خبير مصرفي: المصارف الإسلامية تشارك التقليدية في مسؤولية الأزمة المالية العالمية

البروفسور الجمل لـ «الشرق الأوسط» : شركات الرهون العقارية الإسلامية تستخدم «حيلا رخيصة» لجذب العملاء

محمود الجمل («الشرق الأوسط»)
TT

على الرغم من أن المصارف الإسلامية بدأت في إعادة ترتيب أوراقها مع اشتداد الأزمة المالية العالمية، وتسليط وسائل الإعلام الغربية الضوء عليها كوسيلة قد تبدو ناجعة للخروج من تداعيات حالة الكساد، التي تعيشها الأسواق العالمية، إلا أن سهام النقد لا تزال توجه للمصرفية الإسلامية.

ويذهب البعض إلى القول إن صناعة المصرفية الإسلامية لا تزال تراوح مكانها، ولم تقدم جديدا أو توفر منتجات إسلامية حقيقية يثق بها العملاء. ويرى أستاذ جامعي متخصص في الاقتصاد الإسلامي، أن البنوك الإسلامية يجب أن تتحمل شقا متساويا من المسؤولية مع البنوك التجارية والمؤسسات المالية التقليدية عن الأزمة المالية العالمية الحالية.

وقال البروفسور محمود الجمل، أستاذ كرسي الاقتصاد الإسلامي والمالية والإدارة في جامعة رايس، بولاية تكساس الأميركية، في حديثه مع «الشرق الأوسط»، إن «البنوك الإسلامية لم توفر منتجات مصرفية إسلامية حقيقية، بل خلعت بدلا من ذلك اسما إسلاميا على منتجات البنوك التجارية؛ لاستقطاب العملاء الذين لا يريدون التعامل بالفائدة».

وعزا الجمل أسباب انتقاده للبنوك الإسلامية في جميع أنحاء العالم إلى كونها تقدم نفس المنتجات، التي تمر بنفس القنوات الاستثمارية، مثلها مثل منتجات البنوك التجارية من قبيل التوريق والصكوك والمرابحة.

وأضاف الجمل، أنه «على مدى السنوات الثلاثين الماضية التي هي عمر المصرفية الإسلامية، لم يتم تأسيس سلطات رسمية يمكنها إطلاع الهيئات الدولية المعنية، مثل صندوق النقد الدولي على إحصاءات رسمية عن المنتجات المالية والاستثمارية. ومن ثم فليس هناك أحد لديه صورة إحصائية واضحة عن أنشطة البنوك الإسلامية وعدد مؤسساتها وفروعها».

وحول الأرقام التي تذكر من وقت للآخر حول حجم الاستثمارات الخاصة بالمؤسسات الإسلامية، أفاد الجمل: «لقد سمعنا أن إجمالي استثمارات المؤسسات المالية الإسلامية يبلغ حوالي 900 مليار دولار، لكننا لسنا على يقين من دقة هذا الرقم».

وفي شأن مدى تأثير الأزمة المالية الحالية على البنوك الإسلامية، ارتأى الجمل أن آثار الأزمة المالية على البنوك الإسلامية لم يكن من الممكن معرفتها بالكامل؛ لأن كثيرا من الحكومات والمؤسسات تدعم هذه البنوك لتمنعها من الفشل. وتوقع الجمل أن يستغرق الاقتصاد العالمي خمس سنوات على الأقل للتغلب على آثار الركود، مؤكدا على ضرورة تجديد الضوابط النقدية والمالية للنظام المالي الحالي لتعافي الاقتصاد العالمي ومنع الأزمات المالية المزمنة.

وقال إنه سوف يتعين على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أن تجد طرقا لاستثمار أموالها النفطية؛ لأن اقتصاداتها ليست لديها القدرة على استثمار العوائد الهائلة، التي تحصل عليها من بيع النفط بين حين وآخر.

وحول رأيه في الرهن العقاري المتوافق مع الشريعة الإسلامية في الغرب، أفاد أستاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعة رايس، أن شركات الرهون العقارية الإسلامية تستخدم «حيلا رخيصة» لجذب العملاء وإغراء المسلمين الملتزمين بدفع الكثير مقابل القليل، مضيفا، أن «كل ما تبيعه هذه الشركات لهؤلاء العملاء هو مياه مقدسة مرشوشة على الرهن العقاري».

