تايلاند تدخل المصرفية الإسلامية وتطلق مؤشرا متوافقا مع الشريعة الشهر المقبل

بهدف استقطاب مستثمري الشرق الأوسط .. والحكومة تدرس تمويل خطوط الطيران عبر التمويل الإسلامي

جانب من التداولات في سوق تايلاند للأوراق المالية («الشرق الأوسط»)
TT

تسعى تايلاند للدخول في سوق المصرفية الإسلامية، واستقطاب أغنياء المسلمين في الشرق الأوسط والدول المجاورة لها، وذلك من خلال تقديم بعض المغريات لرجال الأعمال المسلمين. وتسعى تايلاند إلى تقديم شركات متوافقة مع الشريعة الإسلامية، وتأمل سوق تايلاند للأوراق المالية، التي تشهد حاليا حالة من الاضطراب، في استقطاب الأموال المسلمة، ولكن دعاية التايلانديين لا ترتكز فقط على الوعود بتحقيق عوائد مرتفعة، فالبورصة تقول إن هذه الشركات سوف تحقق الفائدة للمحصلة النهائية للمسلمين وضميرهم أيضا.

ومؤشر تايلاند المتوافق مع الشريعة الإسلامية، الذي ينطلق خلال شهر أبريل (نيسان) المقبل، عبارة عن مجموعة مختارة من الشركات التي تم إخضاعها للتمحيص من قبل علماء الشريعة الإسلامية الذين يتحققون من الميزانية العمومية لهذه الشركات، ويتأكدون من خلو أنشطتها من أي مخالفة لمبادئ الشريعة الإسلامية. والشركات ذات الصلة بلحم الخنزير، والتبغ، والخمور، أو حتى صناعة الدفاع، يتم استبعادها فورا. ثم يأتي الجزء الصعب من العملية، إذ يتعين وجود خبرة حقيقية من أجل غربلة الشركات التي تخالف قواعد التحريم في الشريعة الإسلامية، للفائدة المبالغ فيها، وهي التي وردت في القرآن الكريم باسم «الربا»، فتجنب الفائدة هو أساس التمويل الإسلامي. ويقول هابهاجان سنغ، الذي يقوم بمتابعة اتجاهات التمويل الإسلامي لصحيفة ماليزية يعمل مساعدا لرئيس تحريرها «إن التعامل بالربا إثم كبير. ومن أجل أن يشارك المسلمون في الأنشطة المالية الحديثة، يجب أن يستبعدوا عنصر الفائدة». وتستبعد عملية التمحيص أي شركة تحقق ربحا من الفائدة - مثل البنوك - في مصلحة الشركات التي تحقق ربحا من الأصول المادية. ووجدت هذه الفكرة طريقها إلى دنيا المال الحديثة، فسوق تايلاند للأوراق المالية تسير على خطى أسواق الأوراق المالية في سنغافورة وهونج كونج في تقديمها لمؤشر للأسهم المتوافقة مع الشريعة الإسلامية. وسوف يتم حساب مؤشرها الشرعي الجديد بمعرفة مجموعة «فوتسي» التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها. ويقول سانتي كيراناند، الذي يترأس تطوير السوق في سوق تايلاند للأوراق المالية «إن المؤشر المتوافق مع الشريعة الإسلامية يهدف في الغالب إلى تشجيع مزيد من المستثمرين في الشرق الأوسط، ولكنه أيضا يفتح الأبواب أمام المستثمرين من دولتي ماليزيا وإندونيسيا ذواتي الأغلبية الإسلامية. ورغم أن أغلبية سكان تايلاند يدينون بالبوذية، فإن الدولة تضم أيضا كثيرا من المسلمين، وإنْ كان أغلبهم يتركز في المناطق الجنوبية الفقيرة بمحاذاة الحدود مع ماليزيا».

ويضيف سانتي أنه «رغم أن هناك مسلمين كُثر في بلادهم، وحيث ينبغي أن يكونوا من بين المستهدفين أيضا، إلا أنه يجب أن ننوع قاعدة مستثمرينا؛ لتضم المناطق الأخرى في العالم، فالشرق الأوسط لا يستثمر بما يكفي في سوق رأس المال التايلندية».

