المصرفية الإسلامية تلقى تجاوبا متزايدا في أميركا

أصبحت يضرب بها المثل في ظل الأزمة التي عصفت بـ«وول ستريت»

الأزمة التي عصفت بالقطاع المالي الأميركي أدت إلى تزايد الاهتمام بالمصرفية الإسلامية («الشرق الاوسط»)
TT

سجالات وحلقات نقاش في الولايات المتحدة عقدت مؤخرا عن صور من حالات التمسك بالتعاملات الإسلامية وضرورة الإيمان بها في اقتصاد رأسمالي عالمي تبين أن درجة تأثير الانكماش الاقتصادي في الولايات المتحدة أقل تأثيرا على المسلمين الأميركيين الذين يلتزمون بأحكام الشريعة الإسلامية نتيجة تحريم دفع الفائدة أو تقاضيها. وذكرت صحيفة «ساكرامنتو بي» الأميركية، التي تصدر في ولاية كاليفورنيا، في تقرير لها، أن المسلمين كجماعة محميون نوعا ما من الأزمة الاقتصادية؛ لأنه يحرم عليهم الاستثمار في البنوك والرهون العقارية، وهما المجالان اللذان تلقيا ضربة كبيرة في السوق، مضيفة أن الأحكام الشرعية المالية تخفف الصدمات في الأوقات العصيبة.

ولفتت الجريدة إلى أن الركود الاقتصادي الذي يمسك بخناق الولايات المتحدة كان له أثر أقل على المسلمين الأميركيين الذين يلتزمون بأحكام الشريعة الإسلامية المقررة التي تحرم دفع الفائدة أو تقاضيها، مبينة أن المسلمين محميون من خلال برامج التقاعد المسؤولة اجتماعيا؛ لأن الشريعة الإسلامية تحرم الاستثمارات في البنوك والرهون العقارية كما تحرم الاستثمار في التبغ أو المشروبات الكحولية أو القمار أو الأعمال الإباحية أو الأسلحة.

من جهته، يقول المهاجر اليمني فاروق فقيرة الذي أدار حلقة نقاش حول التمويل الإسلامي في مسجد النور بساكرامنتو الأسبوع قبل الماضي: «لو أن الجميع كانوا ملتزمين بالشريعة الإسلامية لما كان هناك ركود اقتصادي».

ويزيد فقيرة الذي البالغ من العمر 57 عاما ويعيش في منزل مستأجر ـ مثله مثل المئات من المسلمين المقيمين في المنطقة ـ «أن الفائدة محرمة تماما. إذا كنت تجني أرباحا من وراء المال، فأنت الوحيد المستفيد».

من ناحيته، يقول الإمام محمد عبد العزيز من رابطة المسلمين في منطقة ساكرامنتو إن الشريعة الإسلامية الإسلامية تحرم الربا، وهي الممارسة التي تستغل اليائسين الذين يحتاجون إلى إطعام أسرهم أو حمايتهم وإن «هذه الممارسة تنطوي على شيء من الاستغلال».

أمام ذلك، يؤمن الأميركي من أصل فلسطيني ضياء الدين الغساني أن النتيجة النهائية بالنسبة لكثير من المسلمين هي أنه «إذا لم يكن لدي مال كاف لشراء شيء، فهذا يعني أنني لن أتمكن من شرائه».

ويضيف الغساني ـ الذي ساعدته أسرته على شراء بيت لنفسه في فولسوم نقدا ـ «أنا أستخدم البطاقات الائتمانية، ولكن يجب أن أسدد مديونياتها بالكامل في نهاية كل شهر»، رافضا أن يستثمر أمواله في شركة كوستكو لأنها تبيع لحم الخنزير والمشروبات الكحولية، ولكنه هو والآخرون يشترون احتياجاتهم من هذه الشركة «بدافع الضرورة».

من جهة أخرى، يوضح عرفان حق، الخبير الاقتصادي ورئيس مجلس المنظمات الإسلامية في وادي ساكرامنتو الذي به 10 مساجد، أن قرابة 20 في المائة من المسلمين البالغ عددهم 50 ألف أميركي مسلم في منطقة ساكرامنتو ملتزمون بقواعد الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بالأمور المالية، ولا سيما تحريمها للتعامل بالفائدة. وأبان عرفان حق أن المسلمين بوجه عام كانوا أقل تأثرا بالركود الاقتصادي؛ لأنهم شديدو الحذر ومتحفظون في الأمور المالية وينظرون إلى الحياة نظرة بعيدة المدى. وعلاوة على تجنب التعامل بالفائدة، ثمة مبدأ آخر من مبادئ التمويل الإسلامي يتمثل في تجنب الاستثمار في الأنشطة التجارية التي تخالف الشريعة الإسلامية، وذلك من قبيل المشروبات الكحولية والقمار والبنوك والأسلحة. وهنا يعظ عبد العزيز جمهور مسجده بألا يشتروا أسهم الشركات التي تبيع الكحوليات؛ لأنه «لا يجوز المشاركة في عمل ينشر الخطيئة؛ فالقيادة في حالة سكر تقتل الناس».

أما الأميركي من أصل باكستاني محمد ميمون، الذي يعمل مديرا للمشروعات لدى شركة أوراكل في روكلين، فقد اشترك في برنامج للتقاعد من خلال صناديق أمانة التبادلية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية ومقرها بلينغهام في ولاية واشنطن.

وأبان ميمون البالغ من العمر 38 سنة بالقول: «إنها أفضل نسبيا من الصناديق الأخرى. لقد انخفضت استثماراتي بنسبة تتراوح بين 15 و20 في المائة، في حين أن كثيرا من أصدقائي انخفضت استثماراتهم بما يزيد على 50 في المائة». وتتجنب صناديق الدخل والنمو التابعة لأمانة السندات والأوراق المالية المغلة للفائدة.