ورأى الجمل أن الرهون العقارية الإسلامية «نسخ أقل كفاءة» من الرهون العقارية التقليدية مع مزيد من المخاطر القانونية والضريبية، لافتا إلى أن هذا النظام لم يتم اختباره بعد في محاكم الإفلاس، ولم تصدر مصلحة الإيرادات الداخلية الأميركية قرارها بعد، بشأن ما إذا كانت «رسوم الإيجار» تعتبر تخفيضا ضريبيا مشروعا، ومن ثم يمكن أن يعرّض المشترون أنفسهم لخطر الخضوع لتدقيق الحسابات.

وكشف الجمل أنه قد اشترى بيته برهن عقاري تقليدي، وهو لا يرى أي مشكلة في هذا النظام؛ لأنه مرتبط بشراء أصل مادي وهو ليس قرضا يغل فائدة بالمعنى التقليدي، منوها إلى أن هذا النوع من المعاملات يعتبر جديدا تماما ولم يكن موجودا في الأزمنة القديمة.

وقال الجمل، «كنت دائما من المنتقدين للتمويل الإسلامي منذ نشأته في سبعينات القرن الماضي؛ ذلك لأنه جزءا عديم الكفاءة من النظام المالي الدولي لم يكن يحقق أي غرض، اللهم إلا ملء جيوب المحامين والخبراء، أما الآن وقد ثبت أن أدوات التمويل النظامي تعدّ كارثة مثلها مثل غيرها، وكنت قد حذرت من ذلك، ولعل المشاركين في هذه الصناعة، وأنا على يقين من أن كثيرا منهم صادقون، سوف يتخلون عن ردهم على انتقاداتي».

وفيما يتعلق بالبرنامج البحثي الخاص بالتمويل الأصغر، الذي يعتزم الخبير الاقتصادي العمل عليه، أشار الجمل إلى أنه يعتزم الشروع في برنامج بحثي احتمالي بالاشتراك مع باحثين معروفين في تجارب التمويل الأصغر في البلدان النامية، وهم فريق دين كارلان البحثي، مضيفا أنه ليس على يقين مما إذا كان هذا البرنامج البحثي سيرى النور؛ ذلك لأن لوجستيات إنفاذ القانون الخاصة بفعل أي شيء في معظم الدول الإسلامية غالبا ما تكون صعبة. وأوضح أنه شارك بعرضين تقديميين حول النظام المقترح، أحدهما في أبوظبي، وذلك على أمل أن يكون هناك فرد مسؤول من بنك أبوظبي الإسلامي بين الحاضرين ليقدم مرئياته، بل ولعله يسهل إجراء هذه الدراسة التجريبية، ولكن لم يكن له حظ في ذلك على حد تعبيره.

وقال إن ما فكر فيه بخصوص البرنامج البحثي، كان مدفوعا جزئيا بأطروحة طالب في السنة النهائية. ورغم أنه كان على دراية سابقة بمعظم التفاصيل، لكنه صُدم لضخامة الأرقام التي أظهرت، كما ذكر محمد عبيد الله وطريق الله خان في بحث للبنك الإسلامي للتنمية عام 2008، أنه يوجد حوالي 528 مليون مسلم فقير (يعيشون على أقل من 2 دولار في اليوم) موزعون على خمس دول وهي إندونيسيا وبنغلاديش وباكستان ونيجيريا ومصر. كما يوجد حوالي 100 مليون مسلم فقير آخرين في الهند. وأضاف الجمل أيضا، توجد مستويات مرتفعة بشكل لا يصدقه عقل من الإقصاء المالي للمسلمين في دول منظمة المؤتمر الإسلامي والهند (ما بين 67 ـ 80 في المائة من المسلمين ليس لديهم إمكانية الاستفادة من القطاع المصرفي الرسمي، وإن كانت فهي عند حدها الأدنى).

وأشار الجمل إلى دراسة صادرة مؤخرا عن المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء (سيجاب) أجراها كريم ترازي ورايل في عام 2008، وردت فيها نتائج تفيد أن أعدادا كبيرة من المسلمين الفقراء في العديد من الدول يرفضون كافة أنواع القروض بالفوائد، بما في ذلك القروض الصغرى كالتي يمنحها بنك جرامين، وذلك لاعتبارات دينية.

