تحريم «التورق» يعود إلى الجدل بعد تأييد مجمع الفقه الإسلامي الدولي الأخير

الشيخ الحصين: ما يجري في البنوك الإسلامية تحايل > الشيخ يعقوبي: لا يمكن تحريمه من خلال شروط معروفة

الشيخ صالح الحصين مع د. عبد الرحمن الأطرم وعبد الرحمن الجريسي (تصوير: سعد العنزي)
TT

احتدم الجدل مجددا حول تحريم «التورق» بعد تأييد مجمع الفقة الإسلامي الدولي، الذي صدر مؤخرا، والذي دعا فيه المؤسسات والمصارف الإسلامية، إلى تشجيع القرض الحسن وإنشاء صناديق له، وذلك لتجنب المحتاجين اللجوء إلى «التورق».

ويذهب مجمع الفقة الإسلامي في رؤيته التي أطلقها في مؤتمر الشارقة، الذي عقد الشهر الماضي، إلى التشديد على ضرورة التزام المؤسسات المالية والمصارف الإسلامية استخدام صيغ الاستثمار والتمويل المشروعة، وتجنب الصيغ المحرمة والمشبوهة، والالتزام بالضوابط الشرعية.

في الوقت نفسه، عاد الخلاف حول رؤية إسلامية «التورق» بين عدد من العلماء في المصرفية الإسلامية، حيث دعا عالم سعودي في المصرفية الإسلامية إلى إيجاد حلول شرعية حقيقية، والاستفادة من البدائل الكثيرة المتوافرة في فقه المعاملات، والاستعاضة بها عن «التورق» الذي تدعي فيه الكثير من البنوك أنه متوافق من الشريعة الإسلامية.

في الوقت الذي أجاز فيه عالم بحريني عملية «التورق»، مستشهدا بجوازه لمنتج «التورق» الإسلامي أن الكثير لا يفرقون بين «التورق» المنظم وغير المنظم، وموضحا أن من يحرم «التورق» عليه بتحريم كافة تعاملات البنوك الإسلامية، كالمرابحة والمضاربة والسلم وغيرها مما يعتبر تحايلا على الشريعة الإسلامية.

ودعا الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، المصارف الإسلامية إلى العمل على إيجاد حلول شرعية حقيقية، والاستفادة من البدائل الكثيرة المتوافرة في فقه المعاملات، والاستعاضة بها عن «التورق»، الذي تدعي كثير من البنوك أنه متوافق مع الشريعة الإسلامية.

وأوضح الشيخ الحصين، الذي كان يتحدث أمام جمع كبير في الغرفة التجارية الصناعية بالرياض، أن ما يتم التعامل فيه داخل البنوك الإسلامية تسبب في تشويه صورة المصرفية الإسلامية أمام العالم الغربي. ويرى الشيخ الحصين أن البنوك باستطاعتها استحداث الكثير من المنتجات المالية التي من شأنها استيعاب كل السيولة النقدية المتوافرة، مشيرا إلى العديد من الأمثلة في هذا الإطار، منها المشاركة المتناقصة، التي تعد من الأساليب الجديدة التي استحدثتها المصارف الإسلامية، وتختلف عن المشاركة الدائمة في عنصر الاستمرارية، الذي كما أشار إلى وجود صور متعددة منه في الواقع العملي، منها وقف الملك عبد العزيز في مكة المكرمة، والوقف المشترك في المدينة المنورة. وشدد الحصين على أن «التورق» الإسلامي الذي تدعيه كثير من البنوك مخالف للشريعة الإسلامية، وأن طريقة تمويل القروض التي تتعامل بها البنوك مع عملائها تعد مخالفة، مؤكدا أن هذه القروض أو «التورق» الإسلامي أكثر خطورة من الربا، كونها تستغل عاطفة الناس، ووصفها بالحيلة الواضحة التي تتعامل بها البنوك مع كل محتاج للقروض، ويسير في الوقت نفسه في ذات الاتجاه الذي تسير فيه القروض الربوية الصريحة. وأشار الحصين، خلال الندوة، إلى أن ضغط الواقع وعدم وجود المصارف والمعاملات الإسلامية الحقيقية في الماضي، هو ما دفع إلى ظهور مثل هذه المنتجات، مبينا أن الأمر اليوم مختلف، وأن الطريق اليوم مفتوح والمجال واسع أمام المصارف الإسلامية لإعمال الذهن، والعمل على إيجاد حلول شرعية حقيقية. وشدد الرئيس العام لشؤون الحرمين على أن المصارف بشكل عام لا تحتاج إلى مثل هذه المنتجات، وبإمكانها التخلص منها إذا أرادت وعزمت وبدأت في التعاملات الشرعية الحقيقية. وقال «يبدو أن الأمر اليوم أفضل، والاتجاه لفهم هذا الواقع متاح، فيجب على المصارف الإسلامية تصحيح مسيرتها، وأن تتعامل بالمعاملات الشرعية التي بها مجال أوسع للربح».

