تقرير اقتصادي: 4 مجالات ينبغي للمصارف الإسلامية استكشافها بعد الأزمة العالمية

«ماكينزي» توصي البنوك بالدخول في «حرب الودائع» للحفاظ على حصتها السوقية

TT

شدد تقرير اقتصادي حديث، على ضرورة اكتشاف المصارف الإسلامية خلال الفترة المستقبلية أربعة مجالات مهمة في أعقاب الأزمة، تتمثل في الوصول إلى أعمال متنامية في التمويل الشخصي، وتحسين إدارة المخاطر، وتقليل تكلفة العمليات، وتحسين جودة الخدمات واستكشاف فرص النمو الدولية.

وذكر التقرير أن الجانب الأول يتمثل في تعزيز وتنويع مزيج الأعمال من خلال الوصول إلى خطوط أعمال متنامية جديدة مثل التمويل الشخصي وإدارة الأصول ومختلف مجالات الخدمات المصرفية الاستثمارية، وهي المجالات التي كانت بعض المصارف الإسلامية توليها تركيزا أقل في الماضي.

وحافظت منتجات التمويل الشخصي على معدلات نمو قوي في دول مجلس التعاون على مدار السنوات القليلة الماضية، بعد أن زاد حجم التمويلات الشخصية في دول الخليج من 30 مليار دولار في 2003 إلى 80 مليار دولار في عام 2008، لتسجل معدل نمو سنوي قدره 22 في المائة.

وزاد حجم تعاملات بطاقات الائتمان في دول الخليج من 2.3 مليار دولار في 2003 إلى 7.4 مليار دولار في 2008 لتسجل معدل نمو سنوي قدره 26 في المائة.

كما تعتبر الصناديق الإسلامية إحدى المجالات ذات الأولوية المتزايدة لمديري الصناديق، فضلا عن أن المصارف الإسلامية كان لها وجود محدود في أسواق الخدمات المصرفية الاستثمارية ونشاط أسواق رأس المال. فعلى الرغم من بلوغ حجم المعاملات المصرفية الاستثمارية في دول الخليج 210 مليارات دولار، لا يوجد أي مصرف إسلامي ضمن أكبر عشر متنافسين على صفقات عمليات الاندماج والتملك والقروض المشتركة في الفترة من 2006 إلى 2008.

وشهد سوق الصكوك العالمي انخفاضا في 2008 ـ 2009، إلا أنه من المتوقع أن يتعافى في عام 2010، وسوف تمثل إمدادات استثمارات البنية التحتية عاملا أساسيا من العوامل التي تدفع نمو الصكوك، حيث أعلنت السعودية استثمارات عقارية تحتاج إلى تمويل قدره 202 مليار دولار، في حين أعلنت الإمارات استثمارات بقيمة 250 مليار دولار، وقد يتغير حجم هذه الاستثمارات في أعقاب الأزمة المالية، غير أنه ومع افتراض سيناريو متحفظ هناك عدد كبير من مشاريع البنية التحتية التي تحتاج إلى تمويل.

بالإضافة إلى ذلك يتوقع أن تدفع إصدارات الصناديق السيادية حصة متزايدة من سوق الصكوك في دول مجلس التعاون الخليجي. وتمثل صكوك الصناديق السيادية 57 في المائة من إصدارات الصكوك في دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2008 مقارنةً بنسبة 6 في المائة فقط في عام 2005.

أما الجانب الثاني الذي أوصى التقرير لاستكشافه، فهو تحسين إدارة المخاطر بهدف الحد من الصعوبات التي تواجه المصارف الإسلامية على صعيد الائتمان والسيولة وذلك من خلال الارتقاء بمهارات وقدرات إدارة المخاطر، ويلزم أن تراجع المصارف الإسلامية قدراتها عبر كافة حلقات سلسلة الأنشطة ذات القيمة المضافة المتعلقة بمخاطر الائتمان بداية من الانضباط في منح القروض وتعديل عملية اعتماد القروض وتحديد أسعارها حسب حجم المخاطر والمراقبة النشطة لمحفظة القروض إلى ضمان فاعلية وكفاءة عملية تحصل القروض.

