صناديق المؤشرات ETF

لاحم الناصر

TT

تعتزم هيئة السوق المالية في المملكة العربية السعودية إطلاق سوق لوحدات صناديق الاستثمار المبنية على الاستثمار في مؤشر سوق الأسهم المحلية، وذلك بهدف إيجاد قنوات استثمارية جديدة تخلق نوعا من التداول المؤسسي في السوق الذي يعاني اليوم من غلبة التداول الفردي، حيث تشكل عمليات تداول الأفراد حوالي 90 في المائة من تداولاته اليومية. كما أن هذه الخطوة تهدف إلى إبعاد شبح التضخم عن السوق الذي يهدد بخلق فقاعة سعرية جديدة في السوق السعودي مع دخول السوق في مسار صاعد، وتوجه الكثير من السيولة الداخلية والخارجية نحو الاستثمار فيه. ويأتي ذلك نتيجة لوصول الكثير من شركات السوق إلى أسعار مغرية كثيرا من ناحية مكرر الربحية، وما يتميز به الاقتصاد السعودي من متانة ونشاط في هذه الأيام، ويُتوقع أن يستمر هذا النشاط لسنوات قادمة مع ما تعانيه الكثير من الأسواق العالمية من تدهور نتيجة الأزمة المالية؛ مما جعل من المملكة منطقة جاذبة للكثير من رؤوس الأموال والمؤسسات المالية الراغبة في تعويض خسائرها، وهذا ما يفسر ارتفاع قيم الاستثمار عبر اتفاقيات مبادلة الأسهم، التي كشف عنها تقرير هيئة السوق المالية.

فمتى ظهرت صناديق المؤشرات؟، وما المقصود بصناديق المؤشرات ETF؟، وما هي طبيعة عملها؟، والمحاذير التي تكتنفها؟. لقد ظهر أول صندوق للمؤشرات في عام 1989م في أميركا، وهو مبني على مؤشر ستاندرد بورز 500، في حين تجاوز عدد ها اليوم 1499 صندوقا، بنسبة نمو تفوق 28 في المائة. كما أن تداولها يشكل حوالي 38 في المائة من حجم التداول في الأسواق، حيث بلغ 3.3 تريليون دولار، فهي أداة استثمارية مستحدثة على هيئة صناديق استثمارية مفتوحة، تنشئ وتطفئ الوحدات باستمرار. وتتكون أصول هذه الصناديق من مجموعة من الأوراق المالية المكونة لمؤشر معين قائم كمؤشر ستاندرد بورز 500، أو مؤشر داو جونز، أو مؤشر السوق السعودي (تاسي ). وتتميز هذه الصناديق عن صناديق الاستثمار الموجودة في السوق اليوم بالعديد من المزايا، منها قابلية وحداتها للتداول في السوق المالية أثناء جلسة التداول، نظرا للتسعير اللحظي لوحداتها، نتيجة للعرض والطلب، بخلاف وحدات الصناديق التقليدية التي لا يتم إعلان قيمة وحداتها إلا في نهاية اليوم، أو في يوم من أيام الأسبوع، وبالتالي فهي تتميز بالسيولة العالية. كما أن حجم المخاطر في هذه الصناديق يقل كثيرا عن صناديق الأسهم التقليدية، نظرا إلى استثمارها في جميع الأوراق المالية المكونة للمؤشر، وفقا لوزنها النسبي في المؤشر، وبالتالي فأداء الصندوق يأتي في الغالب متوافقا مع أداء المؤشر. إذًا، فليس على المستثمر سوى مراقبة أداء المؤشر لاتخاذ قراره الاستثماري، دون الانشغال بالبحث في الأداء المالي والإداري للشركات المدرجة، إضافة إلى انخفاض تكاليفها الإدارية، مقارنة مع الصناديق التقليدية. كما تتميز صناديق المؤشرات بالشفافية، حيث يتم الإفصاح عن جميع مكونات الصندوق مع نشر صافي قيمة أصول الوحدات يوميا، وبشكل لحظي. ولعل القارئ الكريم يتبادر إلى ذهنه السؤال التالي، وهو: إذا كانت أسعار وحدات هذه الصناديق متداولة في السوق، وتخضع قيمتها انخفاضا وارتفاعا لعامل العرض والطلب، فيمكن أن تتعرض للتذبذب الحاد الذي تعاني منه بعض الأسهم، نتيجة للمضاربة عليها والجواب عن ذلك. وإن هذا الأمر لا يمكن أن يحدث في وحدات صناديق المؤشرات، نظرا لوجود صانع سوق لهذه الصناديق يقوم بعملية (المراجحة) بين أسعار العرض والطلب، بحيث يقوم بالشراء في حال وجود بيوع على هذه الوحدات، ومن ثم إطفاء هذه الوحدات لتقليل المعروض منها. كما يقوم بتلبية طلبات الشراء عندما يكون هناك إقبال على شرائها، بحيث يخلق وحدات جديدة. ومن هنا، فلا يمكن أن يوجد تذبذب حاد في أسعارها، بل إن صانع السوق يحرص على ألا يكون هناك فرق كبير بين قيمة صافي أصول الوحدة وسعر تداولها. ومن هنا نجد أن هذه الصناديق قناة جديدة من قنوات الاستثمار الجيدة، إلا أنه يكتنفها بعض المحاذير الشرعية، أهمها أن غالبية هذه الصناديق لا يمكن أن تعمل بدون أن تتعامل في البيع على المكشوف، أو ما يسمى Short Sale، سواء لوحداتETF ، أو للأسهم المكونة لها، ومن هنا يستفيد صانع السوق. ولاشك أن هذا من بيع ما لا يملك المنهي عنه في الشريعة الإسلامية، لحديث حكيم بن حزام، حيث قال: قلتُ يا رسولَ اللهِ، يأتيني الرجلُ يسألني من البيع ما ليس عندي، فأبيعه منه، ثم أبتاعُه مِن السوق، فقال «لاَ تَبعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» قال الترمذي: حديث حسن. كما أنه نوع من المقامرة المضرة بالأسواق. وكلنا نعلم ما تسبب فيه هذا النوع من المتاجرة من أزمات، وآخرها الأزمة المالية العالمية التي يمر بها العالم اليوم، حيث سارعت دول كثيرة، مع بداية الأزمة، إلى وقف التعامل به، وبعضها لا يزال يمنعه حتى الآن، فالسعيد من وعظ بغيره. كما أن بعض المستثمرين يستخدمون المتاجرة بالهامش عند تداولهم لهذه الوحدات، وهو عين الربا المحرم في الشريعة الإسلامية، لأنه قرض بفائدة، ومن هنا فإنه يجب على هيئة السوق المالية قبل طرح هذا المنتج والسماح به أن تستشير العلماء الشرعيين أهل الخبرة في هذا الجانب. إضافة إلى ذلك، يمكن للهيئة الاستفادة من التجارب الموجودة، حيث يوجد اليوم العديد من صناديق المؤشرات التي يزعم مؤسسوها توافقها مع أحكام الشريعة الإسلامية يمكن للهيئة النظر فيها ودراستها لمعرفة مدى إمكانية الاستفادة منها، بحيث يكون طرح هذا المنتج متوافقا مع أحكام الشريعة الإسلامية، نقيا من المخالفات الشرعية. وهذا بالطبع يؤسس لوجود سوق مالية متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية في المملكة العربية السعودية التي تسعى لأن تكون مركزا ماليا للصناعة المالية الإسلامية، وهي مؤهلة لذلك متى ما وجدت البنى التحتية والتشريعية المناسبة.

* مستشار في المصرفية الإسلامية [email protected]