خبير بحثي: 3 محاور واجبة لتكامل منتجات المصرفية الإسلامية

د. صلاح الشلهوب مدير مركز بحثي للمصرفية الإسلامية بجامعة الملك فهد: نتوقع نموا بـ10% للقطاع.. بتفاؤل حذر في 2010

د. صلاح الشلهوب
TT

بتفاؤل حذر، ينظر الدكتور صلاح الشلهوب مدير مركز التميز البحثي في الدراسات المصرفية والتمويل الإسلامي في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن إلى عام 2010 على أنه يحمل الكثير من الفرص ونسب النمو في أصول المصرفية الإسلامية، كما ينذر بالكثير من التحديات.

ويرى الشلهوب في حوار مع «الشرق الأوسط» في الدمام أن مراكز الأبحاث المتخصصة في دراسات المصرفية الإسلامية يقع عليها دور كبير، في إعداد دراسات وتأهيل كوادر توازي نسب النمو المرتفعة التي تشهدها المؤسسات المصرفية الإسلامية، في الوقت الذي تشكل فيه 3 محاور لتكامل المنتجات المصرفية الإسلامية تخدم القطاع، تتمثل في المحور الشرعي والمحور المالي والمحور المحاسبي، حيث إن المنتجات لا تتركز إطلاقا على الجانب الشرعي فحسب.

كما يفيد بأن هذه الدراسات والأبحاث والبرامج الأكاديمية تضطلع بمهمة تحويل النظرية المصرفية الإسلامية إلى نظام اقتصادي مستقل وشامل وقابل للتطبيق معتبرا أن هذا الأمر هو مسألة وقت ليصبح واقعا. وفي حين لا يتحدث الشلهوب عن سقوط للنظام الرأسمالي أمام ظهور المصرفية الإسلامية فهو يؤكد أن النظام الإسلامي قادر على العمل بشكل متواز مع النظام الرأسمالي في الوقت الحالي. إلى نص الحوار:

* ما طبيعة عمل المركز وأهدافه؟

- مركز التميز في الدراسات المصرفية والتمويل الإسلامي هو مركز ممول من جهة خيرية هي مؤسسة عبد الرحمن بن صالح الراجحي وعائلته الخيرية. والهدف من هذا المركز هو تطوير الدراسات المتعلقة بالمصرفية الإسلامية من الجهة التعليمية والبحثية، ولدينا طموح في تأدية دور في تطوير المخرجات البحثية لإخراج بشكل جيد ومتميز وتفيد وتؤثر في القطاع والتعليم هو تأهيل كوادر تعمل في قطاع المالي الإسلامي.

* ما مدى حاجة القطاعات المصرفية الإسلامية إلى بحوث ودراسات؟

- لا شك أن أي قطاع يعتمد في الوقت الحالي على البحث العلمي لدراسة الفرص المتاحة أمامه ضمن المعاملات التي يقوم بها، إضافة إلى عملية الابتكار التي تحتاجها القطاعات ومن ضمنها قطاع المصرفية الإسلامية. والبحوث في القطاع المصرفي تقوم بضبط العمليات التي يقوم بها هذا القطاع انطلاقا من كونها معاملات مبنية على الشريعة الإسلامية أو متوافقة مع الشريعة. ومن هنا فإن المصرفية الإسلامية بحاجة إلى بحوث ودراسات تقوم بالتأكد من موافقة عملياتها للشريعة. وإذا وُجد أن هذه العمليات لا تقبل بها الشريعة، تبرز الحاجة إلى إيجاد البدائل لهذه المنتجات وهنا يأتي دور المصرفية في دراسة كل الأمور المتعلقة بالمالية وتحديد ما هو مباح منها وما هو غير مقبول وتغيير بعض إجراءاتها حتى تتوافق مع الشريعة، أو إيجاد بديل لهذه المعاملات.

* إذا كان الحديث عن المصرفية الإسلامية يدور حول إسباغ الشرعية على المعاملات المالية، فهل سيكون الباحث في هذه الحالة فقيها؟ أم خبيرا ماليا؟

- بطبيعة الحال لو نظرنا إلى علاقة الشريعة الإسلامية بالمعاملات المالية لوجدنا أن هناك صورة يكاد يتفق عليها الفقهاء، وهو الأصل، فإن الناس يتعاملون بالصورة الطبيعية التي وجدوها عن السابقين. ولكن الشريعة الإسلامية دورها هو تقييم هذه المعاملات وتحديد ما هو محرم منها وما هو حلال، وبعدها يأتي دور تقديم مقترحات لإيجاد بدائل. ولن تكون الصورة أن الباحثين في المصرفية الإسلامية يتحدثون فقط في الناحية الفقهية أو التشريعية فهذا ليس الهدف من هذه المراكز البحثية المختصة في المصرفية الإسلامية. الهدف من هذه المراكز هو - بالإضافة إلى الجانب الشرعي - البحث في تقديم منتجات مالية جديدة متوافقة مع الشريعة وهذه، يشتغل بها خبراء الهندسة المالية إضافة إلى وضع معايير محاسبية وشرعية لضبط المعاملات، بحيث يكون هناك دراسات وبحوث لإيجاد عملية تصحيحية من قِبل باحثين ودارسين في المالية لتكون متوافقة مع الشريعة وقابلة للتطبيق. فهي تتخذ عدة محاور تشمل المحور الشرعي والمحور المالي والمحور المحاسبي لتتكامل وتخرج بمنتجات مالية تخدم المصرفية الإسلامية، فهي لا تتركز إطلاقا على الجانب الشرعي فحسب.

