مخاوف في فرنسا حول توقف دخول التمويل الإسلامي بسبب تعديل قانوني

الأمين العام للمركز الإسلامي للمصالحة والتحكيم: التعديل إجرائي ولم يمس جوهر الموضوع

هل ستكون فرنسامركزاً مالياً إسلامياً عالمياً للاستفادة من السيولة الكبيرة في السوق المالي الإسلامي؟
TT

أثار قرار المجلس الدستوري الفرنسي حول مشروع تعديل المادة «2011» من المجلة المدنية المتعلقة بموضوع «الاستيثاق ـ الأمانة»، منتصف الشهر الماضي، سوء فهم ولغط لدى كثير المهتمين في الصناعة المالية الإسلامية.

ودار حديث لدى كثير من الاقتصاديين بعد تداول وسائل إعلام خبرا حول رفض فرنسا للصكوك الإسلامية، ومن ورائها تعثر وتيرة سعي فرنسا لتكون مركزا ماليا إسلاميا عالميا للاستفادة من السيولة الكبيرة في السوق المالي الإسلامي ومنافسة بريطانيا في المجال.

وكانت الحكومة الفرنسية قد تقدمت بمشروع قانون شامل تحت عنوان «تسهيل تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة وتحسين نشاط الأسواق المالية»، متضمنا تعديلا للمادة 2011 من المجلة المدنية.

وبرّرت الحكومة سبب اللجوء للتعديل المزمع إدخاله على المادة في القانون الفرنسي سنة 2007 أعقبتها تعديلات سنة 2008، بالإقبال الضعيف على «الاستيثاق ـ الأمانة»، كما صيغ بالمادة 2011 من المجلة المدنية.

وتعود أسباب عدم نجاح هذه الصيغة إلى عدم الوضوح والالتباس حول طبيعة الملكية الناتجة عن عقد «الاستيثاق ـ الأمانة»، والتي لم تتضمن خصائص الملكية كما عرّفتها المادة 544 من المجلة المدنية (حق استعمال الشيء، وحق التمتع، وحق التصرف ضمن حدود القانون)، إذ إنه من خصائص عقد «الاستيثاق ـ الأمانة» أنها تؤدي إلى ازدواجية الملكية بين المالك القانوني وهو الأمين، والذي يهدف إلى إدارة الأعيان دون ملك الثروة من ناحية والمالك اقتصاديا وهو المستفيد الذي يحتفظ بالثروة من ناحية أخرى.

وهنا أوضح لـ«الشرق الأوسط» الدكتور عبد الستار الخويلدي الأمين العام للمركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم في دبي، أنه بالرجوع إلى نص القرار الصادر عن المجلس الدستوري وإلى الظروف التي أدت بعض القوى السياسية في فرنسا للتقدم للمجلس الدستوري للطعن في مشروع الحكومة، والوقوف عند مضمون المشروع الحكومي وصيغة الطلب المعروضة على المجلس الدستوري وذلك لتوضيح الصورة.

وأضاف الخويلدي أنه في إطار سعي الحكومة الفرنسية منذ عامين تقريبا في إجراء تعديلات مالية وقانونية لجلب الاستثمار الأجنبي لفرنسا ومن ضمنها التمويل الإسلامي عموما والصكوك خصوصا، تم تكليف مكاتب خبرة لتمهيد الطريق أمام التمويل الإسلامي سواء بدراسة حجم السوق المالي الإسلامي أو بدراسة المعوقات داخل النظام المالي والقانوني الفرنسي، وتم اتخاذ بعض الإجراءات في المجال الضريبي.

وبين الخويلدي أن المآخذ التي أثارها المجلس الدستوري بشأن الفقرة المضافة للمادة 2011 من المجلة المدنية هي مآخذ إجرائية ولم تمس بجوهر الموضوع، ذلك أن عرض مشروعات القوانين على البرلمان ومناقشتها يخضع لقواعد إجرائية لها قيمة دستورية ومنها «الصراحة والشفافية في عرض مشروعات القوانين ومناقشتها في قراءة أولى من قبل كل مجلس (النواب والشيوخ)، إلى جانب أن التعديلات الضرورية التي تضاف بعد القراءة الأولى لا يجب أن تكون مجردة من أي علاقة مع النص الذي قدم للمجلس الأول».

وتابع «أن الرفض، هو رفض شكلي دون الدخول في مضمون التعديل، وعلى افتراض أن الركون وراء الشكل يخفي حرجا في المضمون (أي الخوض في موضوع شائك في الثقافة القانونية الفرنسية) فهذا دليل على أن الأمر يحتاج إلى تدقيق وتمحيص على أعلى مستويات الهرم القانوني في فرنسا».

وأضاف أن التعامل مع واقع الصناعة المالية الإسلامية وما حققته من نجاحات ميدانية، معززا بمؤسسات بنية تحتية تؤطر الصناعة في شتى مجالاتها، يحتاج إلى التثبت في الخطوات المتخذة من قبل أي تشريع وضعي بعيدا عن السطحية في التحليل، وهذا يحسب في رصيد مصداقية الصناعة المالية الإسلامية.