وفي الوقت الحالي يعكف سانتي وفريق صغير على تخطيط «معرض متجول» يشمل المراكز المالية الشرق أوسطية في قطر وأبو ظبي ودبي. ويقول بول هوف المدير التنفيذي لفوتسي آسيا والمحيط الهادي «صار كل من عالمي الأعمال في الغرب وفي شرق آسيا، مؤخرا، أكثر وعيا بمبادئ التمويل الإسلامي»، مضيفا أن «هذا الوعي اتسع في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية والتوجه الكبير نحو العولمة». وزاد بول هوف «إن المؤشرات الإسلامية أكثر من مجرد إراحة لضمائر المستثمرين في الشرق الأوسط، فهذه المؤشرات تحقق أداء مثيرا للإعجاب. ويلاحظ أنصار التمويل الإسلامي أن المؤشرات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية لا يمكن أن تتضمن البنوك، أو أية قطاعات شديدة المخاطر وعالية الاستدانة، التي يحمِّلها كثيرون المسؤولية عن تفجير الانكماش الحالي في النشاط المالي العالمي».

وهنا يقول هابهاجان سنغ «يجب أن يعود المرء إلى الوراء، وينظر في كيفية تكوين أصل معين، فإذا كان هذا الأصل مدعوما بالكامل بالورق - مثل معظم حالات الرهن العقاري عالي المخاطر - فحينئذ لا يعد مقبولا من منظور الشريعة الإسلامية».ويضيف سنغ أنه «على مدى العقود الأربعة الماضية، ومع تطوير الشرق الأوسط لمراكز مالية قوية، عمل علماء الشريعة الإسلامية على تأويل التعاليم المالية الإسلامية في سياق عصري».

لقد أثبتت الأسهم المتوافقة مع الشريعة الإسلامية أنها على الأقل تستطيع المنافسة، فالمؤشر العالمي للأسهم «الناشئة» من اختيار «فوتسي» تفوق بدرجة طفيفة على نظيره المتوافق مع الشريعة الإسلامية، الذي حقق على مدى نشأته عائدا بنسبة 4.6 في المائة. وعلى مدى الأشهر الستة الماضية، ومع انهيار معظم المؤشرات، يبدو كثير من الأسهم المتوافقة مع الشريعة الإسلامية أكثر مرونة، وإن كان هذا ببضعة نقاط مئوية فحسب، وانخفض مؤشر «فوتسي» العالمي المكون مما يزيد على 2800 شركة بنسبة 44 في المائة على مدى الأشهر الستة الماضية. ولكن الشريحة المتوافقة مع الشريعة الإسلامية من هذا المؤشر المجمع انخفضت بنسبة 40.2 في المائة فقط.

إلى ذلك، تعمل كثير من الشركات بما يتفق مع أحكام القرآن الكريم، دون حتى أن تحاول ذلك. وعندما قامت فوتسي جروب بفحص بورصة تايلاند من خلال مستشارين شرعيين موجودين في دبي، تبين لها أن قرابة نصف الشركات المدرجة فيها، البالغ عددها 132 شركة، تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية.ولم تكن البورصة تحتاج إلا إلى وضع هذه الشركات الخمسين، أو نحو ذلك، في مؤشر خاص، والبدء في استقطاب المستثمرين من الشرق الأوسط الغني بالنفط. وتتضمن الأسهم التايلاندية التي تأهلت للانضمام إلى المؤشر شركة «بانبو» للطاقة، ومجموعة «سيام سمنت جروب» الثرية للأسمنت. وعلى الرغم من أن المؤشر سيستهدف في المقام الأول العرب المسلمين، فإن هوف يقول إنه من الممكن أن يغري المستثمرين من كافة الأديان إذا كانت الأرباح مناسبة. ويضيف قائلا «إذا رأوا أن الأداء أفضل، سيكون المؤشر جذابا للجميع». يذكر أن تايلاند تعتزم دراسة فكرة تمويل خطوط النقل ومشاريع رأسمالية تنفذها الخطوط الجوية التايلاندية من خلال التمويل الإسلامي، وذلك وفقا لمكتب إدارة الدين العام، حيث يقول بونجبانو سفيتاروندرا مدير عام مكتب إدارة الدين العام «إن السندات الإسلامية تمثل أحد الخيارات المطروحة لجمع رأس المال من أجل تمويل كلا المشروعين الاستثماريين الحكوميين، بالإضافة إلى مشاريع البنية التحتية الكبرى التي يقودها القطاع الخاص». وأوضح بونجبانو سفيتاروندرا أن الأزمة الاقتصادية العالمية أدت إلى إغلاق الأسواق المالية التقليدية، ولكن الأسواق المالية الإسلامية مازالت مفتوحة، سواء في الشرق الأوسط، أو في ماليزيا، أو المملكة المتحدة. وأضاف سفيتار أن «تايلاند أمامها فرصة للاستفادة من الأموال من هذه المصادر، للمساعدة على تنمية الاقتصاد». ويتم تصميم أدوات التمويل الإسلامي من أجل الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية، من حيث تحريمها لدفع الفائدة وتقاضيها، وبدلا من ذلك.. يتم تصميم السندات الإسلامية المعروفة أيضا باسم «الصكوك» لدفع معدلات أرباح للمستثمرين.

