مستشارة «التمويل المصري السعودي»لـ «الشرق الأوسط»: البنوك الإسلامية في العالم العربي تواجه مشكلة توظيف فائض السيولة والقروض المشتركة

بسنت فهمي طالبت بتأسيس بنك مركزي إسلامي وتوقعت تغير خريطة البنوك في المنطقة

بسنت فهمي مستشارة بنك «التمويل المصري السعودي»
TT

طالبت بسنت فهمي، مستشارة بنك «التمويل المصري السعودي»، بتأسيس بنك مركزي إسلامي، وتوقعت تغير خريطة البنوك في المنطقة، قائلة في حوار مع «الشرق الأوسط» في القاهرة، إن البنوك الإسلامية في العالم العربي تواجه مشكلة توظيف فائض السيولة والقروض المشتركة.

وأضافت فهمي، أن البنوك الإسلامية على مستوى العالم تأثرت بشكل أقل بكثير من البنوك التجارية الأخرى، وعزت ذلك إلى أن البنوك التي تعمل وفقا للشريعة الإسلامية، تعمل في تنمية ما سمته الاقتصاد الحقيقي الذي يقدم خدمة وفائدة للمجتمع، وتوقعت عمليات اندماج بين البنوك العربية وبعضها خلال تلك الفترة، إلى جانب سعي البنوك الأجنبية إلى الاستحواذ على بعض من تلك البنوك.

وبسنت فهمي مصرفية عملت في عدة بنوك عالمية، ولم يكن نظام البنوك الإسلامية غريبا عنها، فقد عملت في بنك «تشيس مانهاتن» وهو بنك يوصف بأنه «أخلاقي» أي لا يختلف عن البنوك الإسلامية في شيء سوى الفائدة الثابتة التي يقدمها لعملائه، إلى جانب الحسابات المتعلقة بالدائنين، وأشارت إلى أن البنوك الإسلامية في مصر والعالم العربي تواجه أزمة توظيف السيولة، وإلى تفاصيل الحوار..

* ما رؤيتك للنظام المصرفي في العالم العربي بشكل عام؟

- هناك مشكلة في النظام المصرفي بالدول العربية، تكمن في أننا ظللنا منعزلين لفترة طويلة عن العالم الخارجي، وطبقنا أنظمة مصرفية خاصة بنا وارتضيناها، في وقت كان العالم كله يتقدم بشكل كبير نتيجة كبر حجم التعاملات الخارجية، بالإضافة إلى تشعب العمليات المصرفية، وبدأت تتشكل مدرسة حديثة نشأت في الولايات المتحدة، في حين لم يتقدم نظامنا، ولكننا بدأنا محاولة مواكبة النظام العالمي، ولكننا نحتاج إلى الدخول فيما يسمى بالنظام العالمي الجديد.

* وما هو النظام العالمي الجديد، بعد الأزمة المالية الأخيرة؟

- بدأ التفكير في النظام العالمي الجديد بعد الأزمة المالية العالمية، وملامح هذا النظام لم تظهر إلا بعد الأزمة المالية العالمية، مع المطالبة بالنظام الجديد من قبل مجموعة الثماني الكبار، وعمل «بنك التسويات الدولية» على دراسته بناء على طلب الدول الثماني الكبار، على اعتبار أنهم يشكلون أكثر من 80% من اقتصاد العالم، اجتمعوا ليضعوا أنظمة رقابية جديدة تنطبق على أنواع البنوك كافة، بهدف إدارة المصارف بشكل كفء، فأوروبا تعمل بـ3 أنظمة للرقابة على الاقتصاد، هي هيئة الرقابة على البنوك، وهيئة الرقابة على التأمين، وهيئة الرقابة على أسواق رأس المال، وهناك هيئة رابعة في إنجلترا للرقابة على تلك الهيئات، أما في أميركا فتوجد هيئة رقابية وحيدة، ويدرسون الآن تطبيق نظام رقابي واحد على مستوى أميركا وأوروبا، وبالتالي ستتبعه بقية دول العالم.

* وبالنسبة للبنوك الإسلامية، هل هي مطالبة بالدخول في النظام العالمي الجديد؟

- بالطبع.. فالنظام الجديد يتعلق بنظم الرقابة، فقبل ذلك تم عولمة جميع النظم المصرفية باستثناء الرقابة، فكل بلد يعمل بأساليب رقابية مختلفة، واكتشفوا في النهاية أن هناك فوارق كبيرة في طرق الرقابة بين دول العالم، والبنوك التي تعمل وفق الشريعة الإسلامية لا تختلف عن تلك البنوك، فالأساليب الرقابية واحدة وغير متعارضة مع الشريعة الإسلامية، فهي تتعلق بالمحافظة على حقوق رأس المال، وقياس المخاطر، والتطابق مع المقررات الدولية.

* ما مدى تأثر البنوك الإسلامية بالأزمة المالية العالمية؟

- تأثر محدود مقارنة بالبنوك التجارية الأخرى، ولا تستطيع البنوك الإسلامية أن تبتعد عن تأثير الأزمة، لأن عملاءها يتأثرون، فالتصدير مثلا تراجع، والسياحة تقلصت، وغيرها.. وبالتالي فإن هؤلاء العملاء الذين تقرضهم البنوك يتعثرون في السداد، وبالتالي نضع مخصصات خوفا من العجز في السداد.

