خبراء : الاختلاف في أحكام المصرفية الإسلامية يزيدها شكوكا ولا يدخل في باب «الرحمة»

أكدوا أن الحل في توحيد فتاوى الهيئات الشرعية

TT

أكد عدد من الخبراء والمهتمين بالشؤون المصرفية الإسلامية أن تطور صناعة التمويل الإسلامي في العقود الثلاثة الماضية أدى إلى تزايد حاجة البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية إلى اصدار اجتهادات فقهية وتطوير منتجات مالية جديدة.

وأوضح الخبراء أن فتاوى هيئات الرقابة الشرعية في مجال التمويل الإسلامي تأثرت كثيراً بالضغوط الكبيرة من المؤسسات المالية الساعية لتطوير منتجات مالية منافسة لنظيرتها التقليدية، تفي بالحد الأدنى من المتطلبات الشرعية، مما أسهم في تطوير منتجات ليست ذات جدوى اقتصادياً، مشيرين إلى أن ذلك تسبب في تراجع الثقة في منتجات المصرفية الإسلامية. غير أن الخبراء اختلفوا على وجوب تحديد جهة واحدة للفتوى، وتشكيل هيئة شرعية متخصصة في المعاملات المصرفية الحديثة، تكون المرجع الوحيد للفتاوى المصرفية أو ما في حكمها منعا لتضارب الفتوى، مع تأكيد البعض أن تعدد واختلاف جهات الفتوى يؤثر سلبا في مصداقية المؤسسات المالية الإسلامية، ويشكك في الصيرفة الإسلامية وصناعتها مستقبلا، على غرار ما أحدثته الآراء المعارضة لـ (التورق المنظم) دون أن تجتهد تلك الأصوات لتوضيح معناه الدقيق، محملين بعض العلماء جزءا كيرا من المسؤولية. وقال لـ «الشرق الأوسط» الخبير الاقتصادي والمصرفي فضل البوعينين أن تعدد جهات الفتوى يؤثر سلبا في مصداقية المؤسسات المالية الإسلامية، خاصة إذا ما تغيرت الفتوى حيال موضوع واحد، أو تعارضت في أسوأ الأحوال، حيث ينظر البعض إلى اختلاف العلماء حيال بعض أحكام المعاملات المالية على أنه (رحمة)، غير أن الاختلاف يقود إلى التشكيك في الصيرفة الإسلامية.

وأضاف البوعينين أن بعض المفتين كذلك قد يلحقهم بعض الأذى من فتاواهم في المصرفية الإسلامية، وبين بقوله «نحن لا نقول بوجوب توافق جميع العلماء حول قضية بعينها، لكن يفترض أن تكون هناك مساحة للنقاش والتوضيح بين العلماء أنفسهم دون أن يخرج ذلك إلى العامة الذين ينظرون إلى نقاشات العلماء للوصول إلى الحكم الشرعي الصحيح على أنه (اختلاف فيما بينهم) ما يؤدي بالتبعية إلى التشكيك في بعض الفتاوى وإن كانت صحيحة وموثوقة». وأقرّ الخبير المالي والاقتصادي أن الاختلاف في الفتوى الناتج عن تعدد جهات الفتوى شائع في العالم الإسلامي، وهو ما لا ينبغي حدوثه خاصة، لأن ذلك سيعيق الوصول بالمصرفية الإسلامية إلى مركز القيادة في العالم الإسلامي، مشيرا إلى أن بعض مصطلحات العلماء قد لا يفهمها العامة ما يقودهم إلى التشكيك، أو تحريم بعض المنتجات الإسلامية المجازة شرعا، على غرار ما أحدثته الآراء المعارضة لـ (التورق المنظم) دون أن تجتهد تلك الأصوات لتوضيح معنى التورق المنظم للمتلقين.