من جهته، قال الشيخ نظام يعقوبي عضو الهيئات الشرعية المعروف وعضو المجمع الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية «إن «التورق» جائز شرعا، والكثير من الفقهاء أباح التعامل به»، مشيرا إلى أن الكثير لا يفرقون بين «التورق» المنظم وغير المنظم.

وأوضح يعقوبي أن من يحرم «التورق» عليه بتحريم كافة تعاملات البنوك الإسلامية، كالمرابحة والمضاربة والسلم وغيرها مما يعتبر تحايلا على الشريعة الإسلامية، مبينا أنه لا يمكن تحريم «التورق» دون بقية التعاملات المصرفية الأخرى، والحرمة إنما سببها «التنضيض».

ووصف الشيخ اليعقوبي قرار مجمع الفقه الإسلامي الأخير، القاضي بتحريم التورق بـ«السقيم»، مؤكدا أن المجامع الفقهية تعمل بالبيروقراطية التي أصبحت تركز على الجانب السياسي أكثر من غيره.

وأضاف الشيخ أن نظام المجمع الفقهي لا يستمع إلى ملاحظات الباحثين قبل إصدار أي قرار، مؤكدا أن قرار تحريم «التورق» صدر قبل مناقشة الموضوع مع الباحثين الذين حضروا.

وبين يعقوبي أن المجمع الفقهي الإسلامي لم يناقش «التورق» بشكل مستفيض، وأن مثل هذه المواضيع وإصدار الأحكام حولها يستوجب مناقشة كافة علماء المسلمين والباحثين وطلاب العلم، وليس من المعقول أن يتم إصدار الأحكام هكذا.

وفيما يتعلق بالأوراق الصورية التي يتم تداولها داخل البنوك، بزعم أنها لمعاملات تتعلق «بالتورق» ومبايعات، أوضح الشيخ يعقوبي أن التورق له شروط معروفة، وفي حال تطبيقها، فلا يمكن تحريمها، وإنْ وجد بعض الملاحظات عند بعض البنوك، فلا يعني أن الجميع قد تحايل على الشريعة بموضوع «التورق».

ويعرّف «التورق» بشراء العميل طالب السيولة سلعة بثمن مقسط مؤجل من البنك، ثم بعد ذلك يبيع السلعة، ويقضي بثمنها الحاجة التي أراد من أجلها المال، وهو من الأدوات المالية التمويلية التي شهدت جدلا واسعا بين عدد من الفقهاء في العالم الإسلامي. ويتم تطبيق «التورق» في عدد من البنوك، بهدف توفير السيولة النقدية لشريحة مهمة من عملاء المصارف من خلال أداة تمويلية إسلامية، من دون تعريضهم لخسائر مالية كبيرة. ويتمثل تطبيق منتج «التورق» في المصارف الإسلامية من خلال شراء البنك كمية من السلع التي تتسم بالثبات النسبي في أسعارها، والتي يمكن ضبطها ووصفها للعميل بما ينفي الجهالة. وقد يتم شراء هذه السلع من السوق الدولية عبر وسطاء للبنك، وترتيبات مع أطرف مختلفة، أو يتم الشراء من السوق المحلية، ومن ثم يتقدم العميل بطلب لشراء كمية من هذه السلع المملوكة للبنك، على أن يسدد ثمنها على عدة أقساط شهرية أو سنوية، أو حسب الاتفاق بينهما.

