خبراء ماليون لـ «الشرق الأوسط»: الصكوك الإسلامية في منطقة الخليج موجهة لمشاريع القطاع الخاص

اعتبروها عنوان الصناعة المصرفية رغم قلة الإقبال عليها وتنبأوا بإصدارات جديدة قادمة في الطريق

خبراء يتوقعون تزايد التوجه لإصدار المزيد من الصكوك والسعودية أعلنت عن تشجيع الشركات لإصدارها وخصصت نظاما آليا لتداولها (تصوير عبد الله عتيق)
TT

رجح خبراء في المصرفية الإسلامية، أن يدعم إصدار الصكوك في الفترة المقبلة مشاريع القطاع الخاص في منطقة الخليج، مؤكدين أن الصكوك ستكون عنوان وركب المصرفية الإسلامية في المستقبل.

وجاءت ترجيحات الخبراء المصرفيين نتيجة نمو تلك الوسيلة للحصول على تمويل، نتيجة ما تتطلبه المشاريع المستقبلية في منطقة الخليج، مشيرين إلى أن الشركات هي التي تأخذ مبادرة إصدار الصكوك، وليس البنوك.

وقال الدكتور محمد القرّي، أستاذ الاقتصاد الإسلامي وعضو هيئات شرعية في عدد من البنوك الإسلامية، إن أغلب الصكوك التي تصدرها مصارف دول الخليج العربي تكون بالتعاون مع القطاع الخاص، متوقعاً أن تواصل الصكوك الإسلامية النمو خلال الفترات القليلة المقبلة، حيث أشار إلى مشروعات صكوك قادمة في الطريق.

من جهته استبعد الدكتور عبد الوهاب أبو داهش الخبير المصرفي، أن يصل مستوى إصدارات الصكوك الإسلامية، إلى مستوى ما سجلته في عام 2007، وما سبقه من أعوام، حيث ذهب في استبعاده الى أن فترة الرواج الكبير انتهت، ولن يعود الإقبال على الصكوك الإسلامية بمثل الزخم السابق، مشيرا إلى أن إصدار الصكوك الإسلامية في منطقة الخليج العربي تتبناها بعض الشركات وليس البنوك.

وزاد الخبير المصرفي أن معظم شركات القطاع الخاص أخرت إصدار الصكوك، بسبب تدني الربحية الذي أضعف من قدرة الشركات على إصدار الصكوك، لافتاً إلى أن المشكلة تكمن في صعوبة الإقبال على مثل هذه الصكوك هي في تدني مستوى ربحية الشركات وغموض المستقبل، فكثير من الشركات تتراجع أمام عملية إصدار الصكوك وقد تأجل مشاريعها كما يحدث للكثير من الشركات. أما الدكتور محمد القري ففند أسباب تراجع مستوى إصدار الصكوك الإسلامية، بأن منطقة الخليج العربي ما زالت متأثرة بالأزمة العالمية، وقلة التجارب في إصدار الصكوك الحكومية، باستثناء البحرين، مطالباً بعدم المبالغة في تأثير الأزمة المالية، وأنها لن تقسم ظهر قطاع الصيرفة الإسلامية، حيث إن الأهم من ذلك حسب رأيه هو أخذ الدروس والاستفادة من التجارب في المستقبل. وزاد القري أن إصدار الصكوك هو ركب المصرفية الإسلامية، متوقعا أن يبلغ حجم الأصول التي توجه للصكوك الإسلامية على مدى 10سنين، ضعف حجم المصرفية الإسلامية، ما يشير إلى أن المصرفية الإسلامية ستكون قائمة على الصكوك.

بينما ذهب الخبير المصرفي أبو داهش إلى أن تسويق الصكوك داخل منطقة الخليج وخارجها سواء أصدرت من ماليزيا أو غيرها، يحتاج إلى سوق موحدة أو مرجعية للصكوك الإسلامية، إذ أن البنوك الإسلامية ليس لها لا سوق ولا مرجعية ولذلك استفادت الصكوك الإسلامية من الزخم الكبير الذي حدث خلال السنوات القليلة الماضية، ومن تداولها في سوق ماليزيا.

