مصرفيون غربيون: المصارف الإسلامية لا تعاني مشكلات سيولة في بريطانيا

فيما يواصل التمويل المتوافق مع الشريعة ازدهاره في المملكة المتحدة

عرفت المصرفية الاسلامية ازدهارا كبيرا في بريطانيا في السنوات الأخيرة، و ظهرت عدة بنوك إسلامية، من بينها «البنك الإسلامي البريطاني» (رويترز)
TT

شهدت المؤسسات المالية الإسلامية في بريطانيا زيادة مطردة أكثر من السابق، في الوقت الذي تحولت أزمة الائتمان إلى ركود، بحيث تفوق المصرفيون على السياسيين والمحامين والصحفيين، ليكونوا حديث الشارع. ويوجد في المملكة المتحدة الآن خمسة بنوك متوافقة مع الشريعة توافقا تاماً، وهناك 17 مؤسسة مالية أخرى قامت بإنشاء فروع وشركات خاصة تتوافق مع الشريعة. ومن البنوك المتوافقة مع الشريعة، «مصرف قطر الإسلامي»، ويقع مقر بيت التمويل الأوروبي التابع له في مدينة لندن في ميدان بيركيلي، و«البنك الإسلامي» الذي يمتلك مقرا له في برمنغهام. وكانت دعوة غوردون براون لجعل بريطانيا مركزا عالميا للصرافة الإسلامية الدولية قبل عامين قد وجدت صداها لدى هذين البنكين، وفقا لتقرير أعدته «مؤسسة الخدمات المالية الدولية»، ومقرها لندن، يفيد أيضا بأن القطاع المصرفي الإسلامي في بريطانيا أكبر منه في باكستان في الوقت الحالي. وقال ستيفن موس رئيس التسويق في «البنك الإسلامي البريطاني»: «إن البنوك الإسلامية تعيش في ازدهار، وسيتم توجيه أعمالنا التجارية الأساسية نحو المسلمين على الدوام، ولكن لدينا عملاء من غير المسلمين أيضا، فضلا عن أنه يوجد اهتمام كبير بما نقدمه من أعمال، ويرجع ذلك إلى مجموعة من الأسباب، كلها جعلتنا بمنأى عن أزمة الائتمان». وكان ستيفن موس يلمح إلى الفروق الدقيقة الموجودة بالنظام المصرفي الإسلامي، وبشكل أكثر تحديدا..ً توافق خدمات التمويل مع الشريعة الإسلامية. وتُستمَد الشريعة الإسلامية من القرآن الكريم، وأحد أهم مبادئها يفيد بأن النقود ليست لها قيمة حقيقية، وهو ما قد يبدو غريبا بالنسبة للأجانب المقيمين في المدينة اللندنية، بحسب صحيفة «التايمز». ويعتقد أحد رجال الأعمال البريطانيين، ويُدعى روجر سمي، وهو لاعب كرة قدم محترف سابقاً، ورجل أعمال حاليا، أن الغرب في حاجة إلى مبادئ الشريعة الإسلامية في الوقت الحالي. ووفق روجر، «فالغرب فقد مساره، وكل ما لديه كدليل على النجاح عبارة عن مجموعة من قوائم النجاح. وبدلا من الحط من قدر ما نتسرع في اعتباره قيوداً قانونية مزعجة، يجب علينا النظر بعين الاعتبار إلى القرآن، واستخدام مبادئ الشريعة الإسلامية للبدء في بناء اقتصاديات حقيقية ومستدامة». ويعمل روجر في مجال العقارات التجارية وتجهيزات المكاتب فيما بين الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط. وقد أدرك قبل ست سنوات أن قنبلة مالية موقوتة على وشك الانفجار. لقد عُرض عليه الحصول على حصة مسيطرة في شركة رهونات أمريكية جديدة. وكانت الشركة تعمل في مجال إعادة تمويل أعداد كبيرة من الرهون العقارية، وتُقرض بنسبة 125 في المائة من قيمة الممتلكات المتضخمة بالفعل إلى أشخاص لم يكن لديهم اعتمادات للحفاظ على دفع الأقساط بشكل واضح. «وكما نعرف الآن، فقد تم حزم هذه القروض وبيعها، مما جعل شركة الرهونات تكسب 7 في المائة على كل صفقة. ولكن الأوضاع المالية التحتية كانت معيبة تماماً». وأدى استياء روجر «من مشاهدة عالم التمويل الغربي وهو يتحول إلى كازينو» إلى دفعه نحو تركيز العديد من الأنشطة التي يقوم بها في الدوحة.

