النوافذ الإسلامية

لاحم الناصر

TT

يطلق على الأقسام التي تقدم خدمات الصيرفة الإسلامية في المصارف التقليدية النوافذ الإسلامية Islamic windows. وتختلف الخدمات التي تقدمها مثل هذه النوافذ من مصرف إلى آخر، فمنها ما يقدم خدمات مصرفية إسلامية متكاملة لعملاء المصرف، بداية من الفروع، وانتهاء بالخزينة، ومنها ما يقتصر على تقديم خدمات معينة، مثل خدمات الاستثمار أو التمويل. كما أن هذه النوافذ تختلف من حيث أهميتها في الهيكل الإداري والتشغيلي في المصرف، حيث تكون تابعة في بعض المصارف لإدارة التمويل أو العمليات، في حين أنها في بعض المصارف تكون تابعة للرئيس التنفيذي أو العضو المنتدب مباشرة. وينظر إليها في الغالب على أنها وحدة للمساندة، وليست وحدة للأعمال، حيث إن عملها يقتصر على تطوير منتجات الصيرفة الإسلامية بالتعاون مع إدارات المصرف المختلفة، كل إدارة وما يخصها من المنتجات. كما أنها تتولى إدارة العلاقة بين المصرف والهيئة الشرعية، من حيث إجازة المنتجات، والرقابة عليها، إضافة إلى توليها عملية تثقيف موظفي المصرف في الصيرفة الإسلامية، وتدريبهم على المنتجات التي يقوم المصرف بتقديمها. وتزداد أهمية النافذة الإسلامية في المصرف التقليدي كلما زادت شريحة عملائه المهتمين بهذا النوع من الخدمات، بحيث إن دور هذه النافذة قد يتعاظم إلى أن يتحول المصرف إلى مصرف إسلامي بالكامل. ويأتي ذلك إما بحكم الأمر الواقع، نتيجة لتقلص الطلب على منتجات الصيرفة التقليدية، أو نتيجة لقناعة القائمين على المصرف بنجاح تجربة الصيرفة الإسلامية، وجدوى تحويله إلى مصرف إسلامي، إلا أنه قد نشأ عن وجود هذا النوع من المؤسسات المختلطة خلاف بين العلماء، بين من يرى جواز ذلك، ما دامت هذه المؤسسات تقدم هذه الخدمات وفق الضوابط الشرعية، وأن هناك هيئة شرعية تجيز وتراقب. ومنهم من رأى أن هذا الأمر لا يجوز، حيث إن فيه مزاحمة للمصارف الإسلامية الخالصة في أسواقها؛ مما يؤدي إلى منافسة غير متكافئة بين المصارف التقليدية والإسلامية، بالإضافة إلى أن هذه المصارف التقليدية هي مظنّة عدم رعاية الضوابط الشرعية، والسعي للتحايل عليها، حيث إن الدافع لتقديمها هذه الخدمة هو السعي وراء الربح، ولا شيء سوى الربح. ويتفق مع هذا الرأي الكثير من أصحاب المصارف الإسلامية الذين كانوا ردحا من الزمن محتكرين لهذه الصناعة. وقد أخذت بهذا الرأي بعض الجهات الرقابية؛ فمنعت النوافذ الإسلامية في المصارف التقليدية، مثل الكويت والإمارات، إلا أن جل الدول تسمح بوجود النوافذ الإسلامية في المصارف التقليدية. والحقيقة أنني مع الرأي الذي يرى جواز وجود النوافذ الإسلامية في المصارف التقليدية، بل إنني أدعو إلى تشجيع المصارف التقليدية على فتح النوافذ الإسلامية، ما دام النظام العام يسمح بوجود المصارف التقليدية، لأن في ذلك مصالح عدة، منها تقليل الشر، ودفع أشد الضررين بارتكاب أخفهما. كما أن فيه إتاحة لأصحاب المصارف التقليدية للتعرف على منافع الصيرفة الإسلامية عن كثب، وتجربة هذا النموذج؛ مما قد يدفع ـ كما ذكرنا سابقا ـ إلى تحول المصرف إلى مصرف إسلامي، إما بحكم الواقع، أو بقرار من ملاك المصرف، نتيجة لما لمسوه من تأثير إيجابي لهذه الصناعة على نتائج المصرف.

ومن المصالح المترتبة على السماح للمصارف التقليدية بفتح نوافذ إسلامية.. كسر احتكار المصارف الإسلامية لهذه الصناعة؛ مما يوسع دائرة المستفيدين من هذه الصناعة، والخيارات المتاحة أمام عملاء الصيرفة الإسلامية، ويؤدي إلى تسارع عملية تطوير منتجات وخدمات هذه الصناعة. وهذا ما حدث بالفعل عندما بدأت المصارف التقليدية في تقديم خدمات الصيرفة الإسلامية، حيث حصلت طفرة في منتجات الصيرفة الإسلامية في السبع سنوات الأخيرة، إضافة إلى تحسن خدمات وأسعار المصارف الإسلامية، نتيجة للمنافسة، إلا أنني أرى أنه يجب على الجهات الرقابية عند سماحها للمصارف التقليدية بفتح نوافذ إسلامية أن تضع عليها المزيد من القيود، أهمها ما يلي:

أولا: يجب على المصرف التقليدي الذي يرغب في فتح نافذة إسلامية، أو تقديم منتج إسلامي، أن يعين هيئة شرعية أو شركة استشارات متخصصة في الصيرفة الإسلامية، يكون لديها متخصصون في الشريعة لإجازة هذه المنتجات والرقابة عليها، وأن يتم التعيين من قِبَل الجمعية العمومية للمصرف.

ثانيا: أن يكون لدى المصرف إدارة متخصصة للرقابة الشرعية، تحوي عددا من المراقبين الشرعيين المؤهلين، بما يتناسب وحجم العمل في المصرف.

ثالثا: أن يتم الفصل محاسبيا بين العمليات الإسلامية والتقليدية.

رابعا: أن يتم التسجيل المحاسبي للعمليات الإسلامية، وفقا للمعايير الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية.

خامسا: وجود سياسات وإجراءات عمل للنوافذ والمنتجات الإسلامية منفصلة عن إجراءات الصيرفة التقليدية.

سادسا: الإفصاح عن العمليات الإسلامية في التقارير المالية الربع سنوية، والسنوية، والأساليب المحاسبية المتبعة لتسجيلها، ومخاطرها، وكيفية معالجة هذه المخاطر وإدارتها.

سابعا: إرفاق تقرير للهيئة الشرعية عن العمليات المالية الإسلامية مع التقرير المالي السنوي.

ثامنا: التأكد من أن الموظفين الذين ينفذون هذه العمليات مؤهلون في هذا الجانب. لقد بلغ عدد المصارف التقليدية التي لديها نوافذ إسلامية 320 مصرفا حول العالم، وفقا لتقرير المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية، منها 22 مصرفا في بريطانيا وحدها، وعلى رأسها مصرف «إتش إس بي سي» الذي يقدم خدمات الصيرفة الإسلامية عبر وحدته «أمانة» التي أسسها في عام 1998م، وتدير اليوم 19 مليار دولار من الأصول المالية الإسلامية حول العالم. والله من وراء القصد.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]