الصيرفة الإسلامية ومصداقية الأرقام

TT

في اليومين الماضيين نشرت دراسة لمجلة «ذي بانكر» تبين النمو الحاصل في أصول الصيرفة الإسلامية، والحقيقة أن المتابع للتقارير التي تصدر عن الصيرفة الإسلامية لَيقع في حيرة من أمره نتيجة لاختلاف الأرقام المسجلة في هذه التقارير بشكل لا يمكن قبوله. فمثلا ذكر تقرير التنافسية للمؤتمر العالمي للمصارف الإسلامية لعام 2007 ـ 2008، والصادر من شركة «ماكينزي» أن أصول الصيرفة الإسلامية في عام 2006م بلغت نحو 750 مليار دولار، في حين يذكر تقرير «ذي بانكر» أنها كانت 639 مليار دولار في عام 2008م. فهل انخفضت أصول الصيرفة الإسلامية بدلا من نموها، حيث يقل حجم الأصول الذي ذكره تقرير «ذي بانكر» عن تقرير «ماكينزي» بنحو 111 مليار دولار. لا شك أن هذا أول ما يتبادر إلى ذهن القارئ للتقريرين ولكنه يفاجأ بأن تقرير «ذي بانكر» يذكر بأن الصيرفة الإسلامية حافظت على معدل نمو في أصولها بلغ 28 في المائة للسنوات الثلاث الأخيرة مما ينفي احتمال انخفاض الأصول. ولا يزال هذا التباين في الأرقام هو سيد الموقف في مجمل الأرقام المذكورة في التقريرين، حيث يذكر تقرير شركة «ماكينزي» أن أصول المصرفية الإيرانية بلغت في عام 2006م من 400 إلى 450 مليار دولار نرى تقرير «ذي بانكر» يذكر أنه بلغت في عام 2009م نحو 280 مليار دولار، بعد أن كانت في العام الماضي 235.3 مليار دولار.

والحقيقة أن التباين في أرقام الصيرفة الإسلامية لا يقتصر على هذين التقريرين، بل هو سمة غالبة على جميع التقارير التي تصدر عن هذه الصناعة، فهذا تقرير شركة «بوز» الصادر في 2008 يقدر أصول الصيرفة الإسلامية بـ«500 مليار دولار» في حين يذكر تقرير الخدمات المالية الدولية، لندن «IFSL» أنها تقدر بـ729 مليار دولار في نهاية 2007م. ولم يسلم من هذا التباين في الأرقام حتى الصكوك، وهي المنتج العالمي الذي يفترض أن أرقامه معروفة للجميع بحكم أن غالبيتها مسجلة ومدرجة في الأسواق الثانوية وتخضع للتصنيف الائتماني، مما يجعل الكثير من بياناتها متاحة لوكالات التصنيف الائتماني ومع ذلك فإنك تصاب بخيبة الأمل عند محاولة تتبع التقارير التي ترصدها. حيث تجد التباين في الأرقام حاضرا، فمثلا يذكر تقرير شركة «بيت التمويل الكويتي» للأبحاث أن الصكوك المصدرة في عام 2007م بلغ حجمها 47.1 مليار دولار، في حين يذكر تقرير الخدمات المالية الدولية، لندن أنها بلغت 42 مليار دولار. أما تقرير «ستاندرد بورز» فقدرها بـ34.3 مليار دولار، أما تقرير شركة «بوز» فقدرها بـ31 مليار دولار، هذا بالنسبة للأرقام. أما نسب النمو فحدّث ولا حرج عن التباين في تقديرها، فتبدأ التقديرات من 15 في المائة إلى أن تصل إلى نحو 30 في المائة! فيا ترى لماذا هذا التباين في الأرقام، وهل بعد ذلك يمكن الركون أو التعويل عليها؟

في الحقيقة يمكنني أن أعزو التباين في أرقام هذه الصناعة لعدة أسباب لعل من أهمها، عدم تمتع هذه الصناعة بالإفصاح والشفافية في معاملاتها، وذلك ناتج عن أن الكثير منها تعمل في بيئة قانونية ورقابية تقليدية، فلا يوجد أنظمة رقابية ولا محاسبية خاصة بها، فهي تعيش في جو من الضبابية التي تجعل من الوصول للأرقام والمعلومات الحقيقية مهمة شبه مستحيلة، خصوصا إذا وضعنا في الاعتبار أن الكثير من الجهات الرقابية كالبنوك المركزية لا تعنى بإصدار تقارير خاصة بهذه الصناعة تكون متاحة للعموم. ويأتي ذلك بأسباب تتعلق بسياسة هذه المؤسسات الرقابية، أضف إلى ذلك عدم وجود مؤسسات مرجعية مؤهلة فنيا ومهنيا تسجل وتتابع بيانات هذه الصناعة بدقة وفق الأسس المهنية التي تحكم مثل هذه المؤسسات بحيث تتمتع بمصداقية عالية يمكن الوثوق بها من حيث مصدر المعلومات ودقتها، وهو ما تحدثت عنه في مقال سابق. إذ تناولت في ذلك المقال حاجة الصيرفة الإسلامية لمركز معلومات مهني يتولى الرصد والمتابعة وإصدار التقارير الخاصة بهذه الصناعة، وإلى أن يوجد مثل هذا المركز فأعتقد أننا في حاجة إلى تمحيص وتدقيق الأرقام التي تحويها التقارير الصادرة حول هذه الصناعة وعدم التسليم بصحتها والركون إليها. والله الموفق.

* مستشار في المصرفية الإسلامية