مصرفيون: تحديات المصرفية الإسلامية تتمثل في شح السيولة وانخفاض أسعار النفط وتراجع أسعار الأصول

دعوا إلى تطوير المنتجات الإسلامية وتوفير البديل الأفضل

مطالب بضرورة توجيه تمويلات المصارف الإسلامية إلى القطاعات العقارية والإنتاجية بدلا من الاستهلاكية («الشرق الأوسط»)
TT

أقرّ عدد من خبراء المصرفية الإسلامية بعدد من المخاطر التي تواجه المنتجات المصرفية الإسلامية جراء الأزمة المالية وتأثيراتها خلال عام 2009، وأن ذلك عائد لقلة السيولة وانخفاض أسعار النفط وتراجع أسعار ونوعية الأصول وتوريق الديون.

وطالب الخبراء في حديثهم لـ «الشرق الأوسط» بتطوير المنتجات الإسلامية التي تجد رواجا وإلغاء الضعيف منها مع توفير البديل الأفضل المتوافق مع المقاصد الإسلامية، خاصة أن بعضها تأثر بشكل متفاوت ومن ضمنها التمويل العقاري والذي يعتبر الخاسر الأكبر من  بين المنتجات الإسلامية، مؤكدين إمكانية تقليل تلك المخاطر بمزيد من الحلول التمويلية المبتكرة وتعزيز الشفافية، وتوفير معايير وأنظمة أكثر قوة في إدارة المخاطر. وشدد الخبراء على تعزيز التنسيق بين المؤسسات المالية الإسلامية والجهات الرقابية فيما يتعلق بأي مستجدات وتطورات في المنتجات والحلول المبتكرة، ونصحوا بوجوب التنويع في طرح مزيد من الحلول التمويلية الإسلامية المبتكرة لتقليل المخاطر ولتفادي التأثير السلبي الناتج عن التركيز على منتج معين، داعين إلى توخي  العظة والعبرة والدروس من الأزمة العالمية وفهم أسبابها وآثارها ونتائجها من أجل التحوط والاحتراز والابتعاد عن كل ابتكارات جديدة تتنافى مع مقاصد الشريعة.

وقال عبد الرحمن الجدعان الخبير المصرفي السعودي، إنه مع تزايد الأحداث وتفاقم تأثير الأزمة المالية العالمية على اقتصاديات العالم في عام 2009، لم يسلم قطاع المصرفية الإسلامية من مخاطر وتبعات هذه الأزمة، غير أنه سيكون أقل تأثرا بهذه التداعيات مقارنة مع قطاع التمويل التقليدي.

وربط الجدعان هذه المخاطر بقلة السيولة وارتباطها بانخفاض أسعار النفط، باعتبار أن غالبية المصارف الإسلامية توجد في الدول المصدرة للنفط، بالإضافة إلى طبيعة أنظمة إدارة السيولة، وتراجع أسعار ونوعية الأصول، مستدركا أنه من الممكن تقليل هذه المخاطر بمزيد من الحلول التمويلية المبتكرة وتعزيز الشفافية، وتوفير معايير وأنظمة أكثر قوة في إدارة المخاطر. وبرغم محدودية تأثير الأزمة المالية العالمية على المصارف الإسلامية فإن بعض المنتجات الإسلامية ـ في رأي الجدعان ـ تأثرت بشكل متفاوت ومن ضمنها التمويل العقاري في بعض بلدان الخليج والذي يعتبر الخاسر الأكبر بين المنتجات الإسلامية. فمع تضخم المحافظ الخاصة بالتمويل العقاري وارتفاع أسعار العقار خلال السنوات الأخيرة بشكل مبالغ فيه، سيكون الركود العالمي وانخفاض أسعار العقار بعد الأزمة سببا في انخفاض ربحية هذه البنوك خلال هذه السنة.

وأشار الجدعان إلى أنه في حالة مخاطر تعثر المستفيدين من هذا التمويل في سداد مديونياتهم فسيكون التأثير مباشرا على هذه البنوك، وهذا يدل على وجوب التنويع في طرح مزيد من الحلول التمويلية الإسلامية المبتكرة لتقليل المخاطر ولتفادي التأثير السلبي الناتج عن التركيز على منتج معين. وأضاف أن البنوك الإسلامية تنطوي بحكم طبيعتها على مخاطر أقل من نظيراتها التقليدية، لأنها لا تستثمر في القروض (بسبب تحريم الفائدة) ولا تجارة الخيارات الآجلة أو صناديق التحوط أو البيع على المكشوف أو المضاربة، حيث إن مشكلة كثير من المصارف التقليدية العالمية هي ضياع الأصول بكاملها. أما في المصارف الإسلامية، فإن تدني أسعار الأصول هو فقط المشكلة وليس الأصل في حد ذاته، ولا حتى ربحيته، علما بأن البنوك الإسلامية تركز على الأعمال المصرفية فقط من الوساطة المالية، ولذلك فهي ملاذ آمن أقل عرضة للأخطار من فرط الابتكار الائتماني. ومن جانبه أكد علي مشهور القحطاني المصرفي السعودي، أن معظم الدّول تنفذ معاملاتها المالية دون إدراك للمخاطر المترتبة على أدوات التمويل والاستثمار  حتى انفجر بركان الأزمة المالية مؤخرا، متفقا مع الجدعان فيما ذهب إليه من أسباب المخاطر مضيفا إليها أسبابا أخرى، لخصها في توريق الديون كأداة للتخلص من المخاطر والتي رأى أنهالم تفلح في عملية الإنقاذ، بالإضافة إلى التضليل بشراء سندات الديون بفوائد مجزية وتصنيفها على أنها استثمارات آمنة، ملخصا الكارثة في فقاعة بيع الديون عن طريق التوريق (التسنيد).

