مصرفيون واقتصاديون: مستقبل المصرفية الإسلامية يبشر بمزيد من النجاحات

على الرغم من استمرار التشكيك في المشتقات الإسلامية

مشاركون في جلسة «مستقبل المصرفية في مجلس التعاون في ظل الأزمة المالية» التي نظمت ضمن الفعاليات التي نظمتها جمعية الاقتصاد السعودية (تصوير: إقبال حسين)
TT

على الرغم من أن بعض الخبراء أوضحوا أن المشتقات الإسلامية ما هي إلا نسخة للمشتقات التقليدية لبست عباءة الإسلامية، إلا أن خبراء مصرفيين واقتصاديين آخرين، أكدوا أنه تولدت ثقة كبيرة لدى المتعاملين مع المنتجات الإسلامية والمصارف والمؤسسات الإسلامية بأنها خيارهم البديل.

ويدلل الاقتصاديون على ذلك بزيادة نسبة نمو التمويل الإسلامي بين 64 و70 في المائة، ما يؤكد على أهمية سلامة المصرفية الإسلامية. وقال الخبراء في جلسة خصصت للحديث عن «مستقبل المصرفية في مجلس التعاون في ظل الأزمة المالية» نهاية الأسبوع المنصرم ضمن الجلسات، التي نظمتها جمعية الاقتصاد السعودية، إن المصرفية الإسلامية لم تصل إلى ذروة نجاحها بعد، ولكنها في مرحلة انتقالية، ومع ذلك فهي الأقل تضررا من آثار الأزمة المالية العالمية بخلاف المصرفية التقليدية.

ووفقا للمشاركين في الجلسة، فإن المصرفية الإسلامية بحاجة لمزيد من الدعم من البنوك المركزية ومؤسسات النقد، لأنها هي الجهات التي تشرّع لصناعتها، بالإضافة إلى النمو في الأصول والإيرادات وعدد المؤسسات المالية الإسلامية.

وعزى الخبراء النجاحات التي حققتها المصرفية الإسلامية للوعي المعرفي ومعرفة العملاء بأدوات وآليات المصرفية الإسلامية، مع إقرارهم بحاجتها للدعم اللوجستي، مؤكدين في الوقت نفسه أن دول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص، لا تمتلك حتى الآن تشريعات وأنظمة تنظم صناعتها، في ظل حاجة ماسة لتطوير المنتجات الإسلامية، بالإضافة لكوادر بشرية متدربة، وآليات أقرب لروح المصرفية الإسلامية المشاركة. من جانبه، قال عبد الله سليمان الراجحي، الرئيس التنفيذي لمصرف الراجحي، الذي كان قد رأس الجلسة، إن صناعة المصرفية الإسلامية تنتقل من نجاح إلى نجاح مع مرور الوقت وصقل التجربة، في ظل توفر ثقة كبيرة تولدت لدى الكثيرين ممن يتعاملون مع المنتجات الإسلامية والمصارف والمؤسسات الإسلامية، التي تقوم على أمرها، ما يؤكد على أهمية سلامة المصرفية الإسلامية.

وأبان الراجحي، أن المصرفية الإسلامية الآن ليست في نهاية المطاف، ولكنها في مرحلة انتقالية، ومع ذلك فهي الأقل تضررا من آثار الأزمة المالية العالمية بخلاف المصرفية التقليدية، غير أنها تحتاج لدعم من البنوك المركزية ومؤسسات النقد، كونها جهات مشرعة، الأمر الذي يجب أن تكون هذه التشريعات مناسبة ومتوافقة مع صناعة المصرفية الإسلامية نفسها.

وأضاف، أن المصرفية الإسلامية تحتاج إلى المزيد من المؤسسات المالية الإسلامية ومجلس الخدمات المالية الإسلامية، والهيئات ذات الصلة، مثل هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، ومجلس التصنيفات الائتمانية.

كما أكد الدكتور محمد دماس الغامدي، رئيس الهيئة الشرعية في بنك الجزيرة، أن الإحصاءات التي تصدرها مؤسسة النقد العربي السعودي تؤكد نمو المصرفية الإسلامية بدرجة كبيرة مقارنة بالتقليدية، ووصل النمو فيها بين 65 إلى 70 في المائة.

ويرى الغامدي، أن المصرفية الإسلامية لم تقف عند هذا النجاح، بل ينتظرها مستقبل مبشّر بالنمو والازدهار، وموعودة بتحقيق نجاحات كبيرة مستقبلا، ودلل على ذلك بعدد من المؤشرات، منها القبول الذي وجدته صناعة المصرفية الإسلامية لدى المؤسسات والهيئات الإشرافية، التي تحكم عمل القطاع المصرفي، حيث أصبحت واقعا ملموسا، وأن كثيرا من المتعاملين أصبحوا يبحثون عن المنتجات والأدوات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، ما جعل الطلب على المصرفية الإسلامية يزداد.