وبحسب بونجبانو، فإن وزارة المالية تعكف حاليا على مراجعة القوانين الضريبية، من أجل استبعاد العقبات التي تقف في طريق تطوير سوق للسندات الإسلامية، مع توقع الانتهاء من هذه العملية في غضون شهر.

ومن بين القضايا الضريبية ذات الصلة بالتمويل الإسلامي، كون الصكوك عادة ما تستخدم أصول المشاريع والعوائد المستقبلية كضمان، مقابل الالتزام الأصلي. وبموجب القانون التايلاندي، مثل هذه التحويلات قد تترتب عليها أعباء ضريبية.

يشار إلى أن بنك تايلاند الإسلامي بصدد إطلاق مشروع تجريبي لإعطاء دفعة للسوق، من خلال بيع سندات تبلغ قيمتها 100 مليون رنجت (ما يعادل 2 مليار باهت) في السوق الماليزية.

وأضاف بونجبانو قائلا إن الشراكات بين القطاعين العام والخاص تمثل استراتيجية أخرى، سوف يتم استخدامها للمساعدة على تمويل برامج البنية التحتية الجديدة. ويمكن استخدام نظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص، من أجل خطوط النقل الجماعي الأرجواني والأزرق والأخضر، المخطط إنشاؤها في بانكوك بقيمة إجمالية 80 مليار باهت ( 2 مليار دولار)، بالإضافة إلى الطريق السريع المخطط إنشاؤه بتكلفة إجمالية 50 مليار باهت (1.1 مليار دولار)، الذي يربط بين عدد من المدن. وستمثل الشراكة بين القطاعين العام والخاص نموذجا للمشروعات التنموية في تايلاند، حيث ترتكز شروط هذه المشروعات على المخرجات، لا الأصول.

وفي ظل أي من هذه المشاريع، تشترط الحكومة استيفاء معايير معينة للخدمة من قبل مشغلي القطاع الخاص، سواء أكان المشروع طريقا، أم خطا حديدا، أم نظاما للنقل الجماعي. ويتعين على المشغلين الالتزام بمعايير الخدمة طوال فترة العقد، وذلك استنادا إلى مفهوم «الدفع مقابل توفير الخدمة». ويبين بونجبانو إنه إذا لم تكن هناك خدمة، لن يتم دفع أي أموال. وأعلن مكتب إدارة الدين العام أيضا، مؤخرا، أنه يعكف على مراجعة خططه لإصدار الدين للسنة المالية 2009، بزيادتها من 1.19 ترليون باهت إلى 1.31 ترليون باهت، من أجل تغطية إنفاق العجز الإضافي من قبل الحكومة، والاقتراض من الخارج من قبل المؤسسات الحكومية والمرافق الحكومية. وكان من المتوقع أن يبلغ الدين العام للسنة المالية المنتهية في سبتمبر (أيلول) 42.73 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، مع تحديد التزامات خدمة الدين بنسبة 10.2 في المائة من إجمالي مصروفات الميزانية. وقد بلغ الدين العام في نهاية عام 2008، 3.471 ترليون باهت.