اقتصاديون: الغرب جاهز للمصرفية الإسلامية كبديل مستقبلي للاقتصاد العالمي

22 مؤسسة بريطانية و9 أميركية تقدم خدمات متوافقة مع الشريعة الإسلامية

تمثل البنوك الإسلامية جزءا صغيرا حتى الان من النظام المصرفي العالمي («الشرق الأوسط»)
TT

يرى أنصار التمويل المتوافق مع الشريعة الإسلامية فرصة للتوسع في خضم الانكماش الاقتصادي العالمي، كما ترحب بعض البنوك الغربية بهذا المصدر المتنامي للحصول على مزيد من الأعمال.

وقال الرئيس الاندونيسي سوسيلو بامبانج يودويونو في المنتدى الاقتصادي الإسلامي العالمي الذي انعقد في جاكرتا مؤخرا، إنه يجب على المصرفيين الإسلاميين القيام بعمل دَعَويّ في العالم الغربي من أجل ترويج مفهوم المصرفية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، وكثير في الغرب الآن مستعدون تماما لهذا.

وأثارت مثل هذه التصريحات مخاوف من أن يكون التمويل المتوافق مع الشريعة الإسلامية مجرد قناع يخفي وراءه أهدافا سياسية أو دينية. فالتمويل المتوافق مع الشريعة الإسلامية ليس إلا امتداداً للشريعة الإسلامية، يدفع ببديل ديني للنظام المصرفي الغربي.

ودعا إسلاميون كبار يقدمون المشورة لبيوت التمويل المتوافق مع الشريعة الإسلامية إلى التطبيق الكامل للشريعة الإسلامية في الدول الغربية، بل وفي بعض الأحيان أصدروا تصريحات مؤيدة لجماعات يعتبرها الغرب إرهابية.

بيد أن نظام المصرفية الإسلامية له منتقدوه، حيث يقول ستيفن شوارتز، المدير التنفيذي لمركز التعددية الإسلامية، إن التحول من الممارسات الاقتصادية العالمية الحالية (التي يشارك فيها كثير من المسلمين) إلى ممارسة قائمة على الشريعة الإسلامية«سوف يعني» اقتحاما غير مقبول للثقافة الغربية.

وأضاف شوارتز أن هناك من يجادل بأن هذا القطاع غير إسلامي بإنكار صحة الرأي الإسلامي التقليدي بأن المسلمين الذين يعيشون في مجتمعات غير مسلمة يجب عليهم قبول قوانين البلاد التي يهاجرون إليها وعاداتها. ويدير قطاع التمويل الإسلامي أصولا تتراوح قيمتها بين 700 مليار دولار و800 مليار دولار، وفقا للمعايير المستخدمة في التقدير، وذلك بحسب مجلس الخدمات المالية الإسلامية، وهو هيئة متخصصة في هذه الصناعة. وحسب تقديرات وكالة ستاندرد أند بورز، هذا القطاع يمكنه أن يصل إلى 4 ترليونات دولار قبل أن يمضي وقت طويل.

وتمثل البنوك الإسلامية جزءا ضئيلا من النظام المصرفي العالمي، وربما يكون الضرر الذي أصابها أقل مقارنة بنظيراتها الغربية نتيجة بعدها عن أزمة الرهون العقارية عالية المخاطر.

أمام ذلك، قال دنكان ماكنزي مدير الاقتصاد في منظمة الخدمات المالية الدولية في لندن في حديث مع صحيفة «واشنطن تايمز» إن التمويل الإسلامي أحد النماذج، لكن ليس بأي حال دواء لكل داء، فصناعة التمويل الإسلامي تواجه عددا من التحديات، بما في ذلك الحاجة إلى وجود تفسير موحد للشريعة الإسلامية، والتوفيق بين الضرائب والقوانين المنظمة لهذه الصناعة، مع تطوير قاعدة المهارات. من جهته أوضح كريستوفر هيلتون نائب رئيس مركز السياسة الأمنية ومدير مشروع العناية الواجبة ضد المخاطر الإسلامية، في حديث مع «التايمز» أنه من الخرافات أن نقول إن التمويل الإسلامي وفر وقاءً من الأزمة، فقد انخفض مؤشر فاينانشال تايمز الإسلامي بنسبة 41 في المائة، وانخفض المؤشر العالمي بنسبة 44 في المائة، وقد تحققت خسائر مماثلة على مدى الأشهر الستة الماضية.