وأضاف الغامدي، أن المصرفية الإسلامية تحظى بقبول عالمي، حيث إن الكثير من البلدان الغربية أخذت تؤسس وتشرع لبعض المؤسسات المالية الإسلامية في دولها، فضلا عن أن الأزمة المالية العالمية وإفرازاتها أكدتا أن الحاجة الماسة لاستخدام النظام الاقتصادي والمصرفي الإسلامي تحديدا بديلا استراتيجيا عن النظام التقليدي.

ومع إقراره بأن هذه المؤشرات تؤكد على المستقبل الباهر، الذي ينتظر المصرفية الإسلامية، إلاّ أن الغامدي أكد أن هناك عددا من التحديات التي تواجهها المصرفية الإسلامية، من أهمها، حاجتها للدعم اللوجستي، وقصد بذلك أن المصرفية الإسلامية بشكل عام وفي دول الخليج بشكل خاص، لا تمتلك حتى الآن تشريعات وأنظمة تنظم صناعتها، وأنها ما زالت تعمل بتلك التي تعمل بها المصرفية التقليدية.

كما أن هناك حاجة ماسة لتطوير المنتجات الإسلامية، فما زالت هناك قائمة طويلة منها تحتاج إلى تطوير، مع ضرورة أن تكون هناك برامج تلتزم بالشريعة وتلبي الحاجة وتناسب الصناعة.

ولم يغفل الغامدي التحديات التي تواجه المصرفية الإسلامية كالقوى العاملة، إذ إن معظم العاملين تدربوا وتعلموا في مدرسة المصرفية التقليدية، فهم بذلك بحاجة إلى إعادة صياغة ليتلاءموا مع المصرفية الإسلامية، مبينا أن أكبر التحديات التي تواجه المصرفية الإسلامية هي مسألة الانتقال إلى النموذج المثالي للصناعة المصرفية، وهي آلية المشاركة، إذ إن الأصل أن تقوم على المشاركة وليست المرابحة.

أما الدكتور يوسف الزامل، مساعد الأمين العام للهيئة العالمية للاقتصاد والتمويل الإسلامي، فيرى أن هناك العديد من التغيرات التي انتظمت في كثير من المؤسسات والمنتجات المالية الإسلامية، خاصة في دول مجلس التعاون الخليجي.

وأوضح الزامل، أن الأشكال التي تظهر بها البورصات وكذلك الصناديق الائتمانية والمحافظ المالية وبرامج التمويل الشخصي والمساكن وغيرها من المنتجات تعددت بشكل كبير، بخلاف ما عليه الحال في البنوك التجارية، حيث أصبحت المصارف والمؤسسات الإسلامية مشاعة بشكل كبير.

وأشار الزامل إلى أن رؤوس الأموال أخذت هي الأخرى تبحث عن الفرص الاستثمارية والمنتجات الإسلامية، مثل الصكوك والمنتجات المالية الأخرى، كما تغيرت اتجاهات كثير من عملاء البنوك من القروض التجارية إلى القروض الإسلامية، والحال نفسه حدث في شركات التمويل والتكافل تغيرت كجهات استثمارية وادخارية.

ويؤكد الزامل، أن هناك توجها عالميا يتيح الفرصة للمصرفية الإسلامية بأن تشيع بين الناس ليس فقط في البلاد الإسلامية، وإنما أيضا في البلاد الغربية، بسبب أن كثيرا من البنوك في تلك البلاد فشلت في أواخر الثمانينات، فأخذت تنوع في المنتجات، وأصبح هناك اتجاه نحو الشمولية، حتى تنافس المؤسسات الجديدة في العقدين الآخرين، ما ساعد المصرفية الإسلامية لأن تصبح الأكثر حظا في هذا الاتجاه، من حيث القبول والرضا لدى العديد من العملاء.

وتوقع الزامل أن تشهد المصرفية الإسلامية ازدهارا بسبب الوعي المتنامي، خاصة في منتجات كالمشاركة والمضاربة، التي سيكون لها مستقبل ودور أكبر.

كما يرى عبد الباري مشعل، المدير العام لمركز رقابة للاستشارات المالية، أن غياب دور البنوك المركزية في عملية التشريع والتنظيم للمصرفية الإسلامية، بجانب الضعف الذي تعانيه النظم والأطر المؤسسية، في ظل غياب الالتزام بالممارسة المهنية لصناعة المصرفية الإسلامية، من ناحية الفتاوى التي تصدر في حقها وندرة الكوادر العاملة في هذا الحقل مع قلة التدريب والتأهيل، نجم عنه ضعف ثقة في قوة وصلابة المشتقات الإسلامية.

وأشار مشعل إلى أن هناك آثارا أخرى ناجمة عن عدم استقلالية الهيئات الشرعية، والاختلاف التعددي الذي تعاني منه الهيئات التشريعية، في ظل غياب التدقيق الشرعي، والتدقيق الداخلي، وعدم كفاءة آليات المحاسبة والجزاء على مستوى الهيئات والمنافسة، جعل التركيز يكون على شكل الفتوى الخاصة بالمنتج أكثر منه بجودة نوعية المنتج نفسه ومواكبته للمتغيرات والمستجدات.