ونفى الخويلدي ما تناقلته بعض وسائل الإعلام ومواقع الإنترنت من أن ما دار من نقاش حول التعديلات البسيطة في القانون 2011، والذي فهم على أنه إشارة إلى عدم الترحيب بالصناعة المالية الإسلامية في فرنسا.

وأضاف أن النقاش الحاد الذي دار في البرلمان وتناقلته الصحف أن كتلة الحزب الاشتراكي عبرت عن خشيتها من تحكيم الشريعة في دولة علمانية، وأن مثل هذا النقاش لم يترجم في الطلب المطروح على المجلس الدستوري، ما يعني أن المجلس الدستوري لم يدل برأي حول تعارض افتراضي بين أحكام الشريعة والقانون الفرنسي، ولم يرفض إدخال نظام الصكوك في النظام القانوني الفرنسي. وقال الأمين العام للمركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم، إنه بناء على ذلك فإن الاستنتاجات التي ربطت قرار هيئة دستورية عليا كالمجلس الدستوري الفرنسي بالتراجع في احتضان التمويل الإسلامي في فرنسا غير دقيقة وتحتاج إلى مراجعة.

كما بين أن موضوع عقد «الاستيثاق ـ الأمان» من الموضوعات التي لم تتبناها المجلة المدنية الفرنسية إلا بعد أكثر من قرنين من صدورها، وذلك لمخالفة هذه الصيغة لنظرة المجلة المدنية لمضمون الذمة المالية التي لا تتجزأ ولمفهوم حق الملكية برمته.

وأكد الخويلدي أنه لإبراز هذه الخصوصية بدا للحكومة أنه من المناسب إضافة فقرة تلحق بالمادة 2011 من المجلة المدنية تعطي مضمونا محسوسا لازدواجية الملكية، وذلك بالنص الصريح أن الأمين يمارس حق الملكية على الأصول الموجودة في الملكية التأمينية لفائدة المستفيد حسب شروط العقد المنظم للعلاقة بين الأطراف المعنية.

وأضاف أنه في رأي الحكومة التي قدمت مشروع القانون، فإن مثل هذا التوضيح سيمنح مزيدا من الثقة للمستثمرين في الصيغة المعدلة، كما أن من شأن التعديل أن يساعد المؤسسات الاقتصادية الفرنسية على تكوين «استيثاق ـ أمانة» في شكل ضمان، وذلك بربط جزء من حق الملكية بأصول مادية محددة. ولفت إلى أن الحكومة ذكرت على سبيل المثال، أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة يمكنها تقديم معدات في شكل ضمان أو حتى العقار الذي يحتضن نشاط المؤسسة للحصول على موارد مالية لتمويل نشاطها.

وبين الخويلدي أنه لما كثر الحديث في فرنسا عن سعي الحكومة لإجراء تعديلات قانونية مكثفة لتطويع بعض مجالات التشريع الفرنسي للاستجابة لاحتضان التمويل الإسلامي في فرنسا، وبالتحديد موضوع الصكوك الذي توليه الحكومة الفرنسية اهتماما خاصا، لما لهذه الصيغة من دور في حشد كبير للأموال وللأثر المباشر على الاقتصاد الفرنسي الذي يحتاج لمزيد السيولة، تقدم للمجلس الدستوري 60 نائبا في البرلمان (كتلة الحزب الاشتراكي) طالبين إلغاء التعديل المدخل على المادة 2011 من المجلة المدنية، وذلك لعدم دستوريته بدعوى أن التعديل المقترح لا علاقة له بالإطار العام للمشروع المقدم للبرلمان.

وتابع «أنه بعد الدراسة والنظر أصدر المجلس الدستوري الفرنسي قراره بشأن التعديل المقترح للمادة 2011 من المجلة المدنية»، ونص القرار أنه «بالنسبة للمادة 16 التي أدخلت في نص مشروع القانون الذي اعتمده مجلس الشيوخ في قراءة أولى في 9 من يونيو الماضي».

وأشار إلى أنه تضمن تكملة المادة 2011 من المجلة المدنية بفقرة عامة صيغت كالتالي: «يمارس الأمين ملكية الأصول الموجودة بالذمة المؤتمن عليها لفائدة المستفيد والمستفيدون وفق شروط عقد «الاستيثاق ـ الأمان»، وأن مثل هذه الإضافة لا علاقة لها ولو بصفة غير مباشرة بتلك التي وردت في مشروع القانون والذي يهدف أساسا إلى تسهيل تمويل المؤسسات الصغرى والمتوسطة وتحسين نشاط الأسواق المالية، وبالتالي فقد تم إقرار التعديل وفق إجراءات مخالفة للدستور.

وبناء عليه يعلن المجلس الدستوري عدم دستورية التعديلات المجراة على المادة 2011 من المجلة المدنية».