صندوق الضمان الصحي التعاوني

TT

لا يخفى على كل عاقل أهمية التأمين الصحي هذه الأيام، نتيجة لارتفاع كلفة الطبابة. وقد سبق وأن كتبت مقالا عن أهمية التأمين الصحي التعاوني المتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية في هذه الزاوية، بتاريخ 10/06/2008 بينت فيه أهميته وأنه مطلب شرعي، حيث تتحقق به إحدى الضروريات الخمس وهي حفظ النفس، ومن أراد الاستزادة حول هذا الأمر يمكنه الرجوع للمقال. ومن هنا فقد سعت الدولة السعودية، ممثلة في مجلس الضمان الصحي التعاوني، لبيان أهمية هذا النوع من التأمين وترسيخه في المجتمع وحماية حقوق جميع أطراف العملية التأمينية، عبر تأهيل شركات التأمين ومقدمي الخدمات ورعاية مصالح حاملي البوليصة بإطلاق الوثيقة الموحدة، والرقابة على العملية التأمينية، وإرشاد حاملي وثائق التأمين لحقوقهم، واستقبال الشكاوى. ولم تقف جهود المجلس عند هذا بل سعى إلى إطلاق أفكار إبداعية تحقق المعنى من المسمى الذي يحمله المجلس، وهو التعاون بحيث يصبح حقيقة واقعية بدلا من أن يكون اسما بلا معنى، فسعى لإنشاء صندوق الضمان الصحي التعاوني، الذي سيتحقق بوجوده معنى التكافل والتعاون بين مجموع المؤمنين، الذي حث عليه القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة المائدة الآية رقم 2: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب). وحث عليه الرسول، صلى الله عليه وسلم، في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم، عن النعمان بن بشير رضي الله عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى شيئا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». وفيهما عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك بين أصابعه«. حيث يحصل هذا التعاون والتكافل بتبرع حامل البوليصة بنصيبه من الفائض لصالح الصندوق، الذي يتم بواسطته تغطية المطالبات التي تتجاوز الحد الأعلى للوثيقة الموحدة للتأمين التعاوني، والبالغة 250 ألف ريال، وبهذا يضمن حملة الوثائق تلقي العلاج المناسب في أي وقت بدون تكاليف إضافية، أو خشية بلوغ الحد الأقصى للتغطية. ولا شك أن هذه هي أجلى صور التكافل والتعاون بين المؤمنين. إن وجود هذا الصندوق وظهوره للعلن سيحقق العديد من الفوائد، حيث سيؤدي إلى كشف حقيقة التأمين التعاوني، وإظهار الفرق بينه وبين التأمين التجاري جليا واضحا. حيث لا مجال للمقارنة بين من ينظر إلى العملية التأمينية كتجارة، وبين من يراها إرفاقا، وظهور هذا الأمر واستقراره سيؤدي إلى رفع الإشكال الشرعي لدى المجتمع، مما سيساهم في إقباله على هذا النوع من التأمين، وبالتالي رفع الوعي التأميني وانتشار ثقافته في المجتمع، التي هو في أمس الحاجة إليها، نظرا لقلة الوعي بأهمية التأمين لدى غالبية أفراد المجتمع. كما أن وجود مثل هذا الصندوق ونجاحه في تحقيق أهدافه سيؤسس لتجربة صناديق الضمان الصحي في السعودية، حيث ستسعى الكثير من المؤسسات الخيرية ومؤسسات الرعاية الاجتماعية إلى تبني هذه الفكرة، وبالتالي سنجد بعد فترة الكثير من صناديق التأمين الصحي التعاوني التابعة لهذه الجمعيات والمؤسسات، بحيث تكفل رعاية طبية مجانية أو شبه مجانية لأفراد المجتمع المستفيدين من خدماتها بتكاليف مقبولة. بل إن هذه التجربة قد تؤسس لإنشاء صناديق وقفية في مجال الرعاية الصحية، بحيث تكفل العلاج المجاني لأصحاب الحالات الطارئة لغير المقتدرين، والعلاج المجاني للمعوزين، ومن هنا كان اهتمامي بأن تخرج هذه الفكرة للنور، وأن لا توأد كغيرها من الأفكار الخلاقة، التي وأدتها البيروقراطية العقيمة، التي تعاني منها بعض مؤسسات الدولة، أو التنافس المحموم بين الوزارات المختلفة على الصلاحيات والامتيازات. إذ إن مثل هذه الفكرة لا يمكن أن تظهر للنور إلا إذا تضافرت جميع الجهود مع المجلس لتحقيقها، بدءا من وزارة الصحة، التي يرأس وزيرها مجلس الضمان الصحي، وانتهاء بوزارة المالية، ومؤسسة النقد العربي السعودي.

إنها فكرة للوطن فيجب على الجميع السعي لإنجاحها، ومن هنا فقد رأيت أن من واجبي المساهمة في إنجاحها عبر التنويه بها، واقتراح بعض القنوات المتاحة لتمويلها كأموال التطهير، التي سبق وأن أفردتها في هذه الزاوية بمقال عنونته بـ«أموال التطهير تمول صندوق الضمان الصحي».

أسأل الله أن يوفق جميع الأطراف ذات العلاقة للتعاون فيما بينها لإظهار هذا الصندوق للوجود، نظرا لما في وجوده من مصالح جمة للمجتمع.

* مستشار في المصرفية الإسلامية