من ناحية أخرى، أفاد مدير المحافظ نيك كايزر في حديث نشر على لسانه: «نحن نقوم بغربلة قرابة 5500 سهم كل شهر من أجل مساهمينا الـ75 ألفا، حيث يجتاز الفحص ما بين 2200 و2400 منها. وأكبر كمية أسهم يمتلكها صندوق النمو تتبع شركة آبل كمبيوتر (Apple Computer) ونحن نشتري أسهم التكنولوجيا والصحة والأسهم ذات المديونية المنخفضة أما صندوق الدخل فيركز على شركات الأدوية وأسهم الطاقة وشركات التعدين».

ومعلوم أن الشريعة الإسلامية تحرم أيضا الغرر والميسر (القمار)، ويدخل فيه المضاربة العقارية. وقال متولي عامر مؤسس رابطة المسلمين في منطقة ساكرامنتو إنه يعرف مسلمين كانوا يضاربون في العقارات وخسروا الجلد والسقط.

وهنا، يلفت عامر ـ وهو مهاجر مصري يبلغ من العمر 75 سنة ـ إلى إن جوهر التمويل الإسلامي أن يعيش المرء في حدود إمكانياته وأن يساعد المحتاجين، مضيفا: «لو التزم المسلمون بذلك لكنا أفضل حالا».

ولكنه يشير إلى إن أغلبية المسلمين الذين يعرفهم «صاروا جشعين»، وإن الإسلام لا يحرم الثروة ما دمت تسدد ما عليك. «فالقرآن الكريم يحض على التجارة والدخول في المشروعات التي تتشارك الأرباح والخسائر»، مستطردا بمثال لأحد مسلمي ساكرامنتو وهو قيس المنوفي، الذي تمكن من أن يصير مليونيرا مع تمسكه في الوقت نفسه بالمبادئ المالية الإسلامية.

ويذكر المنوفي البالغ من العمر 62 سنة: «عندما أسست شركتي الخاصة في ساكرامنتو منذ تسع سنوات، استأجرت شقة بـ800 دولار أميركي شهريا في منطقة أردن، وكنت أيضا أنام على مرتبة على الأرض».

وأشار المنوفي إلى أنه من خلال إعادته استثمار أرباحه في شركته ديليجاتا تكنولوجي كونسالتنج أند سيستمز إنتجريشان (Delegata Technology Consulting & Systems Integration) استطاع أن يرفع قيمتها عدة ملايين الدولارات ويعمل بها الآن نحو 100 موظف. ويضيف المنوفي الذي اشترى مؤخرا بيتا مطلا على طريق جاردن هايواي نقدا: «ينفق المرء على نحو يتناسب مع ما يربحه».

أما عبد العزيز من رابطة المسلمين في منطقة ساكرامنتو فبين أنه رغم أن علماء الشريعة الإسلامية عموما يقولون إن المعاملات المالية القائمة على الفائدة محرمة، فإنه في بعض الأحيان لا يكون أمام المسلمين الأميركيين أي خيار آخر. ويزيد: «كل يوم يوجه إليّ سؤال بشأن الفائدة والقروض الدراسية، فأجيب السائل بأن التعليم ليس ضرورة مطلقة».

ويرى عبد العزيز أنه إذا كان هناك طالب لا يستطيع الحصول على قرض فدرالي خال من الفائدة، هنا فليحصل لنفسه على قرض بسعر فائدة أقرب ما يمكن إلى معدل التضخم.

أمام ذلك، يبين بعض العلماء أن العلاقة المالية بين المستهلكين والبنوك لا غبار عليها إن لم يكن هناك استغلال، في حين يذكر أكتر خان الذي يحمل دكتوراه في الاقتصاد أنه اشترى بيته من خلال قرض عقاري تقليدي بدافع الضرورة، ولكنه يأمل أن يسدده في أقرب ما يمكن.

ويعتقد بعض العلماء أنه يجوز للمسلمين شراء بيت من المالك مباشرة من خلال نظام تمويل المالك، حيث اشترى محمد ميمون بيته ممن بناه، مؤمنا بقوله: «لا تتضمن المعاملة أي بنوك، ولا يمكن أن يكون هناك عقد مع طرف ثالث».

بينما يوضح حمزة النخال، وهو اختصاصي أحياء مجهرية متقاعد من مصر، إنه جاء إلى الولايات المتحدة منذ 40 عاما وكان في جيبه 10 دولارات، مضيفا ـ وهو عضو في مجلس إدارة مركز دايفس الإسلامي ـ أن كثيرا من العلماء يقولون إذا كان من الضروري أن تشتري بيتا في بلد أجنبي وتحصل على قرض مصرفي من أجل البقاء فلا بأس في ذلك.

يذكر أن بنك «لا ربا» المتوافق مع الشريعة الإسلامية الذي تأسس سنة 1987 في جنوب كاليفورنيا يقوم بإقراض الأموال دون فائدة، ويدخل بدلا من ذلك في شراكة مع عملائه ثم يفرض إيجارا على العقار.

من جهته، يقول يحيى عبد الرحمن مؤسس بنك لا ربا إن الإيجار الشهري ثابت خلال مدة القرض، وهو ما يعد تنافسيا بالنسبة للبنوك الأخرى، مضيفا «لم يسبق لنا أبدا أن أخرجنا أحدا من بيته، بل نمنحه فترة سماح 3 أشهر، ثم نقول له: لعل البيت أكبر من إمكانياتك والأجدر أن تنتقل إلى شقة.. فإذا بيع البيت، فإن 100 في المائة من الأرباح تعطى للعميل».