاط من تذبذب الأسعار. فعقد السلم فيه شبه بعقود الخيارات الموجودة اليوم. إلا انه خلا من محاذيرها. ومن هنا فإنه يجب على الصيرفة الإسلامية السعي لاستخدام هذا العقد في منتجاتها وتطويره بما يتناسب مع أساليب العمل المصرفي ويحقق المقاصد الشرعية لهذا العقد لا ان يكون الهدف من التطوير هو التحايل على الشريعة الإسلامية لاستحلال ما حرم الله بأدنى الحيل بحيث يكون شكل العقد عقد سلم وتكون حقيقته قرضا بفائدة، مثلما تفعل بعض المصارف اليوم، حيث تسعى لطرح منتج للتمويل الشخصي يقوم على عقد السلم بحيث يقوم المصرف بترتيب جميع الاتفاقيات وتنظيمها وإبرام العقود وتنفيذها مع الأطراف ذات العلاقة في السوق الدولية. فيقوم المصرف مثلا بإبرام اتفاقية مع شركة دولية تتعامل في سوق السلع الدولية ولنقل على سبيل المثال شركة A لبيعه سلعا بصورة شهرية ويوقع اتفاقية أخرى مع شركة وسيطة تتعامل في السوق الدولية لشراء هذه السلع منه بسعر محدد في وقت محدد ومن ثم تتم العملية وفق التالي: يقوم المصرف بإجراء عقد سلم مع عميله على سلعة محددة موصوفة في العقد تسلم على دفعات شهرية في تواريخ محددة وهي السلعة نفسها التي تم الاتفاق عليها بين المصرف والشركة المتعاملة في سوق السلع والتي مثلنا لها بشركة A على بيعها للمصرف ومن ثم يقوم المصرف بتحويل ثمنها في حساب العميل وفي تاريخ استحقاق تسليم كل دفعة من دفعات هذه السلعة يقوم العميل بتحويل ثمنها للمصرف أو بتفويض المصرف بخصمه من حسابه حسب حالة كل عميل. عندها يقوم المصرف بتجميع دفعات عملائه وتحويلها للشركة المتعاملة في سوق السلع وفق التواريخ المتفق عليها في الاتفاقية وتقوم الشركة بتحويل الوحدات المباعة في حسابه وإشعاره بذلك بعدها يقوم المصرف ببيع هذه السلع على الوسيط وفقا للاتفاقية المبرمة معه وهكذا تتكررالعملية في كل دفعة. فقولوا لي بربكم ما الفرق بين السلم المصرفي المنظم و التورق المصرفي المنظم الذي حرمه مجمع الفقه الإسلامي بسبب الصورية وعدم وجود تبادل حقيقي للسلع. أليست الصورية اظهر في عقد السلم هذا منها في عقد التورق؟ الم ينتفِ المقصد الشرعي من عقد السلم. إنني أرى ان عقد السلم هذا باطل لانتفاء القدرة على التسليم من قبل بائع السلم لأنه ليس له القدرة للوصول للأسواق العالمية إلا عن طريق المصرف وهو المشتري سلما. وهنا يتبين لنا ان المصرف لا يحتاج لعقد السلم سوى للحيلة على الربا، فالحيلة فيه اظهر منها في التورق المصرفي. ألا فليتق الله من يحاول ان يسوق هذا النوع من المنتجات القائمة على الحيل. والله الموفق.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]