رئيس مجلس الخدمات المالية الإسلامية: هدفنا المحافظة على مكاسب المصرفية الإسلامية من دروس الأزمة العالمية

صابر الحسن لـ «الشرق الأوسط»: المجلس سيشهد خططا لتعزيز استقرار صناعة المصرفية الإسلامية في المرحلة المقبلة

صابر الحسن («الشرق الأوسط»)
TT

أوضح الدكتور صابر محمد الحسن، رئيس مجلس الخدمات المالية الإسلامية الجديد، في أول حوار له بعد رئاسته المجلس في دورته الجديدة، أن المجلس سيشهد في المرحلة القادمة الكثير من العمل المتواصل، ليبقى تعزيز استقرار صناعة الخدمات المالية الإسلامية ومتانتها هدفا رئيسيا واستراتيجيا للمجلس، مع الاحتفاظ بحق المجلس في التغيير والتطوير إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ووفقا لمتطلبات وتداعيات المرحلة القادمة.

وقال رئيس المجلس في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن المعايير والمبادئ الإرشادية التي يصدرها المجلس بالرغم من أنها تبنى على المعايير الدولية الموجودة فإنها تتناول خصوصية المصرفية الإسلامية، وبهذا تعتبر المعايير والمبادئ الإرشادية الصادرة عن المجلس بديلا متجانسا ومكملا للمعايير الرقابية الدولية والتي تمكن مؤسسات الخدمات المالية الإسلامية والمصرفية الإسلامية من المنافسة العادلة مع نظيراتها التقليدية.

وأشار رئيس المجلس إلى أن المجلس يحظى بدعم سخي من عدد من الجهات ذات الاهتمام بشأن صناعة المصرفية الإسلامية، ويأتي في مقدمتها البنك الإسلامي للتنمية، بالإضافة إلى بنوك التنمية الأخرى، مؤكدا وجود تعاون كبير بين المجلس والمؤسسات الشبيهة في النظام التقليدي كلجنة (بازل)، وكذلك الحال مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية العالمية ذات الصلة.

وأكد أن أول التحديات التي تواجه صناعة المصرفية الإسلامية يكمن في قدرتها على تسجيل حضور قوي ومؤثر في إعادة بناء النظام المالي الدولي الذي يتهاوى الآن، لما لديها من الكثير من المقومات الأساسية التي يمكن أن تكون لبنة أساسية في معمارية النظام المالي العالمي الجديد.

والتحدي الآخر برأي صابر يكمن في كيفية تطوير النظام المصرفي الإسلامي نفسه، ليواكب التغيير المتسارع في النشاط الاقتصادي والنشاط المالي وفي احتياجات الناس، مع المحافظة على أسسه الشرعية، مبينا أن المجلس شكل لها لجان عمل خاصة لبلورة الرؤية، ومن ثم معالجة ومواجهة التحديات. إلى تفاصيل الحوار..

* كيف تنظر إلى علاقة مجلس الخدمات المصرفية الإسلامية بالبنوك المركزية التي تنتسب إليه؟

- في الأصل تم تأسيس مجلس الخدمات المصرفية الإسلامية من قبل البنوك المركزية في الدول الإسلامية منذ أكثر من 6 سنوات، وذلك بغرض المساهمة في تطوير صناعة المصرفية الإسلامية وصناعة الخدمات المالية الإسلامية، من خلال وضع أسس وضوابط تمكن هذه الصناعة من القيام على أسس راكزة وقوية حتى تتمكن من حمايتها في حالة التعرض لهزات من أي نوع، مع أهمية العمل على وضع أسس للرقابة المصرفية وأسس لكيفية تمكين الخدمات المصرفية من التطور من دون التعرض لمخاطر كثيرة كما هو حاصل في الاقتصاد العالمي الذي أنهكته التعاملات المالية الربوية.

ومع أن المجلس يمثل بالنسبة للنظام المصرفي الإسلامي ما يشبه لجنة بازل بالنسبة للنظام المصرفي التقليدي، فإنه متحصن بالقوانين المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، حيث يقوم بوضع وتطوير المعايير المعروفة كمعايير الرقابة المتعلقة وكفاية رأس المال وكيفية إدارة المخاطر والحوكمة، ومن ثم تقوم البنوك المركزية للدول الإسلامية بتطبيقها ومتابعتها، حتى تقوم البنوك الإسلامية بالمستوى نفسه في تلك التطبيقات، لتصبح أفضل أداء وأمانا من وصيفاتها التقليدية في كل الأحوال وفي كل زمان وكل مكان تجد فيه فرصتها.

