تنامي قطاع المصرفية الإسلامية في سورية على الرغم من حداثته

«الدولي» و«الشام» يسيطران على 12% من ودائع الجهاز المصرفي

توقعات بانتعاش الاقتصاد السوري مع دخول مزيد من البنوك الإسلامية في السوق («الشرق الأوسط»)
TT

سجلت المصرفية الإسلامية حضوراً كبيراً على الساحة المصرفية السورية، وذلك بعد دخولها أخيراً لسوق المصرفية في البلاد، حيث حققت إقبالا كبيراً من الأفراد والمستثمرين، الذين فضلوها على غيرها من التقليدية، لاعتبارات مختلفة.

وما إن بدأت المصارف الإسلامية في دخولها إلى سوريا، حتى تهافت السوريون عليها، خاصة بعد طرح الاكتتاب العام لبنكي الشام الإسلامي بمشاركة مستثمرين كويتيين، والبنك الدولي الإسلامي بمشاركة مستثمرين قطريين، وهما بنكان إسلاميان بشراكة سورية. وحقق الاكتتاب العام للبنكين إقبالا كبيراً بعد أن تم تغطيتهما بـ«5» أضعاف المبالغ المطروحة.

وتمكن المصرفان من جذب ودائع هائلة خلال فترة بسيطة، ما جعلهما يواجهان سريعاً مشكلة تضخم الودائع أمام قلة المجالات الاستثمارية المتاحة، وذلك شأنها من شأن القطاع المصرفي السوري ككل.

إلا أن قدوم الأزمة المالية العالمية، وما رافقها من ترويج للصيرفة الإسلامية وقدرتها على مواجهة الأزمة أكثر من غيرها، دفع الجهات المسؤولة، إلى إعطاء المزيد من الدعم للمصارف الإسلامية، لتسمح لها برفع رأسمالها وإعطائها تسهيلات أوسع في موضوع الاستثمار.

وانطلاقا من بداية العام الحالي بدأت المصارف الإسلامية تشهد تحركات واسعة باتجاه تنويع خدماتها، وتلبية متطلبات العملاء الإقراضية للغايات الشخصية والسكنية، وشراء بعض السلع إلى جانب الإقراض التنموي. ويؤكد الدكتور محمد الحسين، وزير المالية السوري، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن المصارف الإسلامية تعمل وسط اهتمام خاص من الحكومة، وأن الحكومة السورية ارتأت منذ البداية التعامل بشكل جدي مع دخول المصارف الإسلامية إلى البلاد، في ظل وجود قاعدة جيدة من الزبائن لها، وللميزات التي تتمتع بها المصارف الإسلامية عن سواها ما جعلها أقل تأثراً بالأزمات. وأضاف الحسين أن المصرفين اللذين دخلا إلى السوق لعبا دورا تنمويا مهما، عبر تقديم التمويل لمشروعات حيوية في الاقتصاد، مشيرا إلى أن تمويلات المصرفين بلغ إجمالي ودائعها بالليرات السورية في السوق المحلية، رغم فترة وجودها القصيرة، نسبة 50 في المائة، وهي نسبة كبيرة ومهمة وجهت بشكل أساسي إلى القطاع الصناعي والتجاري والخدمي. من جهته، بين محمد الشاعر، أحد الشركاء السوريين في بنك البركة في سوريا، الذي يستعد للإعلان عن اكتتاب عام الشهر المقبل، أن قوة المصارف الإسلامية في سوريا تنبع من توجهها نحو الإقراض لغايات تنموية، ما مكنها من جذب شريحة واسعة من أصحاب الأعمال، كبارا وصغارا، من أجل الحصول على إقراض لتوسيع أعمالهم ومنشآتهم. وأكد الشاعر أن هذا الدور للمصارف الإسلامية هو أهم ما يمكن الحديث عنه، في ظل وجود شريحة واسعة من أصحاب الأعمال أو أولئك الراغبين في إقامة أعمال خاصة بهم، تفضل التعامل مع المصارف الإسلامية.

وتابع الشاعر أنه مع مرور الوقت يتوقع أن تلعب الصيرفة الإسلامية دورا رئيسيا في الاقتصاد السوري، خاصة مع استعدادات 3 مصارف للدخول دفعة واحدة إلى السوق السورية هي، مصرف البركة، والعربي، والتضامن، فضلا عن توجه بعض المصارف الحكومية لفتح خدمات إسلامية كالمصرف التجاري السوري. وتشير أحدث الإحصاءات إلى أن المصارف الإسلامية العاملة في السوق السورية تمكنت من جذب 12 في المائة من ودائع القطاع المصرفي ككل، خلال أقل من عامين (يوجد في سوريا عشرة مصارف خاصة وستة مصارف عامة).