وهناك اكتشف أن مبادئ الشريعة الإسلامية «ترتكز على شعور عميق بالمشاركة بين العميل والبنك أو المستثمرين الآخرين». وكان هناك عاملان ساعداه على تفسير حماسه الظاهر؛ فالشريعة الإسلامية تحرِّم الفائدة، وهو الشيء الذي جعل البنوك الإسلامية وعملاءها، على حد قول روجر، بعيدين عن أزمة الائتمان إلى حد كبير.. «فالمصارف الإسلامية لا تُقرض أو تسلّف في سوق المال. ولذا، فإنها لا تعاني من أي مشكلات في السيولة تشبه تلك التي تحاصر البنوك البريطانية». كما أن الشريعة لا تسمح بالاستثمار أو التجارة إلا في الأصول المادية المرئية. ويؤكد حميد يونس، رئيس شركة المحاماة «تايلور ويسينج» أنه بينما تسمح الشريعة بأنواع معينة من الخيارات والعقود الآجلة، مثل بيع السلم «وهو عقد بيع يتضمن تسليما آجِلا»، والعربون «وهو عقد بيع يتضمن وديعة لا تُرد»، فإنها تحرم المنتجات المشتقة الملتفة.. «يجب أن تكون الأصول مرئية، فإذا لم تستطع رؤيتها، فإنها لا تكون متوافقة مع الشريعة». ويتعاطف نيل جيبسون، وهو شريك في مؤسسة «تراورز آند هاملينز»، ويعمل في العديد من الأنشطة المالية الإسلامية، مع فكرة روجر التي مفادها أن مبادئ الشريعة الإسلامية من شأنها أن تساعد على الاحتفاظ بالأسواق التقليدية بمنأى عن الاضطرابات الحالية..

«فالشريعة الإسلامية تحرم الاستثمار في أي شيء يمكن أن يتسم بطابع المضاربة. ونظرا إلى تحريم الفائدة أيضا، لا يستطيع العملاء إرهاق أنفسهم بدين متزايد ذي فوائد». ولكن الوسائل المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، مثل المرابحة، وهو تمويل بيع مؤجّل، تعمل، في الواقع، عمل القرض. ويقول جيبسون «إن التمويل الإسلامي لن يتأثر بما جرى لأسواق الرهون العقارية الثانوية، ولكنه سيتأثر بما حدث للقطاعات الأخرى المتضررة، مثل سوق العقارات». كما يقول حميد يونس إنه يجب أن تكون هناك عودة إلى النظام المصرفي «الذي يرتكز على الأساسيات» في جميع المجالات، وليس فقط نظام المصارف الإسلامية.

ويعقب قائلا «إن المصارف أكثر نفوراً من المخاطر في ظل المناخ الحالي». ولعل هذا هو بالفعل ما تحتاج إليه البنوك، بقدر ما تمليه القيود الدينية للشريعة. وبعبارة أخرى، يقول إليوت كالدويل الرئيس التنفيذي لشركة «كوليرز كابيتال»، والخبير في إدارة صندوق استثمار الملكية «إذا كان الأمر يتعلق بتجارة غير مستدامة في المقام الأول، فلا تهمنا الوسيلة التي تم استخدامها في الاستثمار..سواء كانت تقليدية، أو إسلامية، أو شيئا مختلفا تماما عن ذلك. وفي ظل المناخ الحالي، لن تكون هناك فرص تشعر تجاهها بالارتياح».