* ماذا أنجز مجلس الخدمات المصرفية الإسلامية حتى الآن؟

- بالتأكيد حقق المجلس الكثير من الإنجازات، بخاصة فيما يتعلق بصناعة المصرفية الإسلامية وتطويرها بشكل مستمر، فقد أصدر أكثر من خمسة عشر معيارا، واستطاع ألا يكتفي فقط بإصدار هذه المعايير بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث يسهم بفعالية في تطبيقها من خلال بناء القدرات.

كما أن المجلس يحظى بدعم سخي من عدد من الجهات ذات الاهتمام بشأن صناعة المصرفية الإسلامية، ويأتي في مقدمتها البنك الإسلامي للتنمية بالإضافة إلى بنوك التنمية الأخرى.

كما أن هناك تعاونا كبيرا جدا بين المجلس والمؤسسات المماثلة في النظام التقليدي كلجنة بازل، وكذلك الحال مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وكل هذه القطاعات أعضاء في المجلس، حيث إن له أنواعا مختلفة من العضوية، فهناك العضوية الكاملة وهذه تكون في حالة البنوك المركزية للدول الإسلامية، والسلطات الرقابية للدول التي بها نظام مصرفي إسلامي، كما أن هناك عضوية مراقبين وعضوية منتسبين، تعمل في ظل ريادة مهنية عالية.

* ما شكل التعاون الذي يقيمه المجلس مع المؤسسات الشبيهة له في النظام التقليدي (لجنة بازل، البنك الدولي، صندوق النقد الدولي)؟

- المجلس يقيم علاقات وطيدة مع المؤسسات الدولية النظيرة في النظام التقليدي (لجنة بازل للإشراف المصرفي ممثلة ببنك التسويات الدولية، البنك الدولي، صندوق النقد الدولي كلهم أعضاء مشاركون في المجلس). وتنص اتفاقية تأسيس المجلس -من ضمن أمور أخرى- على ضرورة التعاون والتنسيق مع المؤسسات الدولية النظيرة لتحقيق أهداف المجلس.

وتتمثل أوجه التعاون المشترك بين المجلس والمنظمات والهيئات الدولية في تبادل الخبرات من خلال مشاركة ممثلين عن هذه المنظمات والهيئات الدولية المذكورة في مجموعات عمل، ومشاركة متحدثين عنهم في الفعاليات التي ينظمها المجلس، بالإضافة إلى استضافتهم للندوات والمحاضرات والمؤتمرات التي يعقدها المجلس. كما يشمل التعاون تمويل هذه المنظمات والهيئات مشاريع ونشاطات يقوم بها المجلس، فهناك عدد من مشاريع المجلس تم تمويلها من قبل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والبنك الإسلامي للتنمية والبنك الآسيوي للتنمية.

وبالمثل يشارك المجلس في فعاليات هذه المنظمات والهيئات بإرسال متحدثين في ندواتهم ومؤتمراتهم أو المشاركة في مجموعات عمل، فعلى سبيل المثال هناك عضو منتدب عن المجلس لحضور اجتماعات في واحدة من لجان لجنة بازل.

* برأيكم، ما التحديات التي تواجهها صناعة المصرفية الإسلامية في الوقت الراهن؟

- بكل صراحة هناك الكثير من التحديات، غير أنني أعتقد أن أهم التحديات هو كيفية العمل الذي يمكننا من الوصول بصناعة المصرفية الإسلامية، حتى يكون لها شأن عظيم، وأن يكون لها أثر كبير وحضور قوي في إعادة بناء النظام المالي الدولي الذي يتهاوى الآن بسبب الأزمة المالية العالمية، والتي أثبتت فشل النظام المالي العالمي، مع العلم بأن هناك مشاورات لإعادة بناء هذا النظام، وإن كانت حوله اختلافات، ففي الوقت الذي يرى فيه بعضهم أن هذا النظام جد، فإنه يحتاج إلى عمليات (ترميم) ومعالجات، وبالتالي يرون أهمية العمل لذلك، فيما يرى البعض الآخر أن أس المشكلة يكمن في النظام نفسه وفي هيكلته، وبالتالي يطالبون بتعديله من خلال المصرفية الإسلامية التي لديها الكثير من المقومات الأساسية التي يمكن أن تكون لبنة أساسية في معمارية النظام المالي العالمي الجديد.