وتشهد الصيرفة الإسلامية في سوريا تطوراً واضحا يمكن أن يجابه كل الأزمات الحالية والمستقبلة، وهو ما يأمله مصرف سوريا المركزي نظرا لوجود هيئة شرعية تشرف وتنظم عمل هذه المصارف. ويلاحظ أن المصارف الإسلامية في سوريا بدأت تلجأ إلى منح التمويلات لأبعاد طويلة الأجل نوعا ما، تصل حتى 15 سنة كتمويل المشاريع والتمويل المنتهي بالتمليك، وذلك نتيجة دعم مجلس النقد والتسليف للاستثمار عبر إعلانه عن دعم المصارف بالسيولة إذا ما واجهها أي نقص في السيولة ناجم عن الزيادة في تمويل الاستثمارات. إلى جانب إصدار قرار آخر سمح للمصارف التقليدية والإسلامية على حد سواء في زيادة حجم التسليف للقطاع الاستثماري الصناعي والسياحي والزراعي.

وعلى الرغم من الحركة التي بدأت تشهدها المصارف الإسلامية الحديثة العهد في سوريا، إلا أنها تواجه الكثير من التحديات خلال الفترة المقبلة. ويشير عبد القادر الدويك، مدير عام بنك سوريا الدولي الإسلامي، في دراسة لهُ إلى عدد من التحديات التي تواجه مستقبل المصارف الإسلامية، كونها مصارف حديثة يتمثل التحدي الأول بتوفر الكادر البشري المؤهل المناسب والمدرب القادر على ممارسة العمل المصرفي الإسلامي، وتقديم الخدمات المصرفية بأسلوب علمي حديث ينسجم مع مفاهيم الاقتصاد الإسلامي. في حين يبين الدويك، أن التحدي الثاني يتمحور ضمن ثقافة العمل المصرفي الإسلامي، ولذلك فإنه يترتب على المصارف الإسلامية بذل جهود كثيرة بالتوعية، بالإضافة إلى شرح مفاهيم عمليات الاستثمار الإسلامي من مضاربة ومشاركة ومرابحة.

ويأتي التحدي الثالث في رأس المال باعتبار البنوك الإسلامية استثمارية لديها كفاية رأس مال عالية، وقادرة على عمليات التوظيف لآجال قصيرة ومتوسطة وطويلة، باعتبار رأس المال هو داعمة أساسية لحفظ ودائع المستثمرين والمتعاملين مع البنك. أما التحدي الرابع فهو المواءمة مع المتطلبات الدولية في عمليات «بازل 2» من حيث كفاية رأس المال وإدارة المخاطر، والتحدي الخامس هو الحوكمة وعملية إدارة الأصول والعلاقة ما بين المالكين والمستثمرين وبين المودعين وأصحاب رأس المال إدارة سليمة ناهيك عن تحدي الشفافية والإفصاح وبيان المعلومات وإطلاع كافة الأطراف على مجريات العمل في البنوك الإسلامية. وحول تحقيق أهداف البنوك الإسلامية المتعلقة بالاستثمار والمشاركة في عملية التمويل الطويل بما يسهم في عملية التنمية الاقتصادية، يوضح الدويك أنه عادةً البنوك في بداية عملها تكون حريصة على بناء قاعدة رأسمالية وموارد مالية متوفرة لديها، فتبدأ بعمليات التمويل لتتوجه بعد سنوات عمرها الأولى إلى الاستثمار طويل الأجل. وأشار الدويك إلى أن بنك سوريا الدولي الإسلامي وبعد سنة ونصف السنة من انطلاقته وظف حتى الآن 28 مليار ليرة من أصل الإيداعات الموجودة لديه البالغة 41 مليار ليرة، وجميع هذه التوظيفات في مناحي اقتصادية واجتماعية تلبي حاجات المجتمع السوري الصناعية والزراعية والسياحية والخدمية. وتراهن المصارف الإسلامية السورية على قدرتها على كسب ثقة المتعاملين واستقطاب الأموال المكتنزة خارج الجهاز المصرفي، وعلى الرغم من أن المصارف الإسلامية لم تبدأ عملها في سوريا إلا في الربع الأخير من عام 2007، إلا أن حجم الودائع لديها بات يشكل 12 في المائة من إجمالي ودائع القطاع المصرفي الخاص. حيث تصل قيمة ودائع تلك المصارف إلى نحو 46 مليار ليرة سورية في نهاية العام 2008.

ويتوقع أن يشهد العمل المصرفي الإسلامي حركة لافتة خلال الفترة المقبلة مع إعلان المصرفيين الحاليين عن برامج الإقراض السكني على طريق الإيجارة «المنتهي بالتمليك». ويؤكد على اهتمام الأفراد في سوريا، ما حدث في مصرف الشام الإسلامي، من خلال تلقيه في الأسبوع الأول لإعلانه عن برامج تمويل السكن بالإيجار اتصالات لأكثر من 60 ألف شخص من جميع أنحاء البلاد، من الساعين لامتلاك منزل، ويعتقد الكثير منهم أن الحصول عليه على الطريقة الإسلامية أفضل وأقل وطأة من برامج الإقراض السكني المتوفرة لدى المصارف التجارية التي تطلب شروطا قاسية.