وتابع البوعينين أن مثل تلك الآراء أحدثت أثرا كبيرا في القطاع المصرفي الإسلامي قاد بعض المشككين والمتصيدين في المياه العكرة إلى التشكيك ببعض فتاوى العلماء الثقات دون تبصر. وشدد البوعينين بوجوب تحديد جهة واحدة للفتوى، وتشكيل هيئة شرعية متخصصة في المعاملات المصرفية الحديثة، تكون المرجع الوحيد للفتاوى المصرفية أو ما في حكمها منعا لتضارب الفتوى واختلاف الناس فيما بينهم، ويمكن للهيئة الشرعية أن ترتبط بسماحة المفتي أو هيئة كبار العلماء، إلا أنها تبقى مستقلة ومتخصصة لقضايا الصيرفة الإسلامية. كما يمكن للهيئة الشرعية المركزية أن تنظر فيما يختلف فيه أعضاء هيئات المصارف الإسلامية فيما بينهم، وأن ترجح الرأي الصواب ويلتزم برأيها الجميع. من جهة أخرى، قال الدكتور محمد بن إبراهيم السحيباني عميد كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وأحد المهتمين بالنواحي الشرعية للمصرفية الإسلامية، إن تطور صناعة التمويل الإسلامي في العقود الثلاثة الماضية أدى إلى تزايد حاجة البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية إلى استصدار اجتهادات فقهية وتطوير منتجات مالية جديدة.

وأكد السحيباني أن فتاوى هيئات الرقابة الشرعية في مجال التمويل الإسلامي تأثرت كثيراً بالضغوط الكبيرة من المؤسسات المالية الساعية لتطوير منتجات مالية منافسة لنظيرتها التقليدية، تفي بالحد الأدنى من المتطلبات الشرعية، ما أسهم في تطوير منتجات مرجوحة شرعاً وغير كفؤة اقتصاداً.

وأشار السحيباني إلى أن ذلك تسبب في تراجع الثقة في منتجات المصرفية الإسلامية؛ حيث أصبحت تمثل في نظر الكثيرين مجرد تغييرات شكلية، تتجه أكثر للتوافق مع الصيرفة التقليدية وليس الشريعة الإسلامية، من خلال صيغ تمويل مرجوحة أو محرمة عند كثير من علماء المسلمين مثل (التورق)، مبينا أن ذلك أهم أسباب المطالبة بتوحيد جهة الفتوى في مسائل المصرفية الإسلامية. واستدرك السحيباني بأن المشكلة التي أدت إلى تراجع الثقة في المصرفية الإسلامية ليست تعدد فتاوى هيئات الرقابة الشرعية واختلافها، بل تقاعس صناعة التمويل الإسلامي عن تطوير منتجات مصرفية أصيلة ومتميزة وعليه، فإن الحل لا يكون في توحيد جهة الفتوى؛ لأن الاختلافات بين العلماء في بعض المسائل المتصلة بالمصرفية الإسلامية أمر صحي، بل ومطلوب، ولست ممن يحبذون وجود هيئة شرعية متخصصة في المعاملات المصرفية الحديثة، تكون المرجع الوحيد للفتاوى المصرفية في كل بلد، لأن نجاح الصيرفة الإسلامية يعتمد على الإبداع والابتكار، والذي يجب ألاّ يقيد بقيود إضافية خلاف القيود الأساسية التي حددتها الشريعة. وبحسب السحيباني فإنه يمكن أن يتم التدخل التصحيحي المقترح من خلال جهة ممثلة للعلماء المختصين بالتمويل الإسلامي لتقييم منتجات المصرفية الإسلامية من حيث السلامة الشرعية، معتبرا أن الهيئة الشرعية للتصنيف والرقابة التي أنشأها المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية مؤخراً مثال لهذه الجهة، ذلك لأنها تقوم بتصنيف المنتجات الإسلامية التي تصدرها البنوك المختلفة من حيث مطابقتها لمقاصد الشريعة وضوابط المعاملات المالية.