وأضاف الدكتور عبد الوهاب أن دول الخليج العربي لا يوجد بها تداول الصكوك الإسلامية بالمفهوم المتعارف عليه، وإن كان موجودا في السوق السعودية لكن لم يحظ بإقبال كبير على تداوله. وذلك لأن الناس لم يتعودوا على شراء الصكوك وتداولها بشكل يومي، إضافة إلى أن شراء الصكوك يتم عن طريق مؤسسات كبيرة مثل الصناديق السيادية ومعاشات التقاعد التي تتميز بحدود معينة لا يمكن تجاوزها، حيث ليس من الممكن شراء كل ما يطرح من الصكوك سواء في دول الخليج أو ماليزيا.

وقال أبو داهش إنه في ظل أزمة التمويل العالمية الحالية والتمويل في السعودية، لم يبق للشركات سوى إصدار الصكوك، وإصدار هذه الصكوك يكون بحدود معينة، ليس بالسهولة بمكان إصدار صكوك بشكل دائم، حيث لا بد من مراعاة وضع وقدرة السوق على طلب الصكوك المصدرة. وزاد الخبير المصرفي أن الصناديق السيادية وصناديق معاشات التقاعد وصناديق التأمينات الاجتماعية وصناديق الشركات الكبرى، عادة ما تكون رغبتها في تملك الصكوك محدودة، الأمر الذي جعل السوق غير متعطش مثل ذي قبل.

واعتبر الدكتور أبو داهش أن عملية إصدار الصكوك غامضة جدا وخاضعة لعدة عوامل مثل وضع الاقتصاد العالمي، الذي أصبح غير واضح، وتراجع ربحية معظم الشركات، مبيناً أن الصكوك عندما تصدر بضمان الملاءة المالية للشركة وبالدعم الحكومي مثل شركة الكهرباء السعودية وشركة سابك ودار الأركان العقارية، التي وجدت إقبالا، مستدركا بقوله «هل الإقبال سيستمر؟ لا أدري».

وقال الخبير المصرفي إن المستثمرين الأفراد وحتى الشركات الكبرى التي ليس لها ضمانات حكومية، سيواجهون إشكاليات عدة في إصدار الصكوك وعملية الإقبال عليها، في ضوء الوضع الحالي لسوق الصكوك الذي ما زال يتداول على انخفاض كبير حتى في أسعاره وقلة الإقبال عليه.

وطالب أبو داهش بإيجاد مرجعية لتسعيرة الصكوك الإسلامية ومرجع إسلامي موحد للصكوك، وذلك في ظل العدد المتزايد من البنوك الإسلامية وتوجه معظم الشركات إلى استخدام المنتج الإسلامي كالصكوك الإسلامية، موضحا أن ذلك يحتاج لوقت طويل، حيث إن البنوك الإسلامية تحتاج إلى مرجعية للمصرفية الإسلامية أولا قبل مرجعية الصكوك الإسلامية.

وأضاف أن عمل مصرفية موحدة ومرجعية إسلامية، أمر وارد، ولكن من الأهمية بمكان توحيد عملية اللجان الشرعية الإسلامية، حيث إن وجود لجنة شرعية إسلامية عالمية يكون مقرها في احدى الدول الإسلامية، وتضع أنظمه وضوابط وتشريعات للمصرفية الإسلامية بحيث أن أي مصرف إسلامي يستطيع أخذ تراخيص من هذه المرجعية، سيكون أول الطريق لإنشاء مرجعية موحدة وتحويل اللجان الشرعية إلى منظمة شرعية تضع الأنظمة والتشريعات.

وكان بنك ام انفستمنت قد توقع في تقرير صدر له خلال الأيام القليلة الماضية بفتور مبيعات الصكوك الإسلامية في العالم، وقال أكبر مدير للصكوك في العالم إنه من المرجح أن تبلغ الإصدارات العالمية للسندات الإسلامية في عام 2009م، نحو مستواها المسجل العام الماضي عند 14.25 مليار دولار وان من المتوقع أن تسجل المبيعات في ماليزيا ما يزيد على نصف تلك القيمة.