* في ظل حركة النمو الكبيرة للمصرفي الإسلامية، ما المنتجات المالية الجديدة التي يمكن أن تقدمها المصرفية الإسلامية للمؤسسات المالية العاملة في الأسواق المالية حتى تجذبها إلى هذا النوع من المعاملات المالية؟

- في الحقيقة ليس هناك جديد بمعنى الجدية والتحديث، ولكن يمكن أن نقتبس من الكتابات الفقهية حلولا لإيجاد منتجات مالية جديدة. مثلا لدينا عقود الاستصناع وهي عقود تكون بين البنك وشخص يريد خدمة معينة تُصنع له بصفة معينة ويدفع قيمتها لاحقا، وهذه قد تفيد في حل مشكلة الإسكان بحيث تكون هناك عقود مع المقاولين لبناء مسكن لمستفيد بينما يقوم البنك بتمويل المستفيد أو المقاول. هناك عقود مثل عقود السلم وهي تُستخدم في الأسواق العالمية تحت مسمى بيوع المستقبل، وهذه قد تكون أداة إذا تم ضبطها شرعيا يستفاد منها في مجال الاستثمار بحيث تكون هناك عمليات شراء لمواد تسلم في المستقبل، ويكون هناك احتمالية لوجود ربح. وهناك عقود المشاركة وهي من أفضل العقود المضبوطة شرعيا وهي تشمل مشاركة العنان ومشاركة المضاربة وهي الأنسب للبنوك بحيث إذا ما تم ربح يتشاركه البنك وصاحب المال. وهناك عقود أخرى مثل عقود المزارعة والمساقاة والمرابحة ويمكن أن تبتكر من هذه العقود منتجات أخرى وصورة متعددة تكون فرص للتمويل الإسلامي توافق الاحتياجات المالية للسوق.

* هل يمكن إعادة النظر في التراث الفقهي المالي للخروج بحلول تناسب الواقع المالي الحالي؟

- المصرفية الإسلامية أصبحت واقعا في حد ذاته. وهناك مصارف ومؤسسات مالية إسلامية يتجاوز عددها 500 مركز، وحجم كبير في الأصول يتجاوز تريليون دولار. وقد اشتُقّت من خلال الاستفادة من الأدوات الموجودة في المصرفية التقليدية وضبطها بالمعايير الشرعية. فالمصرفية الإسلامية ليست ابتكارا لشيء لم يكن له أي سابق، بل هو محاولة للاستفادة من التراث الفقهي والاستفادة من المالية المعاصرة للخروج بمنتجات ومعاملات متوافقة مع الشريعة.

* هل أصبح من الممكن أن ننظر إلى المصرفية الإسلامية كنظام اقتصادي متكامل قابل للتطبيق، أم أنها ما زالت مجموعة نظريات تحتاج إلى بلورتها لتشكل نظاما اقتصاديا؟

- حاليا من الصعب القول إنه يوجد نظام اقتصادي إسلامي متكامل وشامل يأخذ طابع الاستقلالية ومطبق في عدد الدول، ولكن في ذات الوقت هناك نظرية إسلامية تختلف عن النظريتين الاشتراكية والرأسمالية. نظرية توسطت لتلبي حاجة الفرد والمجتمع، ولكن إذا كنا نتحدث عن إمكانية أن تكون يوما ما واقعا اقتصاديا فبالتأكيد هذا ممكن، بل يفترض أن لا يكون إلا نظاما اقتصاديا نابعا من التشريع الإلهي. وما زالت قضية البناء والبحث في المصرفية الإسلامية قائمة ونحن نعلم أن فكرة وجود مصرفية إسلامية قد بدأت في حيز جغرافي محدود وبأصول بسيطة ثم تطورت لتصل إلى هذا الحجم الحالي من الأصول المالية. ونحن نرى أن المصرفية الإسلامية لكي تأخذ الشكل الاقتصادي المتكامل تحتاج إلى شيء من الوقت في ظل دراستها دراسة متمحصة تأخذ في الاعتبار جوانب الوضع المعاصر. ومسألة تطبيقها قد تبدأ من خلال المصارف لتتحول إلى نظام شامل يعالج مشكلات الناس والمجتمع. لدينا أنظمة وحلول نابعة من الشريعة كالزكاة والوقف لو استطعنا أن نحولها إلى واقع اقتصادي لوجدنا أن في الشريعة نظاما اقتصاديا، ولكنه بحاجة إلى وقت ليتفوق على الأنظمة الأخرى.