فيما ركز الجانب الثالث في تقليل تكلفة العمليات وتحسين جودة الخدمات بهدف الحفاظ على القدرة التنافسية في سوق متزايد الاحتياجات، خاصة وأن المصارف العالمية استعانت بخمسة عوامل دافعة لتنفيذ برامج ناجحة لتحسين التكلفة والتي يمكن أن تساعد المصارف الإسلامية، وهذه العوامل هي تحسين تكلفة تقديم الخدمات فيما يخص التوزيع، وزيادة كفاءة عمليات المكتب الخلفي وأنظمة تقنية المعلومات وتحسين حجم الوحدات أو الاستعانة بالمصادر الخارجية وتفكيك طبقات الهيكل الإداري وتعزيز العقليات المتعلقة بالإنتاجية.

والجانب الرابع والأخير هو استكشاف فرص النمو الدولية ولا سيما متى توفر رأس مال إضافيا يمكن تحقيق استفادة أكبر منه بنشره في الأسواق الأقل نفاذا إليها، وتوجد ثلاثة نماذج يمكن استخدامها لتنفيذ استراتيجية التوسع الدولية الخاصة بالمصارف الإسلامية وهي التوسع العام وتقديم الخدمات المصرفية المتخصصة في الدول المستهدفة وتأسيس شركات مشتركة مع الجهات الفاعلة القائمة في السوق. وعند اتخاذ مثل هذه القرارات الاستراتيجية، تلزم دراسة بعض المعايير مثل إمكانات نمو السوق وسهولة الدخول إلى السوق ودرجة المنافسة.

وأشار التقرير الصادر من شركة «ماكينزي آند كومباني» إلى أن الأزمة المالية العالمية ألقت بظلالها على المصارف في جميع أنحاء العالم، حيث لم تكن الأسواق الكبرى للتمويل الإسلامي بمعزل عن ذلك، في الوقت الذي ذكر فيه تقرير دولي عن أن المصارف تكبدت على مستوى العالم خسائر بلغت 700 مليار دولار في عام 2008.

وأشار التقرير إلى تأثر دول السعودية والإمارات وقطر والبحرين وعُمان والكويت بالأزمة المالية، إذ لم تشهد إلا نموا محدودا، إن وجد، في عام 2009. ووفقا لتقرير القدرة التنافسية الصادر عن المؤتمر العالمي للمصارف الإسلامية لعام 2009، 2010 في الدورة السادسة عشرة من المؤتمر العالمي للمصارف الإسلامية، فإن أداء أسواق حقوق الملكية شهد هزات عنيفة وانخفاضا حادا على الرغم من الانتعاش الجزئي في عام 2009. وواجهت المصارف في دول مجلس التعاون مراحل صعبة مع ندرة السيولة وتزايد إدراك المخاطر والحقيقة الأبدية المتمثلة في التخلف عن سداد التسهيلات الائتمانية.

وأوضح التقرير الذي شاركت شركة «ماكينزي آند كومباني» في إعداده ويلقي الضوء على آخر التطورات التي شهدها مجال التمويل الإسلامي، أن الأزمة المالية وضعت العديد من التحديات والصعوبات أمام الاقتصاديات والمصارف في جميع أنحاء العالم، مع تأثر القطاع المصرفي بصفة خاصة، فقد منيت المصارف العالمية بخسائر فادحة تصل إلى 700 مليار دولار في عام 2008، وبلغ نصيب أكبر 25 مصرفا 83 في المائة من انخفاض القيمة الاسمية/ الدفترية للأصول نتيجة لأزمة الائتمان.

وجاء في التقرير أن الأزمة المالية خلفت أيضا تأثيرا واضحا على معدلات النمو لعام 2009 في الأسواق الكبرى للتمويل الإسلامي، وتأثرت اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي بالأزمة المالية، إذ لم تشهد إلا نموا محدودا، إن وجد، في عام 2009، إلى جانب أن تقديرات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لثلاث من بين دول مجلس التعاون الخليجي الست (السعودية والكويت والإمارات) شهد انخفاضا في عام 2009، غير أنه من المتوقع أن تحقق جميع دول مجلس التعاون معدلات إيجابية من حيث نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي تتراوح بين 2 – 4 في المائة مع توقع أن تحقق دولة قطر معدل نمو يبلغ 18.5 في المائة.

