وجهة نظر: الصيرفة الإسلامية في أستراليا

TT

دخل الإسلام أستراليا في عام 1849 م عندما جلبت الحكومة البريطانية آنذاك 120 جملا وكان بصحبتها 12 جمالا أفغانيا للعناية بها وذلك بهدف استكشاف الأراضي الأسترالية ومن هنا أطلق في ما بعد على كل الجمالين في أستراليا أفغان وتختصر إلى «غان»، إلا أن الوجود الفعلي والمؤثّر للمسلمين في أستراليا بدأ من عام 1954م عندما بدأت وفود المهاجرين من شتى دول العالم الإسلامي في الوصول إليها ويبلغ عدد المسلمين اليوم في أستراليا نحو 500 ألف نسمة يتوزعون على 23 جنسية إلا أن الغالبية هم من الجنسية التركية تليها اللبنانية، ويتركز الوجود الإسلامي في مدينة سيدني، ويمثل المسلمين في أستراليا المجلس الإسلامي الأسترالي الذي يضم العديد من المؤسسات الإسلامية التي تُعنى بالحفاظ على الهوية الإسلامية ومتابعة شؤون المسلمين، وتنتشر المساجد في أستراليا حيث يبلغ عددها نحو 52 مسجدا، كما أنه تم إنشاء نحو 20 مدرسة إسلامية لتعليم أبناء الجالية المسلمة تعاليم الدين الإسلامي والمعارف المتعلقة بعادات وتقاليد المسلمين واللغة العربية، وقد سعى المجلس الإسلامي الأسترالي لدى الحكومة للسماح بتدريس اللغة العربية في المدارس الأسترالية، وقد أذنت الحكومة بذلك وهو مطبق اليوم في نحو 300 مدرسة، كما يوجد لدى المسلمين إذاعة خاصة بهم ومع قدم وجود الإسلام في أستراليا وانتشار الجالية المسلمة والتي هي في غالبها تحمل مؤهلات عالية وتصنف كطبقة متوسطة حيث تبلغ قوتها الشرائية نحو 3.3 مليار دولار أسترالي، إلا أنه لا يوجد اليوم في أستراليا سوى مؤسستين ماليتين إسلاميتين تقدمان خدماتهما لهذه الجالية المسلمة حيث تم إنشاء المؤسسة الأولى في عام 1989م وهي «Muslim community co-operative Australia» وتختصر إلى «mcca».

ومؤسسة «Islamic co-operative finance Australia limited» وتُختصر إلى «ICFAL» وأنشئت في عام 1997م، ويمكن أن نعزو ضعف انتشار صناعة الخدمات المالية الإسلامية في أستراليا إلى عدة أسباب منها ضعف ارتباط المسلمين بالثقافة الإسلامية وقوة اندماجهم في المجتمع الأسترالي حيث تشير التقديرات إلى أن نسبة المسلمين الذين يصلّون في المساجد لا تزيد على 30% (نقلا عن مقال لشهرام أكبر زادة مدير مركز الأقليات المسلمة ودراسات السياسات الإسلامية، جامعة موناش، المنشور بجريدة أستراليان)، ومن ثم فلم يوجد الدافع لدى هذه الجالية للتوسع في إنشاء المؤسسات المالية الإسلامية، إضافة إلى بعد أستراليا الجغرافي عن مناطق انتشار الصيرفة الإسلامية مما قلل من اهتمام أرباب هذه الصناعة بها وعدم التفاتهم إليها، إذا أضفنا إلى هذين العاملين عامل القوانين الأسترالية التي لا تتواءم مع طبيعة وخصائص المعاملات المالية الإسلامية علمنا لماذا لم يوجد في أستراليا حتى الآن سوى هاتين المؤسستين.

إلا أنه وجرّاء الأزمة المالية العالمية وما نشأ عنها من تداعيات على الاقتصاد الأسترالي فقد سعت الحكومة الأسترالية إلى اجتذاب رؤوس الأموال الإسلامية خصوصا من دول الخليج التي تتمتع بفائض نقدي نتيجة لارتفاع أسعار النفط في فترة سابقة وتأثرها المحدود بالأزمة المالية العالمية وذلك عبر الانفتاح على صناعة الصيرفة الإسلامية مستلهمة رؤيتها في هذا الجانب من التجربة البريطانية حيث تعتزم الحكومة الأسترالية إجراء تعديلات على قوانينها على النسق البريطاني بحيث توائم بين متطلبات الصناعة المالية الإسلامية وقوانينها المالية مما سيخلق بيئة عادلة للمنافسة بين المؤسسات المالية الإسلامية والتقليدية، مع وضعها لاستراتيجية لتسويق لنفسها على أنها نافذة الصناعة المالية الإسلامية على شرق آسيا، وقد دشنت الحكومة الأسترالية استراتيجيتها هذه بتشجيع عقد المؤتمرات وتنظيم الزيارات للوفود المهتمة بصناعة الصيرفة الإسلامية لأخذ مرئياتهم في هذا الجانب مع تعريفهم بالمناخ الاستثماري والفرص الاستثمارية المتاحة في أستراليا.

ومع هذا الدعم الحكومي لصناعة الصيرفة الإسلامية فإنني لا أستبعد أن تضع أستراليا نفسها وبقوة على خارطة المراكز المالية المهمة لهذه الصناعة في وقت وجيز.

* مستشار في المصرفية الإسلامية