* حدوث الأزمة المالية العالمية زاد من الاهتمام بالمصرفية الإسلامية، في ظل اتجاه هذه الأزمة نحو التعافي هل سينحسر الاهتمام بالمصرفية الإسلامية؟

- من المؤكد أن حدوث الأزمة المالية العالمية قد لفت الأنظار إلى قضية المصرفية الإسلامية، ولكن انجلاءها لا يعني صرف النظر عنها. فما الذي يمنع حدوث أزمة مالية أخرى ما دام سبب هذه الأزمة هو في أساسيات النظام الرأسمالي وكل ما يقدم لحلها هو مجرد مسكنات ولا يمثل حلا حقيقيا لأسباب هذه الأزمات التي ما زالت تتوالى منذ ثلاثينات القرن الماضي. نحن ننتظر من حدوث هذه الأزمة أن تسهم في زيادة الاهتمام بالمصرفية الإسلامية وبتجريبها وتطبيقها، غير أننا لا نتوقع أن يتحول الغرب إلى تطبيق المصرفية الإسلامية، ولكن نتوقع أن يفتح لها أبواب مؤسساته المصرفية ليصبح من الممكن وجود مصارف إسلامية في دول تتبع النظام الرأسمالي مثل ما حدث في فرنسا مؤخرا حيث صدر قانون يجيز ممارسة أنشطة مصرفية إسلامية هناك.

* إذن، هل يمكن للمصرفية الإسلامية أن تسقط النظام الرأسمالي؟

- بغض النظر عن إمكانية إسقاطه للنظام الرأسمالي فإن من المؤكد أنه يمكن أن يعمل بالتوازي معه في الوقت الحالي، ونحن لا نعلم ماذا سيحدث في المستقبل. هناك مؤشرات على نمو المصرفية الإسلامية في أوساط رأسمالية مثل اتجاه مستثمرين من غير المسلمين شركات وأفرادا إلى الاستثمار في المصرفية والتمويل الإسلامي وانتشار مثل هذه المؤسسات حتى في دول نسبة المسلمين فيها قليلة، وهناك اتجاه جاد من دول نسب المسلمين فيها قليلة نحو الاستثمار في المصرفية الإسلامية مثل اليابان وسنغافورة والصين وكوريا الجنوبية. نرى الآن أن هناك جامعات عالمية بدأت تفكر وتتجه نحو استحداث برامج أكاديمية لتدريس المصرفية الإسلامية والتمويل الإسلامي في درجات الماجستير والدكتوراه، فالنظرة إلى المصرفية الإسلامية لم تعد قصيرة المدى، بل في ظل عمليات البحث العلمي والدراسات الأكاديمية يمكن تحويلها إلى نظام قائم يمكن النظر في إمكانية تطبيقه على مدى قرون. ونحن ننظر إلى نجاح النظام الرأسمالي في تصحيح وضعه كفرصة للمصرفية الإسلامية وليس خطرا يتهددها.

* تحديدا في 2010، ما الفرصة والتحديات المتاحة أمام المصرفية الإسلامية؟ وما نسب النمو المتوقعة؟

- نحن متفائلون بحذر بما سوف يحدث في 2010، ولكن هذا العام قد يكون فيه بعض العوائق أمام التمويل الإسلامي. هناك توقعات متفائلة بنسب النمو في الأصول البعض يبالغ فيها ويوصلها إلى 30 في المائة بعد النمو الذي حققته المصرفية الإسلامية في 2009 رغم الأزمة المالية العالمية حيث حققت نحو 25 في المائة نسبة نمو في الأصول. أنا أتصور أن هناك نسب نمو كبيرة لن تقل عن 10 في المائة. وهناك بعض التحديات القائمة أمام المصرفية الإسلامية كتبعات للأزمة المالية العالمية وإفلاس الكثير من الشركات والأفراد إضافة إلى أزمة دبي الراهنة، وهذه الأزمات مرتبطة بالتمويل الإسلامي، فعلى سبيل المثال في دبي تأثرت صكوك «نخيل» ذات الطابع المصرفي الإسلامي بتبعات الأزمة التي تشهدها دبي. ولكن في ذات الوقت هناك فرص مثل لجوء الكثير من المؤسسات إلى التمويل الإسلامي في ظل تحفظ المؤسسات المالية التقليدية ضد عمليات التمويل. يُعمَل حاليا على إقامة أسواق ذات طابع مصرفي إسلامي لتبادل السلع في دبي واتجاه السعودية إلى إقامة أسواق مماثلة. هناك عمليات إنشاء بنوك مصرفية إسلامية مثل بنك الإنماء وتحول مؤسسات مالية إلى تقديم خدمات مصرفية إسلامية وهذه جميعها فرص أمام المصرفية الإسلامية للنمو.