الصيرفة الإسلامية والمرأة

لاحم الناصر

TT

كرم الإسلام المرأة ورفع مكانتها وأعطاها حقوقها كاملة غير منقوصة، ولغرس هذا الأمر في نفوس المؤمنين وتقريره جاءت سورة في القرآن الكريم باسم «النساء»، وهي السورة الرابعة في ترتيب سور القرآن، فهي إحدى السور السبع الطوال. كما أن السنّة النبوية المطهرة زاخرة بتكريم المرأة وبيان حقوقها، منها ما رواه الخمسة عن أبي هريرة رضي الله عنه، «قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك». ومنها الحديث الذي أخرجه الترمذي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي». وقد كانت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مثالا يحتذى في تكريم المرأة وإنصافها، فقد كان صلى الله عليه وسلم في خدمة أهله كما روى ذلك البخاري في صحيحة عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. وقد استشار الرسول صلى الله عليه وسلم المرأة وعمل برأيها في أخطر الأمور، فقد روى البخاري في صحيحة من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه في قصة الحديبية وفيها: قال فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «قوموا فانحروا ثم احلقوا»، قال فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات. فلما لم يقم منهم أحد، دخل على أم سلمة رضي الله عنها فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحَرَ بُدْنَك وتدعو حالِقَك فيحلِقَك، فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك: نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما». وقد قال الحسن البصري تعليقا على هذا الحديث: إنْ كان رسول الله لفي غنى عن مشورة أم سلمة‏،‏ ولكنه أحب أن يقتدي الناس في ذلك‏،‏ وأن لا يشعر الرجل بأي معرّة في مشاورة النساء‏.

ومع هذه المكانة العظيمة للمرأة في الإسلام فإننا نجد أن صناعة الصيرفة الإسلامية، وهي الصناعة القائمة على أصول الشريعة وأحكامها، قد أسقطت المرأة من أولوياتها فلم تأخذ المرأة مكانتها الطبيعية في هذه الصناعة مع أن مساهمة المرأة في أصول هذه الصناعة وصلت إلى أحجام ممتازة، حيث قدر الخبراء في المنتدى الإسلامي العالمي الذي عقد في دبي عام 2007 حجم الأموال التي تستثمرها النساء الخليجيات في أدوات مالية إسلامية بأكثر من 35 مليار دولار. ويمكن للمراقب ملاحظة هذا الإسقاط والإهمال في قطاعين هما قطاع التوظيف وقطاع الأعمال، أما قطاع التوظيف فيظهر الإسقاط والإهمال في الكثير من الجوانب، منها التأهيل والتدريب حيث تندر الدورات التدريبية التي تعقدها المؤسسات المالية الإسلامية للموظفات، وإذا وجد مثل هذه الدورات التدريبية فإنها تقتصر على الدورات الأساسية البسيطة بعيدا عن الدورات المتقدمة والمعقدة مما حال بين هؤلاء الموظفات والوصول إلى الكفاءة المهنية المطلوبة للحصول على المناصب القيادية، فاقتصر عملهن على إدارة الفروع والتسويق. وقد خلق هذا النقص في الكفاءات المهنية المؤهلة دوامة لا تنتهي وحلقة مفرغة أصبحت تدور فيها الصيرفة الإسلامية النسائية، لأن الافتقار إلى الكفاءات المهنية المؤهلة أدى إلى نقص حاد في المدربات المؤهلات لتقديم دورات الصيرفة الإسلامية للموظفات، هذا في جانب التدريب والتأهيل والعدالة في إتاحة الفرصة للتقدم الوظيفي. أما في جانب خلق بيئة العمل المناسبة للمرأة وفق الأصول الشرعية التي تزيد من إنتاجيتها وتتلاءم مع طبيعتها فلا تكاد تجد هذه البيئة في غالب المؤسسات المالية، مما ولد الكثير من الضغوطات على المرأة العاملة في هذا المجال وأدى إلى تسرب الكفاءات المهنية المؤهلة، والحيلولة دون مساهمة هذا القطاع في تخفيف بطالة المرأة، خصوصا في المجتمعات المحافظة.

أما قطاع الأعمال فنجد أن الصيرفة الإسلامية تفتقر إلى المنتجات التمويلية والاستثمارية الموجهة إلى المرأة، كما أنها تفتقر إلى المبادرات التي من شأنها زيادة مساهمة المرأة في أصول هذه الصناعة مثل إنشاء مصارف وشركات مالية واستثمارية خاصة بالمرأة. وأود هنا أن أشيد بأول تجربة لإنشاء شركة استثمارية نسائية هي شركة «تجارتي» الكويتية، والتي هي شركة نسائية بامتياز سواء من حيث التأسيس والإدارة أو من حيث العملاء المستهدفين، والتي نتمنى لها النجاح لتشجيع مثل هذا النوع من المبادرات.

وفي الحقيقة ليست الصيرفة الإسلامية الصناعة المالية فريدة في مجال عدم الاهتمام بالمرأة، بل إن هذا الداء منتشر في الصناعة المالية ككل، ومن هنا فقد سعت مؤسسة التمويل الدولية بالتعاون مع بعض المصارف لإنشاء «التحالف المصرفي العالمي للمرأة» تحت مظلتها، ويهدف إلى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالإسراع في تحقيق نمو ثروة المرأة عن طريق تبادل أفضل الممارسات في ما بين المؤسسات المالية في العالم. والله الموفق.

* مستشار في المصرفية الإسلامية