وقال محمد أفندي عبد الله رئيس إدارة الأسواق الإسلامية ببنك ام انفستمنت إن الإصدارات الحكومية وتمويل مشروعات البنية الأساسية ستدفع بمبيعات الصكوك الإسلامية، متوقعاً أن يبلغ إجمالي الإصدارات في ماليزيا أكبر سوق للسندات الإسلامية في العالم ما لا يقل عن 8.3 مليار دولار في عام 2009، مقارنة مع 6.3 مليار دولار في عام 2008، و17.7 مليار دولار في 2007.

وكشف أفندي عن عدد لا بأس به من الصكوك يجري الإعداد لها إلا أن المصدرين لا يزالون متحفظين، مضيفاً أن إصدارات الصناديق السيادية والهيئات المرتبطة بالحكومات ستساعد على دفع السوق، مشيراً في ذات الوقت إلى أنه من المتوقع أن تظل عمليات الإجارة والمشاركة والمضاربة أشهر هياكل الصكوك.

ويعد بنك ام انفستمنت جزءا من بنك إيه. ام. ام. بي هولدنجز سادس بنك في ماليزيا الذي كان أكبر مدير للسندات الإسلامية في العام خلال النصف الأول من عام 2009م، إذ أدار إصدارات بقيمة تجاوزت ملياري دولار.

ووفقا لمؤسسة ستاندرد اند بورز تراجعت قيمة إصدارات الصكوك على مستوى العالم بما يزيد على 56 بالمائة منذ عام 2007م، لتصل إلى 14.9 مليار دولار. وعزا مصرفيون هذا التراجع إلى أزمة الائتمان، كما أن رأيا مثيرا للجدل أدلى به أحد كبار العلماء اذ أعلن أن أكثر من نصف منتجات الصكوك غير إسلامية، إلا أن ارتفاع الطلب في الآونة الأخيرة على إصدارات الصكوك السيادية باندونيسيا والبحرين عزز من الآمال بانتعاش سوق الصكوك.

بيت التمويل الكويتي توقع قبل عدة أيام بأن تتراوح مبيعات الصكوك العالمية بين 15 و18 مليار دولار في عام 2009م. إلا أنه لا يزال مصرفيون ومحامون يقولون إن التوقعات المستقبلية تؤثر عليها عملية إعادة هيكلة ديون مجموعتي سعد وأحمد حمد القصيبي وإخوانه السعوديتين وعدم التيقن من قوة انتعاش الاقتصاد العالمي.

وتبذل البنوك والهيئات التنظيمية جهودا مكثفة للتعامل مع آثار عملية هيكلة ديون بمليارات الدولارات بالمجموعتين السعوديتين في أكبر ضربة تتعرض لها منطقة الشرق الأوسط منذ بداية الأزمة المالية العالمية.

وكانت «الشرق الأوسط» أشارت خلال الأسبوع المنصرم عن تنبؤات حديثة بقدرة المصرفية الإسلامية على أن قيمة الأصول المدارة بالمصرفية الإسلامية بلغت تريليون دولار بحلول عام 2010، مقابل مجموع الأصول التي تحتفظ بها البنوك الإسلامية على المستوى العالمي البالغة نحو 840 مليار دولار في نهاية العام 2008. وقالت مؤسسة موديز – إحدى أكبر مؤسسات التصنيف الائتماني العالمية - في التقرير إن هذه التقديرات تأتي في وقت لا تزال تعيش فيه المصارف الإسلامية تحفظا كبيرا بالاعتماد على قاعدة السيولة المفرطة، وإبقاء فائض الأصول السائلة، موضحا أن رغم ذلك تواجه الصناعة آثار أزمة الائتمان وتعاني من ويلات صناعة متطورة تتميز بمعدلات نمو مرتفعة للغاية وإدارة الشركات مرتبكة ووجود ضعف في إدارة المخاطر.

وذكر التقرير الذي هدف لتقييم مستوى السيولة والمفاضلة للبنوك الإسلامية في بيئة متغيرة، أنه في دول مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط وتركيا تكمن 10 مصارف إسلامية سجلت معدلات تقييم ائتمان عالية تراوحت بين درجات AA3 إلى BAA2 وتعتبر ضمن فئة الدرجة الاستثمارية، بينما حلت جميع البنوك على نسبة احتمالات مستقبلية مستقرة.