الرقابة على الصيرفة الإسلامية

لاحم الناصر

TT

منذ نشأة الصيرفة الإسلامية وظهور مؤسساتها وهي لا تخضع لأي رقابة مستقلة سوى رقابتها الذاتية ورقابة الهيئات الشرعية المشرفة على أنشطتها، وذلك فيما يتعلق بأدوات ومنتجات صناعة الصيرفة الإسلامية ومؤسساتها. حيث أغفلت الجهات الرقابية التي تشرف على المؤسسات المالية، كالبنوك المركزية وهيئات السوق والجهات المشرفة على التأمين، عن عمد إما رغبة في عدم ازدواجية المعايير أو جهلا بأهمية وجود إشراف رقابي ومعايير رقابية خاصة بهذه الصناعة ومؤسساتها. ومن وضع قانونا خاصا بهذه الصناعة فإنه لم يفعله، كما أنه لم يكن قانونا بقدر ما كان توجيهات قاصرة. وسبب ذلك هو عدم إدراك القائمين على هذه المؤسسات الرقابية للفروق المهمة، التي تكاد تكون جذرية بين صناعة الصيرفة الإسلامية والصيرفة التقليدية. إذ إن غالبية القائمين على هذه المؤسسات من المصرفيين التقليديين الذين ليس لديهم أي خبرة سابقة أو معرفة بهذه الصناعة. كما أن الحافز على تعلمها لم يكن موجودا لديهم نظرا لأنهم في موضع القوة، بحيث إنهم هم من يضع القوانين وهم من يراقب، فبيدهم الحل والعقد. كما أن الصيرفة الإسلامية لم تكن قد انتشرت وتوسعت مثل انتشارها اليوم، بحيث تفرض عليهم التعامل معها. إلا أنه مع سطوة هذه الصناعة اليوم وسعة انتشارها بحيث أصبحت في بعض الدول هي السمة الغالبة على مؤسسات الصناعة المالية ومنتجاتها ستجبرهم على إعادة حساباتهم، والسعي إلى تعلم خبايا هذه الصناعة ودراستها دراسة جادة، حتى يستطيعوا مراقبتها بشكل فعال. ومع سعي بعض الدول الآسيوية والغربية لاستقطاب أموال هذه الصناعة ومؤسساتها، وعلى وجه الخصوص لندن بحيث تكون مركزا ماليا لهذه الصناعة، أخذت هذه الصناعة بعدا عالميا بعد أن كانت مغرقة في المحلية. ومع بروز الأزمة المالية العالمية واشتدادها وإيقان العالم الغربي على وجه الخصوص بقدرة الصيرفة الإسلامية بمؤسساتها وأموالها ونظمها على إخراجه من أزمته، فتحت أمام هذه الصناعة الكثير من الأسواق المنظمة المتقدمة، التي لا تسمح بممارسة أي نشاط قبل وضع القوانين المناسبة له وإيجاد أساليب وطرق المراقبة المناسبة، التي تكفل تقدير مخاطره وحسن إدارتها. وقد سعت هذه الدول إلى سن القوانين التي تتلاءم مع خصوصية هذه الصناعة وإيجاد النظم الرقابية الفاعلة لمراقبتها. ومع بروز مخاطر هذه الصناعة للعلن حيث تعاني بعض إصدارات الصكوك من مخاطر الإخفاق في السداد، كما أن الكثير من عمليات التمويل لبعض الشركات المتعثرة اليوم هي تمويلات إسلامية، سيؤدي لنشوء خلافات بين المصارف المانحة وبين هذه الشركات وبين حملة الصكوك والمصدرين. وفي ظل عدم وجود قوانين واضحة لهذه الصناعة ومحاكم متخصصة، فلا شك أن هذا النزاع سيطول مما سيضر بمصالح أطراف النزاع، خصوصا المصارف وحملة الصكوك والذين، ولا شك، سيتأثرون تأثرا بالغا بأي تأخير في الفصل في هذه القضايا ومن ثم الحصول على حقوقهم.

كل هذه العوامل مجتمعة تشكل اليوم ضغطا على دول المنشأ الإسلامية للتعامل بشكل مختلف مع صناعة الصيرفة الإسلامية، من حيث المبادرة إلى الاعتراف بها وسن القوانين المناسبة لها والأنظمة الرقابية الفاعلة الكفيلة بإدارة مخاطرها والسياسات المحاسبية التي تكفل الإفصاح والشفافية المناسبين وإيجاد النظام العدلي الفاعل، الذي يوصل الحق لأصحابه بأقصر السبل وأيسرها. وهذا ما سيجعل من الصيرفة الإسلامية ومؤسساتها رافدا مهما من روافد التنمية لهذه البلاد، وعاملا من عوامل قوتها المالية، التي ظلت لفترة طويلة على هامش اهتمام الجهات الرقابية في هذه الدول مما سبب هجرة أموال هذه الصناعة إلى الأسواق المتقدمة التي تكفل لها البيئة القانونية والعدلية المناسبة. وبالتالي حرمان هذه الدول من أموال هذه الصناعة التي كانت ستساهم في تنمية في هذه البلدان، عبر توفير التمويل المناسب للبنى التحتية في هذه البلاد والمساهمة في تمويل القطاع الخاص وخلق فرص العمل المناسب لأبنائها.

إن توفر الرقابة المناسبة على أي صناعة كفيل بحمايتها واستمرارية نموها، والصناعة المالية الإسلامية أحوج ما تكون للرقابة لحمايتها من نفسها وضمان استمرارية نموها. والله من وراء القصد

* مستشار في المصرفية الإسلامية