وأمام هذه الأحداث لم تكن المصارف الإسلامية منذ عام 2008 بمنأى عن الأزمة، فقد زاد نفاذ الخدمات المصرفية الإسلامية في الأسواق الأساسية مع تفوق المصارف الإسلامية على المصارف التقليدية فيما يخص نمو الأصول. واستمرت المصارف الإسلامية في تحقيق معدلات جيدة في نمو الأصول متفوقةً على المصارف التقليدية في عام 2008، مستشهدا ببلوغ معدل نمو أصول المصارف الإسلامية في الكويت والأردن 15 في المائة، في حين بلغ معدل نمو إجمالي القطاع المصرفي 11 في المائة في نفس العام.

واستمرت وحدات المعاملات الإسلامية في المصارف التقليدية في تحقيق نمو سريع، مما يشكل زيادة في حصة المعاملات المصرفية الإسلامية، إذ بلغ معدل نمو وحدات المعاملات الإسلامية في المصارف التقليدية في قطر والإمارات 80 في المائة في عام 2008 مقارنةً بعام 2007.

وأدى النمو في أصول التمويل الإسلامي إلى زيادة نفاذ الخدمات المصرفية الإسلامية في الأسواق الأساسية، وشهدت أصول قطاع التمويل الإسلامي في قطر نموا لتصل من 12.5 في المائة في عام 2003 إلى 20.3 في المائة في عام 2008 من إجمالي أصول القطاع المصرفي. أما قطاع التمويل الإسلامي في تركيا فقد سجل نموا من 9.7 في المائة في عام 2003 إلى 15.7 في المائة في عام 2008 من إجمالي أصول القطاع المصرفي. وأشار التقرير إلى أنه لا تزال معدلات الربحية المسجلة للمصارف الإسلامية أعلى بصفة عامة من معدلاتها في المصارف التقليدية، ولا سيما في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث استشهد التقرير ببلوغ متوسط العائد على الأصول لأكبر خمسة مصارف تقليدية في قطر 3.2 في المائة في عام 2008، في حين بلغ 5.9 في المائة لأكبر ثلاثة مصارف إسلامية.

وبين أن ربحية المصارف الإسلامية سجلت انخفاضا أكثر حدة من المصارف التقليدية، مما أدى إلى تقلص الفجوة بينها وبين المصارف التقليدية، حيث بلغ متوسط العائد على الأصول لأكبر ثلاثة مصارف إسلامية في الإمارات 2.7 في المائة في عام 2007 وانخفض بمقدار 0.8 في المائة ليصل إلى 1.9 في المائة في عام 2008، في حين بلغ متوسط العائد على الأصول لأكبر ثلاثة مصارف تقليدية في الإمارات 1.8 في المائة في عام 2007 وانخفض بمقدار 0.3 في المائة فقط ليصل إلى 1.5 في المائة في عام 2008.

وتعرضت القيمة السوقية للمصارف الإسلامية وربحيتها لضغوط هائلة، مما أدى إلى تضييق الفارق بينها وبين المصارف التقليدية، وسجلت العائدات انخفاضا حادا بداية من عام 2008 والذي يأتي مدفوعا بصفة خاصة بانخفاض الدخل المحقق من أنشطة الاستثمار.

كما أشار التقرير إلى أن أداء المصارف الإسلامية في البورصة منذ بداية الأزمة كان مماثلا بصفة عامة لاتجاه الهبوط الذي اتسم به أداء المصارف التقليدية. وتفقد المصارف الإسلامية في بعض الدول ميزاتها التنافسية من حيث توقعات السوق. ففي يونيو (حزيران) 2008، اتجهت نسبة السعر إلى الأرباح للمصارف الإسلامية في قطر والإمارات إلى الارتفاع مقارنة بالمصارف التقليدية، غير أنه في عام 2009 كانت التوقعات أفضل في صالح المصارف التقليدية عند المقارنة.