والتحدي الآخر يكمن في كيفية تطوير النظام المصرفي الإسلامي نفسه، ليواكب التغيير المتسارع في النشاط الاقتصادي والنشاط المالي وفي احتياجات الناس، بمعنى كيف يستطيع النظام المالي الإسلامي مواكبة تلك التغيرات شريطة أن يحافظ على أسسه الشرعية.. وهذه التحديات هي التي تشغلنا الآن، ولقد شكل لها المجلس لجان عمل خاصة لبلورة الرؤية ومن ثم معالجة ومواجهة التحديات.

* ما الدور المنوط بمجلس الخدمات المالية الإسلامية في المرحلة القادمة؟

- ستشهد المرحلة القادمة الكثير من العمل الدؤوب المتصل، ليبقى تعزيز استقرار صناعة الخدمات المالية الإسلامية ومتانتها هدفا رئيسيا واستراتيجيا للمجلس، مع الاحتفاظ بحق المجلس في التغيير والتطوير إذا دعت الحاجة إلى ذلك ووفقا لمتطلبات وتداعيات المرحلة القادمة. على كل حال سيركز دور المجلس في دعم صناعة الخدمات المالية الإسلامية بكل الإمكانيات المتاحة، والمتمثلة ليس فقط في إصدار المعايير، بل أيضا في المساعدة على تطبيق المعايير الصادرة عن المجلس. ولكن في ظل التحديات والأزمات الحالية التي تواجه الأسواق المالية العالمية، يتوقع من المجلس الكثير، فبجانب الدور الرئيس الذي يلعبه المجلس حاليا، يتوقع أن يكون للمجلس دور أكبر وأكثر فعالية في المستقبل يتعلق بالاستقرار المالي لصناعة الخدمات المالية الإسلامية، خصوصا مع النمو السريع لصناعة الخدمات المالية الإسلامية التي انتظمت بالكثير من البلاد الأوروبية لا سيما بريطانيا وأخيرا فرنسا.

* ما استراتيجية المجلس في انفتاحه على العالم الغربي؟

- لا بد من الإشارة إلى أن من أهداف المجلس التي نصت عليها اتفاقية التأسيس العمل على تطوير صناعة الخدمات المالية الإسلامية وضمان سلامتها من خلال تقديم معايير دولية ذات جودة عالية أو أي أمور أخرى تقع ضمن أهدافه، وعليه فإن مجلس الخدمات المالية الإسلامية عقد فعاليات في دول أروبية عديدة مثل لوكسمبورغ، وألمانيا، وأخيرا فرنسا لتعريف تلك الدول بالتحديات التي سوف تواجهها عند تقديمها الخدمات المالية الإسلامية، كما ساعد المجلس دولا كثيرة في آسيا مثل اليابان، وهونغ كونغ، وكوريا بالتعريف على صناعة الخدمات المالية الإسلامية، وذلك بعقد ندوات لهم عن الخدمات المالية الإسلامية.

* كيف يمكن لمجلس الخدمات المالية الإسلامية الاستفادة من الأزمة المالية العالمية بالعمل على تمكينها في العالم غير الإسلامي؟

- بالفعل الأزمة المالية العالمية خلقت فرصة حقيقية للمصرفية الإسلامية للظهور بقوة، ومن ثم المساهمة في عمليات معالجات أبعاد هذه المشكلة، والتي أصبحت الآن مطلبا مصرفيا عالميا لإعادة هيكلة النظام المالي العالمي المتهالك، خاصة أن لدى المصرفية الإسلامية الكثير من المقومات التي يمكنها أن تقدم نموذجا ماليا عالميا محصنا بموانع الانهيار.

وهذا في حد ذاته فرصة طيبة للعمل والبحث بطريقة أكثر جدية في كيفية تطوير النظام المصرفي الإسلامي على كل المستويات، حتى يتماشى مع التغيير المتسارع في النشاط الاقتصادي والنشاط المالي وفي احتياجات الناس، مع المحافظة على أسسه الشرعية، علما بأن هذه التحديات التي تقف في وجه المصرفية الإسلامية قد شكل لها المجلس لجان عمل خاصة لبلورة الرؤية ومن ثم معالجة ومواجهة التحديات بمهارة واقتدار كبيرين.