وانتقد الجمل التمويل الإسلامي الأصغر الذي يستخدم أسلوب المرابحة في تجارة السلع وغيرها من الأنظمة عديمة الكفاءة. وقال، إن هذا النوع من التمويل فشل فشلا ذريعا وأبقى على نسبة هذا القطاع الفرعي عند 1 في المائة من إجمالي التمويل الأصغر، رغم أن بنغلاديش وهي مركز التمويل الأصغر تضم أغلبية مسلمة. ويبدو أن الأغلبيات المسلمة الأمية الفقيرة تريد شيئا أكثر من العلامة التجارية «الإسلامية» السطحية والمكلفة، وفقا لـلجمل.

ولفت الخبير الاقتصادي إلى أنه أمضى وقتا أطول مما ينبغي في الجدال مع أصحاب الدخول الكبيرة من مصرفيين ومحامين وخبراء في المصرفية الإسلامية، بخصوص جواز القروض العقارية التقليدية، وفي البيان لعملائهم المحتملين أن تصويرهم للفقه الإسلامي مشوش، ومثال ذلك ما الذي يعتبر قرضا بالمعنى الفقهي الأصلي (الذي ينقل ملكية المال للمقترض) وما الذي لا يعتبر كذلك. وزاد «أما بالنسبة إلى المجتمعات الفقيرة ذات الأغلبية الأمية، فقد كانت تلك بالطبع قضية خاسرة، وأما أصحاب الرواتب الكبيرة من مصرفيين وغيرهم، فقد أثبتوا بما لا يدع مجالا للشك حتى الآن ومن خلال أفعالهم، أنهم ليسوا مهتمين بالفقراء وهم السواد الأعظم من المسلمين إلا بأهداف العلاقات العامة أو الصدقة».

واستطرد الجمل أن النظام الذي اقترحته هو هجين يتكون من النموذج الخالي من الفائدة الخاص ببنك جاك الإسكندنافي، والنماذج الشهيرة الخاصة به التي تحظى برواج في المجتمعات الإسلامية، علاوة على الدول النامية غير الإسلامية. هذا النموذج معروف في مصر وفي بقية الدول العربية باسم «الجمعية»، وهي ممارسة أجازها أغلبية الفقهاء السلفيين ومن بينهم الفقيه الراحل ابن باز.

وأوضح الجمل أن الحاجة إلى نموذج هجين يجمع بين النموذجين الخاليين من الفائدة تنبع من عدد من العيوب، أهمها أن نموذج جاك يركز كثيرا على التمويل العقاري، حيث يتم ضمان قروض الأعضاء بالعقارات التي يتم تمويلها، الأمر الذي يجعل هذا النموذج صالحا، على سبيل المثال، كنظام بديل للأسواق العقارية في أميركا الشمالية وغيرها من الدول، ولكن ليس لقطاع التمويل الأصغر. مضيفا أن نموذج جاك يفتقر إلى القدرة على الاستفادة من رأس المال الاجتماعي من خلال مراقبة النظراء، وقد وظفه الدكتور يونس في نموذج الإقراض الجماعي الخاص ببنك جرامين.

وبين الجمل النموذج يعاني من الهشاشة؛ لأن انسحاب شخص واحد من شأنه أن يؤدي إلى تقويض هذا التسهيل التمويلي وتساوي المساهمات المقدمة للصندوق المشترك، الأمر الذي يتعذر معه تمويل القروض الاستهلاكية الصغيرة والقروض التجارية الكبيرة على التوازي.

وأشار إلى أن هذا النموذج لا يتسم بالمرونة اللازمة لتوفير حصة في الملكية أو عائد على المدخرات للمشاركين القدامى أو الأغنياء، الذين لا يريدون الحصول على أموال الصندوق المشترك، بل يرغبون في المشاركة والحصول على عائد، منوها إلى أنه لا يوصل إلى النمو والتطور المؤسسي للنشاط إلى نظام البنوك أو الاتحادات الائتمانية.

