تساؤلات يطرحها مختصون حول البيئة الحاضنة للصناعة المالية الإسلامية

قالوا لـ «الشرق الأوسط» : أوروبا أعدت قوانينها الملائمة للمصرفية.. واليابان والولايات المتحدة تفكران بها جديا

TT

مع بداية عام جديد، طرح خبراء ومهتمون بالمصرفية الإسلامية في حديث مع «الشرق الأوسط» عددا من التساؤلات، تركزت في مجملها عن الأفضل لمستقبل هذه الصناعة، هل هو داخل الدول الإسلامية، أم في الدول الغربية كما هو حاصل من بعضها حاليا، لتكون بمثابة الحاضنة لهذه الصناعة والقادرة على تنميتها.

ويرى ياسر المرشدي، أحد العاملين في المصرفية الإسلامية، أن من حق أي دولة وبلد في العالم أن يسعى إلى تطوير أسواقه المالية والاقتصادية وتعميقها بضخ مزيد من المنتجات والخدمات.

ويوضح المرشدي أن انتشار المصرفية الإسلامية بمفهومها العام وبالتزامن مع ما وقع في العالم من أزمة اقتصادية أدى إلى أن تستغل تلك الدول ذلك التوقيت وتطرح بثقلها للدخول في الصناعة من حيث ابتكار المنتجات والخدمات وتأطيرها وإصدار القوانين اللازمة لها، مبينا أن تلك الدول تميزت بسرعة الاستجابة للحدث ولدواعي استغلاله بما يعود عليها بمزيد من الاستثمارات المالية المتدفقة من البلاد الإسلامية.

وفيما إذا كان من الأفضل لصناعة المصرفية الإسلامية أن تصنع داخل الدول الإسلامية ومن ثم تصدر إلى الخارج أو العكس، يرى المرشدي أن الأفضل أن يكون مركز الصناعة المصرفية الإسلامية في إحدى الدول الإسلامية، مشيرا إلى أن السعودية لديها كل المؤهلات اللازمة والإمكانيات الجيدة، وهي بحاجة إلى بيئة تنظيمية متكاملة لتضيف إلى نجاحاتها المزيد.

من ناحيته، يعتقد نواف يوسف أبو حجلة، باحث في المصرفية الإسلامية، أن المصرفية الإسلامية دخلت منعطفا خطيرا بعد النجاحات التي تحققت، حيث إنها تعمل الآن في ظل صناعية مصرفية عالمية متطورة ومنافسة بصورة كبيرة وبيئة غير مستقرة، موضحا أنه في الفترة المقبلة لا بد من ضمان استدامة وتطور النظام المصرفي الإسلامي في ظل تطور وتنافسية الصناعة المصرفية العالمية.

وبحسب أبو حجلة «مما يستوجب الاهتمام به لتحقيق هذه الغاية الإسراع بجهود التعاون والتكامل فيما بين المصارف والمراكز الإسلامية على المستوى العالمي، وتطبيق وبناء المقدرات المؤسسية للمصارف الإسلامية، وتوسيع وتنويع نطاق المنظومة الإسلامية المصرفية المالية المتكاملة المكونة من المصارف (التي تقدم المنتجات المالية الإسلامية) والمؤسسات المالية غير المصرفية المتخصصة».

وأشار أبو حجلة إلى أنه بالرغم من أن كثيرا من الأوساط الرسمية والفردية وجهت النقد أحيانا للاختلاف بين المرئيات الشرعية في الموضوع الواحد لدى المصارف الإسلامية، كما حصل للبنك المركزي في بريطانيا بسبب عدم التنسيق بين الهيئات الشرعية التي ترجع إليها المصارف، فإنه «لم يؤخذ في الاعتبار اختلاف العرض للتصورات وما يترتب عليه من اختلاف التكييف الشرعي والأحكام»، موضحا أن «التنسيق بين البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية يزيل جانبا كبيرا من أسباب الاختلاف غير المبررة، ويصبح أمرا لا يمكن الاستغناء عنه». وأكد أبو حجلة أن وضع آلية للتنسيق بين المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية، وإيجاد مراكز مالية عالمية للتمويل الإسلامي، يمكن أن يتم من خلال إيجاد هيئة شرعية عليا على مستوى دولي أو قطري وإعطائها الدور التنسيقي والصفة الإلزامية لمقرراتها، وهو ما حصل في السودان على الصعيد الإقليمي، أو تبادل الآراء بين الهيئات الشرعية في المنتجات والتطبيقات لمقرراتها، وهو ما يتم أحيانا في عمليات التمويل المجمع، مع أهمية إيجاد معايير شرعية موحدة تصدر عن مجلس دولي معتمد تلتزم بها الهيئات الشرعية، وهو ما تم تحقيقه بتكوين المجلس الشرعي لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية وقيامه بإصدار المعايير الشرعية.

