مدير بنك بلوم للتنمية: غياب الثقافة أبرز صعوبات المصرفية الإسلامية في لبنان

الحسامي لـ «الشرق الأوسط» : العمل المصرفي الإسلامي عندنا يتحرك في بيئة متقلبة

أحد مباني بنك «بلوم للتنمية الإسلامي» في لبنان («الشرق الأوسط»)
TT

لا تزال تجارب الصيرفة الإسلامية يانعة في لبنان، وتصادف انجاز تشريعها، مع أحداث سياسية وأمنية عاتية، بدءا من وقوع جريمة اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري، وما تلاها من اغتيالات واضطرابات وتداعيات. مرورا بالعدوان الإسرائيلي التدميري صيف عام 2006. وليس انتهاء بتفاقم الأزمة الداخلية وإفرازاتها السياسية والأمنية بعد العدوان. ما شكل مناخا طاردا أو اقله مؤخرا للاستثمارات الوافدة إلى هذا القطاع. بعدما طال انتظارها لإتمام البنية القانونية الملائمة.

واقع التجربة الفعلية التي تجرأت بعض المؤسسات لخوضها في ظل أوضاع غير مواتية. وما تواجهه من صعوبات والآفاق التي ترنو إليها، استطلعتها «الشرق الأوسط» مع طارق حسامي مدير الصيرفة بالتجزئة ومدير الفرع الرئيسي لبنك «بلوم للتنمية». وهو احد البنوك الإسلامية الأربعة العاملة ومملوك بكامله من مجموعة بنك لبنان والمهجر. وهي ثاني اكبر بنك لبناني لجهة الحجم. وأعلاها ربحية.

يقول حسامي: العمل المصرفي الإسلامي في لبنان حديث العهد. فالقانون الخاص رقم (575) والمتعلق بإنشاء المصارف الإسلامية في لبنان صدر بتاريخ 11 نوفمبر من عام 2004، مما يعني عدم وجود نظام رقابي يرعى العمل المصرفي الإسلامي ويراقب عملياته المصرفية بناءً على معايير شرعية دولية معتمدة عالمياً، كما هو اليوم في لبنان. وسابقا كانت بعض البنوك تجارية تعمل وفق مبادئ الشريعة الإسلامية و لكن برقابة ونظام تخضع له سائر البنوك التجارية مما أعطى للعمل المصرفي الإسلامي صورة مغايرة تماماً لواقعه.

لكن بالرغم من حداثتها، يمكن القول إن الصيرفة الإسلامية في لبنان قطعت شوطاً ليس بالقليل، وذلك بسبب نظرة مصرف لبنان والقائمين عليه وقناعتهم. وبات عمل المصارف الإسلامية يبشر بمستقبل جيد. وأصبح نموها وتطورها أمرا ملموساً فعدد المصارف العاملة أصبح 4 مصارف يبلغ عدد فروعها العاملة حاليا 13 فرعاً إضافة إلى 3 فروع جديدة ستباشر أعمالها في الأشهر المقبلة.

لكن هذا النمو، يضيف حسامي، لا يوازي المستوى المطلوب والتطلعات، وذلك بخلاف النمو الحاصل في الدول أخرى، ومرد ذلك إلى عدة عوامل أهمها، الوضع السياسي المضطرب، ووجود تقصير في تثقيف المجتمع عن العمل المصرفي الإسلامي وأهميته وجدواه، ووجود عوائق قانونية وضرائبية رغم الدور الذي يلعبه مصرف لبنان ممثلا بنائب الحاكم الأول للمساواة بين المصارف الإسلامية والمصارف التجارية. والنقص في الكوادر البشرية الملمة بطبيعة عمل المصارف الإسلامية وفهمها لمبادئها ومقاصدها. ويتابع حسامي: تأسس بنك بلوم للتنمية في شهر أغسطس من 2005، وفقا للقانون رقم (575)، برأسمال 20 مليون دولار، ويحمل رقم 127 على لائحة المصارف العاملة في لبنان وهو عضو في مجموعة بنك لبنان والمهجر.

وبدأ البنك أعماله الفعلية في الأول من مارس 2007، ويعمل على مواكبة التطورات التي طرأت على الأدوات المالية الإسلامية، وتقديم كل ما هو جديد و مجد، ويلعب بنك بلوم للتنمية دوراُ مهماُ في دعم الاقتصاد والمجتمع من خلال مشاركته في التمويل الذي يقدمه بمختلف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والمرافق العامة «مستشفيات ـ عيادات- جامعات ـ مدارس ومعاهد تعليمية»، إلى جانب المشاريع العقارية والصناعية والتجارية، وسيقوم بفتح قنوات استثمارية متعددة منها المضاربة والمشاركة وبيع المرابحة والاستثمار المباشر كشراء العقارات بغية إعادة بيعها عن طريق الإجارة المنتهية بالتملك. وعن الاستراتيجية المعتمدة، يشرح حسامي أنها تتكون من العناصر الأساسية لاستراتيجية بنك بلوم للتنمية بناءً على توجيهات من مجلس الإدارة ويعتمد بنك بلوم للتنمية المنهجية نفسها التي تعتمدها مجموعة بنك لبنان والمهجر والمرتكزة على التأني في العمل والتوسع التدريجي القائم على أسس ثابتة، بحيث تأتي الخطوات محسوبة بجدواها ومخاطرها.