* وما سر نجاحها في تقليص حجم خسائرها التي سببتها الأزمة العالمية؟

- أساس عمل البنوك الإسلامية هو الذي نجَّاها، فهي تعمل في الاقتصاد الحقيقي الذي يساعد على نمو الناتج المحلي الإجمالي بحيث يعود على متوسط دخل الفرد ولا يتعدى حجمه في العالم 65 تريليون دولار، أما الاقتصاد غير الحقيقي فهو لا يعمل وفق هذه المنظومة ويتعدى حجمه 600 تريليون دولار، كما أن البنوك الإسلامية تعمل بنظم عادلة، فإذا خسرنا فإن العميل يتحمل جزءا من الخسارة، وإذا ربحنا فيكون للعميل جزء من هذا الربح، فهو اقتصاد أخلاقي يعمل في اقتصاد حقيقي، ففي أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وشرق آسيا بدأوا ينشئون بنوكا إسلامية لتساهم في دعم الاقتصاد الحقيقي، فهي تحمي النظام والنظم الاقتصادية العالمية من الانهيار.

* ما أهم المشكلات التي تواجه البنوك الإسلامية بشكل عام؟

- أبرز المشكلات التي تواجه البنوك الإسلامية، هي مشكلة فائض السيولة إلى جانب المشاركة في القروض المشتركة، فالبنوك الإسلامية تحتاج بنكا مركزيا يعمل وفقا للشريعة، لإدارة فائض السيولة لديها، فهناك فائض سيولة لدى البنوك الإسلامية لا نستطيع أن نوظفها، فلا توجد بنوك تعمل وفقا للشريعة الإسلامية بشكل كبير لكي يتم إيداع تلك السيولة بها حتى نضمن أن تستغل تلك السيولة في تعاملات إسلامية.. أما بالنسبة للقروض المشتركة بين البنوك التقليدية والبنوك الإسلامية، فهناك مشكلة تتعلق بالعائد من تلك القروض، ولكننا في مصر تغلبنا على تلك المشكلة بعمل «كونسرتيوم» (اتحاد أكثر من بنك لتقديم قروض لجهة بعينها) بين البنوك الإسلامية بعد زيادة عددها، بينها بنوك عربية ومصرية، لكي لا نضطر إلى إشراك بنوك أخرى لا تعمل وفق الشريعة الإسلامية، وبالتالي نتجنب أخطاء إدارة الحسابات.

* من وجهة نظرك هل سينجح هذا «الكونسرتيوم» في اجتذاب شركات لإقراضها؟ - بالطبع، فبعد الأزمة بدأت الكثير من الشركات تميل إلى العمل بنظام التمويل الإسلامي، وليس شرطا أن تكون تلك الشركات يديرها مسلمون، فهي شركات من جميع الجنسيات، فهذا النظام أثبت فعاليته وقت الأزمات، ففي الأزمات يُحكم على المؤسسات، والتمويل الإسلامي أثبت كفاءته.

* ما موقف البنوك الإسلامية من قرارات بازل 3؟

- قرارات بازل هي قرارات رقابية، قرارات لإدارة مخاطر التمويل والتسعير والسوق والعمليات والسيولة، فهي قرارات رقابية لا يختلف تطبيقها بين البنوك التجارية والبنوك التقليدية، ولكن الجزئية الوحيدة التي لنا خصوصية فيها، إدارة السيولة، وإذا تم تكوين بنك مركزي عالمي للبنوك الإسلامية فإن مشكلة السيولة ستحل.

* قرارات بازل 3 تتعلق بالكثير من الأمور مثل كفاية رأس المال والسيولة، كيف سيؤثر ذلك على البنوك الإسلامية؟

- لن يؤثر ذلك على البنوك الإسلامية فقط، ولكن سيؤثر على البنوك العربية جميعا، فقد لا تستطيع بنوك كثيرة أن تواكب تلك القرارات مثل طلب زيادة رؤوس أموالها كما سيتم الاتفاق عليها في اجتماع دول الثماني الكبار القادم، فهي تتعلق بالإمكانيات المادية.

* وما السيناريوهات المطروحة لكي تتمكن البنوك العربية من مسايرة تلك المعايير؟

- أتوقع أن تحدث عمليات اندماج واستحواذ في المنطقة العربية بين البنوك العربية وبعضها، أو عمليات استحواذ من قبل البنوك العالمية على البنوك العربية خلال العامين القادمين، فإذا لم تستطع البنوك العربية أن ترفع رؤوس أموالها بحيث تلبي معايير كفاية رأس المال بحساباته الجديدة، ستلجأ إلى الاندماج أو ستستجيب لطلبات الاستحواذ.

* ولكن في حالة قيام إحدى الدول من خارج مجموعة الثماني الكبار بعدم تطبيق تلك الأنظمة فماذا سيحدث؟

- تكلفة الأعمال ستكون كبيرة جدا، فالاعتمادات المستندية ستصبح مكلفة، بالإضافة إلى أن عمليات التحويل مكلفة أيضا، فكلما تم الالتزام بتلك النظم، سيتم التعامل مع الدول الأخرى التي تطبق تلك الأنظمة بتكلفة أقل، فهم يشكلون 80% من حجم الاقتصاد العالمي، والتبعية لا تعيب، فهم يضعون نظما متقدمة.

* في حالة حدوث عملية اندماج أو استحواذ بين البنوك في المنطقة العربية، ما هو مردودها؟

- ستشهد حركة مصرفية هائلة، وسيكون لها مردود إيجابي للغاية في تطوير ثروات المنطقة، فأغلب البنوك حاليا لا تستطيع أن توظف ثروات الأمة العربية بشكل جيد، فهناك مجالات تحتاج إلى بنوك متخصصة.