أما الخبير المصرفي الدكتور حسني الخولي، فيرى أن بريطانيا ليست وحدها هي التي تسعى لأن تكون عاصمة الصيرفة الإسلامية، فهناك دول كثيرة تسعى لتحقيق ذلك، منها الولايات المتحدة ممثله بوزارة الخزانة التي تدرس وتبحث وتدعو عددا من رجال الكونغرس لمناقشة وتفنيد ما يثار حول الصيرفة الإسلامية، والبحث عن حلول للمشاكل المالية التي تواجهها، إلى جانب فرنسا التي تبحث الآن في قوانينها وتشريعاتها للسماح بالنظام الإسلامي ضمن منظومتها الاقتصادية. وزاد «كذلك اليابان تعقد فيها الندوات عن الصيرفة الإسلامية، ويشار إلى أن الشركات اليابانية تشجع ذلك، أيضا الصين وغيرها تنتهج المنهج نفسه، وهذه الدوافع تثير الكثير من الأسئلة حول مغزى التوجه العالمي لهذه الصناعة».

ويذكر الخولي أن أول بنك إسلامي أنشئ في بريطانيا كان في عام 2004، والآن هناك 5 بنوك إسلامية، بالإضافة إلى نحو خمسة وعشرين بنكا تقدم خدمات مصرفية إسلامية، مشيرا إلى أن البلاد العربية عامة ومنطقة الخليج خاصة تحظى بميزة تنافسية تتمثل في سهولة الحصول على العنصر البشري المؤهل والذي يجمع بين الجانب الفني والجانب الشرعي وتوافر هيئات الرقابة الشرعية والتشريعات.

وعلى الصعيد نفسه، يرى الدكتور عبد الرحمن باعشن (خبير اقتصادي) أن المملكة المتحدة تعتبر أول دولة أوروبية غربية تتبنى أول منظومة مصرفية إسلامية بالعالم، موضحا أنه تم نقل التجربة المصرفية الإسلامية إلى المملكة المتحدة بعد قراءة لواقع المسلمين الموجودين في المملكة المتحدة والعمل على تلبية احتياجاتهم وفقا للعقيدة التي تمثل المفاهيم والمبادئ الإسلامية التي يعتنقوها.

ولعل هذه التجربة - بحسب باعشن - وليدة الحدث، حيث يوجد بالمملكة المتحدة عدد محدود من المصارف الإسلامية على تلبية احتياجات المسلمين الذي يقدر عددهم بنحو 1.5 مليون مسلم.

وأشار باعشن إلى أن هناك نحو 1.8 مسلم بالمملكة المتحدة أو 3 في المائة من إجمالي حجم سكان العالم، و50 في المائة من هؤلاء تقريبا يقيمون بمنطقة لندن. كما أن هناك نحو 500 ألف زائر مسلم إلى المملكة المتحدة بشكل منتظم، ويقدر أن هناك نحو 12 مليون مسلم يعيشون بدول الاتحاد الأوروبي، وبشكل أساسي في فرنسا وألمانيا.

وعن إمكانية ملاءمة المصارف الإسلامية لمنظومة المملكة المتحدة المصرفية، أفاد باعشن بأن سلطات الخدمات المالية تعمل تحت ورقة أحادية من التشريعات التي يتم تطبيقها على كل القطاعات وفقا لقانون 2000 للخدمات المالية والأسواق، مبينا أن «سياسة سلطات الخدمات المالية تجاه المصارف الإسلامية (وبطبيعة الحال أي شركة خدمات مالية يتم إنشاؤها حديثا) يمكن إيجازها ببساطة في أنه لا عقبات ولا استثناءات».