ويضيف لدينا خطة متكاملة نعمل على تنفيذها ومنها فتح فروع جديدة وسيكون قريبا افتتاح فرع طرابلس (هو في مرحلة اللمسات الأخيرة) ومنها أيضا تنويع الخدمات المصرفية وتطويرها والتوسع مستقبلا في التمويل بأسلوب الإجارة والإجارة المنتهية بالتملك وإصدار صناديق استثمارية متخصصة تكون الأولى من نوعها في لبنان وبرامج لتمويل الصناعات الصغيرة للمساعدة في إيجاد فرص عمل جديدة.

وعن تناغم الاستراتيجية المعتمدة مع تطور الصناعة المصرفية الإسلامية حول العالم، يقول حسامي: «لا شك بأن العمل المصرفي الإسلامي أثبت حضوراً متميزاً منذ بدايته الأولى في أوائل السبعينات وحتى الآن»، ونحن نتابع ذلك عن كثب. وقد بدا ذلك جلياً في العديد من المظاهر أهمها تصاعد أعداد المصارف الإسلامية، وتوجه العديد من المصارف التقليدية، ومنها بعض المصارف العملاقة سواء داخل العالم الإسلامي أو في النطاق الدولي، إلى إدخال بعض نشاطات البنوك الإسلامية ضمن أعمالها، وكذلك اتجاه بعض الدول إلى أسلمة أنظمتها المالية بالكامل. وأشار إلى أنه بالإضافة إلى التنامي المتزايد في الحصة السوقية وارتفاع أداء وحجم الأعمال المصرفية الإسلامية، وتعدد أساليب التمويل الإسلامية التي أصبحت تشكل جانباً مهماً من العمليات المصرفية الدولية وعامل جذب لكثير من المستثمرين والمتعاملين.

وأكد أنهم يستفيدون حكما من إنشاء مؤسسات استراتيجية داعمة للصناعة المصرفية الإسلامية ودورها، مثل هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (مقرها البحرين) ومجلس الخدمات المالية الإسلامية (ماليزيا) والمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية (البحرين) ومركز السيولة المالية للمصارف الإسلامية (البحرين)، والتي وصفها بمؤسسات وهيئات تم إنشاؤها لدعم ولتوثيق العمل المصرفي الإسلامي من خلال تفعيل دورها بهدف تحقيق التكامل المصرفي الإسلامي.

وعن خصائص العمل المصرفي الإسلامي التي تشكل عامل جذب للعملاء ومقدمات جوهرية لتنمية الأعمال، وميزات تنافسية مع المصارف التقليدية. يحددها حسامي بثلاثة أساسية: الأول التزام المصارف الإسلامية بأحكام الشريعة في جميع أعمالها وعملياتها. وكما هو معلوم فإن الشريعة أغلقت باب الكسب الذي لا يستند إلى مبدأ الضمان وتحمل التبعة وهو الربا بشتى صوره لأنه ليس فيه قيمة مضافة ولا تنمية بل تنشأ عنه طبقات اجتماعية تحصل على المال دون بذل جهد أو تحمل مخاطر. وفي الوقت نفسه قدمت الشريعة البدائل الصحيحة وهي المشاركات بأنواعها والمبادلات بأنواعها (من بيوع وإيجارات) لأن التعامل بها يرتبط بأصول ومنافع ويحقق مبدأ التوازن بين الربح والمخاطرة المنصوص عليه في قوله صلى الله عليه وسلم «الخراج بالضمان» الذي استمد منه الفقهاء قاعدة (الغنم بالغرم).

وأكد أن العنصر الثاني هو اختلاف وظائف المصارف الإسلامية في جوهر معاملاتها اختلافاً جذرياً عن المصارف التقليدية. وبيان ذلك أن الأساس العام الذي قامت عليه المصارف الإسلامية يتمثل في عدم الفصل بين أمور الدين وأمور الدنيا. فكما يجب مراعاة ما شرعه الله في العبادة يجب مراعاة ما شرعه في المعاملات بإحلال ما أحله وتحريم ما حرمه. واعتماد الشريعة أساساً لجميع التطبيقات. ومن أبرز مظاهر هذا التحريم الربا واعتبار النقود وسيلة للتبادل ومخزناً للقيم وأداة للوفاء وإنها ليست سلعة وليس لها قيمة زمنية إلا من خلال ارتباطها بالتعامل بالسلع بشروطها الشرعية.

أما العنصر الثالث، فهو اختلاف علاقة المتعاملين مع المصارف الإسلامية عنها في المصارف التقليدية بحسب وصف حسامي، مشيراً إلى أن العلاقة لدى المصارف الإسلامية تستبعد أهم ما تقوم عليه المصارف التقليدية وهو عنصر الفائدة على الاقتراض.

وأكد أن الإقراض حيث تقترض أموال الغير على أساس الفائدة الربوية ثم تقرض تلك الأموال بالفائدة، في حين أن المصارف الإسلامية تستقبل أموال الغير على أساس المضاربة (المشاركة في الربح لتقديم المال من المستثمر والجهد من المصرف)، وذلك من خلال حسابات الاستثمار، حيث يقوم المصرف باستثمار تلك الأموال بصيغ استثمارية بعضها على أساس المضاربة أو المشاركة في الربح والخسارة وبعضها على أساس المعاملات الآجلة المشروعة.

وأكد أن عملية قبول المصرف للأموال تتم على أساس عقد المضاربة التي هي شراكة في الربح بين المال والعمل وتنعقد بين أصحاب حسابات الاستثمار ( أرباب العمل) والمصرف ( المضارب) الذي يعلن القبول العام لتلك الأموال للقيام باستثمارها واقتسام الربح حسب الاتفاق وتحميل الخسارة لصاحب المال إلا في حالات تعدي المصرف (المضارب) أو تقصيره أو مخالفته للشروط فإنه يتحمل ما نشأ بسببها.