ويرى مشعل أهمية وضرورة الفصل بين الفتوى والتدقيق كمرحلة أولى، إلى أن يتم الوصول إلى مرحلة متقدمة يتم فيها إلغاء الفتوى الخاصة كمرحلة ثانية، شريطة أن تتضمن اعتماد مرجعية موحدة للمعايير الشرعية، بالإضافة إلى آلية لإعادة إصدار المرجعية الموحدة والتعامل مع الثغرات التي يمكن حدوثها مستقبلا، داعيا إلى تعيين هيئة عليا للعناية بالمرجعية الموحدة، وإعادة إصدارها بشكل دوري لمراجعتها وتصحيح مسارها. من جهته أكد ناصر الزيادات، مدير التخطيط الاستراتيجي في شركة المشورة والراية للاستشارات المالية الإسلامية في الكويت، ما ذهب إليه المشاركون في الجلسة، مكتفيا بتوضيح واقع ومستقبل المصرفية الإسلامية بيانيا.

وانتهى الزيادات إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي شهدت خلال عام 2008 تراجعا ملحوظا، حيث هبطت عوائد منتجات المصرفية الإسلامية من 36 في المائة في عام 2007 إلى 23 في المائة في عام 2008، وذلك نسبة لإعادة تقييم الأصول المالية والعقارية، مقرّا في ذات الوقت بأن دول مجلس التعاون الخليجي، تعتبر أكبر منطقة في قيمة إجمالي الأصول الإسلامية، بنسبة 20 في المائة من إجمالي المصرفية الإسلامية حول العالم.

وفي مداخلة للدكتور عبد الرحمن الراشد العبد اللطيف، مساعد ممثل السعودية لدى صندوق النقد الدولي سابقا، والمتخصص في اقتصاديات دول الخليج العربي، أوضح أن الدكتور محمد الغامدي رصد حراك الصيرفة الإسلامية منذ 20 عاما، بينما هي بدأت منذ أكثر من 30 عاما، مشيرا إلى أنه في مؤتمر جدول أعمال وزارة خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في مدينة فاس في المغرب عام 1979 طرحت نفس الفكرة.

وبين العبد اللطيف، أن الصيرفة الإسلامية تطورت خلال الثلاثة عقود الماضية إلى الممارسة من خلال المشتقات الإسلامية المطروحة في السوق المالية، وعلى الرغم من أن الوصول إلى هذه المرحلة استغرق وقتا طويلا لأسباب مختلفة، إلا أنه لم يتم حتى الآن تأسيس سلطة رسمية لتفعيل هذا البديل الإسلامي في القطاع المالي، بالإضافة إلى المساهمة من منطلق التخصص وتقديم ذلك للمؤسسات المالية العالمية المماثلة كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لا سيما أن إجمالي الاستثمارات المالية الإسلامية تقدر بنحو 900 مليار دولار.

وقال العبد اللطيف، إن عددا من المتخصصين في القطاع المصرفي في أوروبا والولايات المتحدة أثاروا نقاطا جديرة بالاهتمام، وهي تساؤلات عن التحديات التي تواجه المصرفية الإسلامية، كعدم وجود تفسير موحد للمشتقات الإسلامية وصعوبة التوفيق بين الضرائب والقوانين المنظمة لهذه الصناعة.

وفيما يتعلق بالرهن العقاري التقليدي، الذي تسبب في الأزمة المالية العالمية، كشف نقاط الضعف في النظام الاقتصادي الرأسمالي، فيما يرى البعض أن الرهن العقاري الإسلامي يستخدم أساليب (غير بريئة)؛ لإقناع المسلم الملتزم بدفع الكثير مقابل ما يحصل عليه من فتات قليل، ما يؤكد أن الرهن العقاري الإسلامي الراهن ما هو إلا نسخة أقلّ كفاءة من الرهن العقاري التقليدي، مع مزيد من المخاطرة القانونية والضريبية.

وتساءل العبد اللطيف أيضا، أن الدكتور محمد الغامدي أشار إلى تأثير الأزمة المالية على المشتقات الإسلامية باستحياء، موضحا أن مؤشر فاينشال تايمز الإسلامي انخفض بنسبة 41 في المائة مقابل انخفاض المؤشر العالمي بنسبة 44 في المائة، حيث يلاحظ أن الفرق ثلاث نقاط فقط، وهي نسبة ضئيلة جدا، ما يؤكد أن المشتقات الإسلامية ما هي إلا نسخة للمشتقات التقليدية خلعت عليها العباءة الإسلامية.

وفي ذات السياق، قال العبد اللطيف، إن ضعف استقلالية الهيئات الشرعية في البنوك لا يزال قائما، وأن ذلك لا شك سيحدّ من دور الهيئات الشرعية وفاعليتها ويصاحب ذلك بشكل تلقائي ضعف التدقيق والمتابعة لمسار المشتقات الإسلامية لمنعها من الانحراف عن مسارها المحدد في أطره الشرعية السليمة، وقد تستغل هذه اللجان التي يسمح لها في فتح الأبواب من دون الولوج إلى القنوات الاستثمارية الحقيقية للمتابعة.