وحول إذا ما كان نظام المصرفية الإسلامية قادرا على التعاون والتعايش مع نظام الرأسمالية، أجاب الجمل بقوله «أرى أن المصرفية الإسلامية التي نشأت في أواخر السبعينات، ونمت بسرعة في العقد السابق هي جزء من النظام الرأسمالي، إذ إني أجد أن صناعة التمويل الإسلامي تسعى لتحقيق الأرباح باستخدام بعض الحيل الفقهية القديمة مثل التورق أو «المرابحة للآمر بالشراء مع البيع بثمن آجل» في السلع التي يسهل إعادة بيعها لأسلمة القروض بالفوائد، أو بعض المنتجات الحديثة مثل التورق، لتعيد صياغة المعاملات المالية التقليدية في قالب إسلامي».

وأضاف، أن «بيع هذه المنتجات للسوق الإسلامي بسعر مرتفع مقارنة بالمنتجات التقليدية الأصلية، بسبب عدم الكفاءة أو لتغطية الأتعاب الباهظة لمكاتب المحاماة الغربية، التي تقوم بأعمال الهندسة المالية لأسلمة المعاملات التقليدية، والخبراء الذين يعملون في الهيئات الشرعية لإضفاء الشرعية الفقهية على تلك المعاملات المؤسلمة». وفيما إذا كان ظهور المصرفية الإسلامية يزيد من عزلة المسلمين عن القيم والمعايير الغربية أم العكس، رأى الجمل أن البنوك الإسلامية تقوم بالدورين معا؛ فهي تساعد على إدماج بعض الرافضين للمعاملات التقليدية في النظام الرأسمالي العالمي، ولكنها أيضا تفصل جزءا من السوق العالمية تحت شعار إسلامي؛ لتحقيق أرباح فوق عادية من الشريحة التي ترفض المعاملات التقليدية وتقبل أن تدفع ثمن قلة الكفاءة وأتعاب المحاماة والهيئات الشرعية لشراء المنتجات المالية المؤسلمة.

يشار إلى أن هناك بابا في إعلام الموقعين لابن القيم وآخر في مجلة الأحكام العدلية بعنوان معناه أن «العبرة في العقود أو المعاملات بالمعاني وليس بالألفاظ والمباني»، ولكن صناعة أسلمة التمويل التقليدي قد اشتغلت بالأسماء والصور وتناست مضمون الفقه والشريعة، بحسب الجمل.

ولفت أستاذ كرسي الاقتصاد الإسلامي والمالية والإدارة في جامعة رايس الأمريكية، إلى أن البنوك الغربية تعمل مع المؤسسات الإسلامية وعلماء الشريعة؛ سعيا فقط وراء الأرباح غير العادية ولاجتذاب الدولارات النفطية إلى أسواقهم.

وبيّن الجمل أن الأزمة المالية الحالية ربما تساعد على إعادة النظر في استراتيجية الهندسة المالية، لأسلمة كل ما ينتجه القطاع المالي التقليدي «من قروض بفوائد وصكوك وسندات ومشتقات وصناديق تحوط ..الخ»، مستطردا، لكن ذلك يتطلب مراجعة ذاتية لا أرى لها أي علامات في الوقت الحالي.

وأكد الجمل أن الشريعة والتعاليم الإسلامية يمكن أن تساعد الاقتصادات في وقت الأزمات متى توافرت صناعة مالية إسلامية حقة، منوها، إلى أنه لو كانت التعاليم الإسلامية مطبّقة من دون إدخال الحيل الفقهية للتربح باسم الإسلام، لساعدت الشريعة على تقليل مخاطر الفقاعة الائتمانية «إلا أن ما سوّق باسم الإسلام لم يكن إسلاميا» على حد تعبيره.

ورأى خبير الاقتصاد الإسلامي أن الهندسة المالية المتأسلمة التي أنتجت صكوك السلم وصكوك الإجارة وغيرها من سبل توريق الديون بسبل حديثة، ناهيك عن المشتقات وصناديق التحوط المسمّاة بالإسلامية لأغراض تجارية، لا تختلف عن مثيلاتها التقليدية، التي أدت إلى حدوث الأزمة المالية الحالية، إلا أن المتأسلم منها أقل كفاءة. وبالتالي فإن التطورات المالية التي سوّقت باسم الإسلام قد أسهمت في تنمية الفقاعة الائتمانية التي أدت لحدوث الأزمة المالية، وفقا للجمل.