ولا تزال المصرفية تهيمن على قطاع التمويل الإسلامي، وإن كان أخذ في التنوع. فهناك نسبة متنامية ـ تصل إلى 20 في المائة بحسب بعض التقديرات ـ تستحوذ عليها الصكوك (عبارة عن إصدارات لسندات متوافقة مع الشريعة الإسلامية). وتعد ماليزيا القاعدة المسيطرة على هذه الخدمة تحديدا. ويمكن أن تلعب السندات دورا رئيسيا في مساعدة الدول على التعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية، لكن سوق الصكوك العالمية شهدت انخفاضا على مدى عامين متتاليين بالتماشي مع الانكماش الاقتصادي العالمي.

وبرغم تنوع القيود المفروضة، تجد بعض البنوك المتوافقة مع الشريعة الإسلامية وسائل مبتكرة لتعويض أسعار الفائدة السوقية بطرق أخرى، كأن يتم ذلك مثلا من خلال ربط معدلات سداد المدين بأرباحه المستقبلية، أو عندما يقدم أحد البنوك هبة أو هدية إلى من يفتحون حسابا لديه، وهي في جوهرها طريقة لاجتذاب عملاء جدد عوضا عن الفوائد المتراكمة على المدخرات.

ومن المتوقع أن ينمو التمويل المتوافق مع الشريعة الإسلامية خلال السنوات المقبلة على الأرجح، حيث ينظر إلى السعودية والإمارات، تليها إندونيسيا وتركيا وسنغافورة وبعض الدول الغربية، باعتبارها أماكن صالحة للتوسع.

ونشرت منظمة الخدمات المالية الدولية في لندن مؤخرا تقريرا مفصلا حول هذا القطاع أبرز كيف أن «المملكة المتحدة تتصدر اللعبة ـ في أوروبا على الأقل ـ في تسهيل القطاع»، وذلك على نحو ما أشار إليه إميل أبو شقرة، مدير العلاقات العامة في بنك لويدز تي إس بي البريطاني.

يشار إلى أن بنك لويدز قد تقدم على منافسيه من خلال تسهيل المعاملات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية بين البنوك، والآن تمتلك بريطانيا قطاعا للتمويل المتوافق مع الشريعة الإسلامية أكبر مما تمتلكه مصر أو باكستان.

وبوجه عام، توجد في بريطانيا 22 مؤسسة مالية تقدم خدماتٍ متوافقة مع الشريعة الإسلامية، مقارنة بـ9 مؤسسات في الولايات المتحدة الأميركية. لكن القطاع المالي الأميركي متلهف للحصول على منتجات جديدة وتوفيرها، ومن بينها التمويل المتوافق مع الشريعة الإسلامية.

وواجه التعهد الذي أعلنته شركة أمريكان إنترناشونال جروب إنك بإدخال نظام التأمين الإسلامي على المساكن إلى الولايات المتحدة تعنيفا مكتوبا من سو مايريك، النائبة الجمهورية عن ولاية نورث كارولاينا، وفرانك آر. وولف، النائب الجمهوري عن ولاية فرجينيا، اللذين حذرا من أن التحويلات الخيرية المجهولة من قبل مستشاري التمويل الشرعي يمكن أن ينتهي بها الحال إلى تمويل الإرهابيين.

وهناك نخبة من العلماء تهيمن على الهيئات الاستشارية الشرعية بالمؤسسات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، وهؤلاء المفكرون أنفسهم كثيرا ما تستعين بهم المؤسسات الغربية التي تريد تطوير منتجات متوافقة مع الشريعة الإسلامية. لكن بعض هؤلاء العلماء مثل الشيخ يوسف القرضاوي ممنوع من دخول بريطانيا والولايات المتحدة بسبب الإدلاء بتصريحات مؤيدة للإرهاب الإسلامي، في حين أن آخر، وهو المفتي تقي عثماني الذي عمل مستشارا لمؤشر وول ستريت الإسلامي، يدعم التطبيق الكامل للشريعة الإسلامية في الدول الغربية.

وربما الأمر الأكثر إثارة للقلق هو ظهور بنك مللي الإيراني على رأس القائمة التي تضم أفضل 500 مؤسسة مالية إسلامية التي نشرتها مجلة ذا بانكر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2008، وأعيد نشرها في تقرير لجنة الخدمات المالية الدولية.

وتفرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على بنك مللي. وعلى الإجمال، تمتلك إيران 6 من أفضل 10 مؤسسات متوافقة مع الشريعة الإسلامية، كما تمتلك ضعف الأصول المتوافقة مع الشريعة الإسلامية المملوكة لأي دولة أخرى.