وبعد دراسة طلب العميل وموافقته؛ يتم التوقيع على عقد بيع آجل، أو مرابحة بين البنك والعميل، ثم يتملك العميل السلعة، ويكون له الحق في قبضها والتصرف فيها، أو بيعها. ويوكل العميل عادة البنك ببيع هذه السلعة لحسابه نقدا، وإيداع ثمنها في حسابه، بشرط أن يتم البيع على طرف ثالث خلاف الطرف الذي سبق أن اشترى منه البنك هذه السلعة. وفي بعض البنوك يوكل العميل المورد ببيع السلعة نيابة عنه، وتحويل قيمتها إلى حسابه طرف البنك، على ألا يضمن البنك للعميل بيع السلعة بثمن معين في السوق، ولكن يبيعها بأفضل سعر، حسب ظروف العرض والطلب وقت البيع. ومن المعروف أن المصارف تجري نوعين من عقود «التورق»: النوع الأول، وهو التورق الحقيقي، وهو أن يحتاج شخص ما إلى النقد؛ فيشتري سلعة من البنك بثمن مؤجل، ثم يبيعها على غير البنك نقدا، وهو «تورق» يجيزه البعض بثلاثة شروط، الأول أن يتملك البنك السلعة ويقبضها قبل أن يبيعها على العميل، والثاني ألا يبيع العميلُ السلعة المشتراة حتى يملكها ملكية حقيقية، ويقبضها من البنك القبض المعتبر شرعا، وأخيرا ألا يبيع العميل السلعة إلى البنك، ولا على الشخص الذي باعها إلى البنك أولا، وألا يكون هناك تواطؤ أو عرف بذلك؛ لأن هذا من العينة المحرمة.

أما النوع الثاني، وهو «التورق» المنظم، وهو شراء السلعة من البنك بالأجل مع توكيله ببيعها قبل أن يقبضها - أي العميل - والأغلب أن يكون هذا النوع من «التورق» في السلع الدولية، كالمعادن، وقد يكون في السلع المحلية، كالحديد والأرز والمكيفات والسيارات وغيرها.

والفرق بينه وبين «التورق» الحقيقي، أن العميل في «التورق» المنظم لا يقبض السلعة ثم يبيعها بنفسه، فليس أمامه إلا خيار واح،د وهو أن يوكل البنك ببيعها، بينما في «التورق» الحقيقي يكون العميل بالخيار بين أن يحتفظ بالسلعة أو يبيعها بنفسه في السوق؛ لأنه قبضها قبضا يتمكن به من التصرف فيها بما يشاء.

وقد تضع بعض البنوك خيارات متعددة للعميل في نماذج «التورق» المنظم، بأن تخيره بين أن يقبض السلعة بنفسه، أو يوكل البنك، أو يوكل طرفا ثالثا له علاقة بالبنك، وهذا التخيير في الواقع شكلي؛ لأن «التورق» المنظم إنما يكون في سلعٍ يصعب على العميل قبضها أو التصرف فيها، ولهذا لو اختار العميل أن يقبض السلعة؛ فسيجد أمامه عراقيل كثيرة، أقلها أنه سيخسر في السلعة خسارة مضاعفة، مما يضطره حتما إلى توكيل البنك، أو من يختاره البنك.

وهو «تورق» يحرمه أغلب العلماء؛ لاعتبارات كثيرة ،منها أن العقد حيلة على الربا، فالعميل لم يقبض من البنك إلا نقودا، وسيرد إليه تلك النقود بعد أجل بزيادة، فحقيقته قرض من البنك للعميل بفائدة، والسلعة المسماة في العقد إنما جيء بها حيلة لإضفاء الشرعية على العقد. ولهذا، فإن العميل لا يسأل عن السلعة، ولا يفاوض في ثمنها، بل ولا يعلم حقيقتها؛ لأنها غير مقصودة أصلا، وإنما المقصود من المعاملة هو النقود، ويقتصر دور العميل على التوقيع على أوراق يُزعم فيها أنه ملك سلعة، ثم بيعت لصالحه، ثم أودع ثمنها في حسابه.