وأكد القحطاني أن أكبر المخاطر ناتج عن المشتقات المالية التي تشبه القنابل الموقوتة وهي المبادلات والخيارات والمستقبليات والتي وصفها بأنها أدوات قمار ومجازفة وبيوع وهمية تقوم بها للأسف خزانات البنوك التقليدية محلياً وخارجياً، مشيرا إلى أن الفرق في تلك المسميات يكمن في  أن المقامر العادي يقامر بأمواله، في حين أن البنوك وبعض شركات الرهن العقاري تقامر بأموال المستثمرين في غياب عن الرقابة وجهات الإشراف.

وأضاف القحطاني أن المحرك والدافع الكبير وراء ابتكار المشتقات هو الجشع والطمع لمزيد من الفوائد الربوية، فهي ليست سوى معاملات قائمة على الاحتمالات وتنتهي بالتسوية على فروق الأسعار دون نقل ملكية أصول حقيقية، مبينا أن المنتجات الإسلامية المطبقة حالياً في المصارف لا تزال تحتاج إلى المزيد من التطوير والتحسين وإلغاء الضعيف منها عندما يتوفر البديل الأفضل من الناحية الشرعية. وأشار الخبير إلى أن التقلب الشديد في معدلات الفائدة على القروض التقليدية هو السبب الرئيسي في التقلبات الحادة في حركة النشاط الاقتصادي، مما أدى إلى مشاكل هيكلية في الاقتصاد والنظام المالي.

ودعا القحطاني المؤسسات المالية الإسلامية إلى توخي الحذر والعبرة والدروس من الأزمة العالمية وفهم أسبابها وآثارها ونتائجها من أجل التحوط والاحتراز والابتعاد عن كل ابتكارات جديدة تتنافى مع مقاصد الشريعة، كما أن الطريق ممهد للعاملين في هذا الحقل في المستقبل القريب لإعادة النظر في المنتجات التي ظهر فيها ضعف وكانت محل خلاف بين علماء الشريعة والمبادرة بتطوير الحلول التي تبعد كل البعد عن الممارسات غير الأخلاقية وعن محاكاة المصرفية التقليدية، مع الحرص الشديد على تعزيز التنسيق بين المؤسسات المالية الإسلامية والجهات الرقابية فيما يتعلق بأي مستجدات وتطورات في المنتجات والحلول المبتكرة. وبحسب المحلل المالي الدكتور بندر العبد الكريم هناك دعوة من قبل البعض إلى التوسع في استخدام التمويل الإسلامي في ظل الأزمة المالية العالمية، ومع ذلك، فإن المعوقات المحتمل ظهورها للمصرفية الإسلامية، والتي قد تصبح واضحة في عام 2009، إذ هناك المسائل القانونية المتعلقة بالمصرفية الإسلامية، والتي ينبغي توفر الفهم الواضح لأسس وهيكل عملها.

وأضاف العبد الكريم، أن تطبيق قوانين الإعسار ستكون حيوية في تحديد ما إذا كانت متوافقة مع الشريعة الإسلامية وأكثر تعقيدا تلك المتعلقة بالتوريق الإسلامي والمسموح به في إطار المبادئ التوجيهية، ولكن الصعوبة تكمن في إثبات أن معاملة معينة هي الحقيقية للبيع، المخاطر التي تم تحويلها بالكامل، موضحا أنه حتى الآن، عدد قليل من العقود المالية الإسلامية التي نظرت من خلال المحاكم، لكنه يمكن القول بأن التجربة البريطانية لم تكن مشجعة. وفي رأي العبد الكريم، فإنه من أهم هذه التحديات يتمثل في حقيقة أنه بينما كان من السهل نسبيا لخلق نظام الودائع التي لا تدفع الفوائد، فإن محفظة أصول المصارف الإسلامية لا تحتوي على عناصر قوية بما فيه الكفاية على أن تقوم على تقاسم الأرباح، معتبرا أن الأسباب الرئيسية لذلك تتمثل في عدم وجود إطار قانوني ومؤسسي لتسهيل عقود المناسبة فضلا عن آليات لإنفاذها.

واستطرد أن أهم التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية هي في التنفيذ على نطاق المنظومة، وأنه في الوقت الحاضر فإن الكثير من الدول الإسلامية تعاني من اختلال التوازن المالي التي تحبط محاولات بالجملة اعتماد الخدمات المصرفية الإسلامية.