الاهتمام الصيني بالصيرفة الإسلامية

لاحم الناصر

TT

لا يمكننا التحدث عن أن الصيرفة الإسلامية أصبحت منافسا يخشى جانبه من قبل الصيرفة التقليدية ما لم تستطع هذه الصناعة عبور سور الصين العظيم والاستقرار داخل البر الصيني للاستفادة من اقتصاد يعتبر من أسرع الاقتصاديات العالمية نموا، إذ من المتوقع أن يحقق، وفي ظل هذه الأزمة العالمية، نموا بنسبة 6.5 بالمائة، وفقا لتقديرات البنك الدولي، في حين قدر البنك الدولي ألا تتجاوز نسبة النمو العالمي 1.5 بالمائة. وتعتبر الصين أكبر دائن للولايات المتحدة الأميركية، حيث تتجاوز استثماراتها في السندات الأميركية تريليون دولار، في حين تبلغ احتياطياتها النقدية من الدولار حوالي تريليوني دولار، وفقا لموقع الـ «سي إن إن العربية». ويتوقع تقرير برايسووتر هاوس أن يتجاوز الاقتصاد الصيني مجموعة الدول السبع بحلول عام 2050م. وقد بنى التقرير توقعاته على أساس القدرة الشرائية الناشئة عن ثقافة الادخار لدى الشعب الصيني، ونفوره من الديون. كما أن الصين تعتبر من أكثر الدول جذبا للاستثمار الأجنبي وتعطشا له لتمويل نموها السريع، حيث بلغ حجم الاستثمار الأجنبي بنهاية 2007م حوالي 74 مليار دولار، إضافة إلى وجود أقلية إسلامية في إقليم سيكيانج يبلغ تعدادها ما بين 70 ـ 90 مليون نسمة، وفقا للتقديرات الغربية.

لقد اكتفت الصيرفة الإسلامية حتى اليوم بالوقوف على تخوم الصين، فتواجدت في سنغافورة الدولة المحاذية لها، وهونج كونج الجزيرة التابعة للصين، دون العبور إلى البر الصيني. والحقيقة أنني لا أجد أي مبرر لتأخر صناعة الصيرفة الإسلامية في ولوج البر الصيني كل هذه الفترة، في حين أن الحكومة الصينية، ومنذ فترة، تسعى للتعرف على هذه الصناعة عن كثب، عبر انضمام البنك المركزي الصيني إلى عضوية مجلس الخدمات المالية الإسلامية، وهو هيئة دولية تعنى بوضع معايير لتطوير وتعزيز صناعة الخدمات المالية الإسلامية، ومقره كوالالمبور عاصمة ماليزيا. كما أنها ما فتئت ترسل ما بين الفينة والأخرى رسائل إيجابية لهذه الصناعة، ومنها سعي السلطات النقدية في هونج كونج لتوفير البيئة المناسبة لصناعة الصيرفة الإسلامية، وذلك بتعديل قوانينها بما يتناسب مع خصوصية هذه الصناعة، خصوصا في جانب الصكوك الإسلامية. كما سعت إلى إيجاد مؤشرات إسلامية لسوق هونج كونج المالي. ولعل آخر هذه المبادرات وأهمها ما طرحته اللجنة الاقتصادية التابعة للجنة المركزية للجنة الثورية لحزب الكومينتانغ الصيني في 3 مارس (آذار) الماضي من اقتراح حول «تنمية الأعمال المصرفية الإسلامية» في جلسة للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني. وقد جاء في تبرير أهمية الأخذ بهذا الاقتراح «إن الصين، بصفتها دولة كبيرة مستوردة للبترول، عليها أن تنمي الأعمال المصرفية الإسلامية، الأمر الذي لا يفيد في التنمية الاقتصادية الصينية فقط، بل إنه أمر ذو أهمية استراتيجية هامة لحماية أمن الطاقة بالصين»، وفقا لما نقلته شبكة الصين العربية . ومن هنا، فإنني اقترح على القائمين على صناعة الصيرفة الإسلامية والمهتمين بها، مثل «البنك الإسلامي للتنمية»، والكيانات المصرفية الإسلامية الكبيرة، «كبيت التمويل الكويتي»، و«دلة البركة»، و«مصرف الراجحي»، و«بنك فيصل»، و«بنك دبي الإسلامي»، وغيرها من المؤسسات المالية الإسلامية استغلال هذه المبادرات التي تقوم بها السلطات الصينية، بما يخدم هذه الصناعة، ويحقق لها موطئ قدم داخل هذا الاقتصاد العملاق، وذلك عبر تكوين فريق عمل مشترك بين هذه الكيانات، تكون مهمته ما يلي:

أولا: التواصل مع السلطات الصينية لشرح طبيعة هذه الصناعة وخصائصها واحتياجاتها؛ مما سيساعدها في صياغة القوانين الملائمة لخصوصية صناعة الصيرفة الإسلامية، وتوفير البيئة المناسبة لها.

ثانيا: دراسة احتياجات السوق الصينية، وصياغة النموذج المصرفي المناسب لها.

ثالثا: دراسة إمكانية إنشاء مصرف مشترك بين هذه الكيانات المصرفية برأس مال ضخم لدخول السوق الصينية، ويا حبذا لو تم إقناع الحكومة الصينية، عبر أحد أذرعها الاستثمارية، بالمشاركة في هذا المصرف، وذلك حتى يستطيع المصرف الوليد المنافسة في سوق يتميز بالمنافسة الشرسة، نظرا إلى وجود الكثير من المؤسسات المالية الضخمة الصينية والأجنبية.

إن ما تتمتع به الصيرفة الإسلامية من نمو اليوم لا يمكن له أن يستمر، ما لم تكن هناك خطط استراتيجية لدفعه واستمراره، وذلك عبر استغلال الفرص التي تلوح بين الفينة والأخرى، وخلق الفرص إنْ لم توجد. وقد قال الشاعر العربي قديما: «إذا هبَّتْ رياحك فاغتنمها.. فإن لكل عاصفة سكون». والله من وراء القصد.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]