وبين التقرير الاقتصادي أن بعض المصارف الإسلامية كانت أكثر تأثرا بالقروض المتعثرة من المصارف التقليدية، ولا تزال المصارف الإسلامية تواجه مخاطر ناتجة عن الأنشطة المكثفة في القطاع العقاري، في حين أن الكفاءة التشغيلية لتلك المصارف لا تزال وراء ركب المصارف التقليدية، حيث يعتبر الانخفاض في عائدات الأنشطة الاستثمارية وزيادة المخصصات من العوامل التي دفعت الانخفاض في الربحية. وعند تحليل الربحية الإجمالية لأكبر ثلاثة مصارف إسلامية في الكويت وقطر والإمارات والبحرين، نجد أن النشاط الاستثماري في عام 2007 شكل 4.9 في المائة من إجمالي العائدات مقارنة بنسبة 3.5 في المائة في عام 2008. وبالمثل، بلغت مخصصات نفس المجموعة من المصارف 0.4 في المائة من إجمالي التكلفة في عام 2007 مقارنة بنسبة 1.2 في المائة في عام 2008.

وشكل ارتفاع التكاليف التشغيلية للمصارف الإسلامية مقارنة بالمصارف التقليدية ضغطا إضافيا على ربحية المصارف الإسلامية، حيث بلغت التكاليف التشغيلية لأكبر ثلاثة مصارف إسلامية في تركيا 4.4 في المائة من متوسط الأصول مقارنة بنسبة 3.3 في المائة للقطاع المصرفي بأكمله، أما في دول الخليج، بلغت التكاليف التشغيلية لأكبر 3 مصارف إسلامية في الكويت 2.5% من متوسط الأصول مقارنة بنسبة 1.6 في المائة للقطاع المصرفي بأكمله. كما سجلت المصارف الإسلامية نسبة قروض متعثرة أعلى في عام 2008 من المصارف التقليدية في الأسواق الأساسية، حيث بلغت نسبة القروض المتعثرة في أكبر ثلاثة مصارف تقليدية كويتية حسب الأصول 4.7 في المائة مقارنة بنسبة 8.6 في المائة في المصارف الإسلامية.

أما في الإمارات بحسب التقرير، فإن القروض المتعثرة بلغت 1.6 في المائة في أكبر ثلاثة مصارف تقليدية حسب الأصول مقارنة بنسبة 3 في المائة في المصارف الإسلامية. وقد يزيد حجم القروض المتعثرة التي تتحملها المصارف الإسلامية في عام 2009 في هذه الأسواق الأساسية مع الانكشاف التدريجي للتأثيرات الكاملة لتباطؤ القطاع العقاري.

واستمرت المصارف الإسلامية أيضا في امتلاك حصة أكبر من الأصول العقارية مقارنة بالمصارف التقليدية.

ووفقا لما ورد في التقارير السنوية الختامية، تمتلك أكبر ثلاثة مصارف إسلامية في الإمارات أصولا عقارية تمثل 26 في المائة من إجمالي أصولها المصرفية مقارنة بنسبة 19 في المائة للمصارف التقليدية.

أما في الكويت، بلغت نسبة الأصول العقارية المملوكة لأكبر ثلاثة مصارف إسلامية 24 في المائة من إجمالي الأصول المصرفية لتلك المصارف مقارنة بنسبة 20 في المائة للمصارف التقليدية.

وأكد تقرير ماكنزي أنه بصفة عامة يتوافق التركيز العالي للأصول العقارية مع الاتجاه الشائع في السنوات السابقة، إضافة إلى ذلك، سجلت عائدات شركات العقارات معدلات أقل من معدلات السوق أثناء الأزمة مما زاد من تقلص ربحية المصارف الإسلامية.

غير أن السيولة تظل أيضا عائقا كبيرا أمام المصارف الإسلامية، ورغم تمكن المصارف الإسلامية من الحفاظ على حصتها السوقية من الودائع، سيلزم عليها أن تدخل في منافسة متزايدة في «حرب الودائع»، خاصة أن المصارف الإسلامية تعاني حالة أكثر وضوحا من عدم اتساق مواعيد استحقاق الخصوم مع مواعيد استحقاق الأصول مقارنة بالمصارف التقليدية. واستنادا إلى عينة من أكبر سبعة مصارف تقليدية وإسلامية حسب الأصول في دول مجلس التعاون الخليجي، بلغت صافي فجوة السيولة عن فترة الاستحقاق التعاقدي مدة تتراوح بين سنة إلى خمس سنوات 23 في المائة من إجمالي الأصول بالنسبة للمصارف الإسلامية في عام 2008 مقارنة بنسبة 16 في المائة للمصارف التقليدية عن نفس الفترة.