اقتصاديون يعتبرون العام الحالي اختبارا حقيقيا لصمود المصرفية الإسلامية مع تواري الأزمة العالمية

باحثون مختصون يتوقعون في حديث لـ «الشرق الأوسط» نمو التعاملات البنكية الإسلامية 10% إلى 346 مليار دولار

تجمع سابق لكبار العلماء الشرعيين والمختصين خلال العام الماضي وسط ترشيح بقدرة المصرفية الإسلامية على الصمود أمام تحديات ما بعد الأزمة العالمية خلال العام الجاري («الشرق الأوسط»)
TT

أقر عدد من الخبراء الاقتصاديين أن المصرفية الإسلامية ستواجه في العام الجاري 2010 حزمة من التحديات، يأتي في مقدمتها شح السيولة في الأسواق وخضوع بعض المصارف الإسلامية لأنظمة وأحكام لا تناسب طبيعة العمل المصرفي الإسلامي.

وأوصى المختصون في حديث لـ«الشرق الأوسط» بضرورة إنشاء مجلس أعلى للفتوى ليساهم في إثراء القرارات الشرعية مع العمل على دمج المصارف الصغيرة للاستفادة من مزايا الاقتصاديات الكبيرة، وزيادة مساحة تمويل اقتناء الأصول والسلع الرأسمالية، وتقليل المبالغ الموجهة لتمويل رأس المال العامل.

وأكدوا على ضرورة اعتماد تحديث الأنظمة وتقديم الخدمات المالية المتطورة لمواجهة المنافسة الدولية، وتوسيع قاعدة المساهمين، والفصل بين الإدارة والملكية، وإعادة هيكلة الشركات التابعة، ومن ثم التقيد بمعايير هيئة المحاسبة والمراجعة وقواعد السلوك المهني للمؤسسات المالية الإسلامية، وتطبيق معايير مجلس الخدمات المالية الإسلامية.

وطالب الخبراء بتفعيل دور المؤسسات التي تتولى التحقق من الالتزام بالمعايير والضوابط الشرعية، والاهتمام الأكثر بالاستثمار في تدريب وتثقيف الموارد البشرية لما لها من آثار ومردودات إيجابية على العمل المصرفي الإسلامي.

ويقول الدكتور عبد الله بن عبد العزيز المعجل الأستاذ المشارك في كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، إن الأزمة المالية العالمية شكلت تحديا كبيرا للمصرفية الإسلامية من زاويتين، الأولى من حيث تأثر المصارف الإسلامية بتلك الأزمة وتداعياتها، والأخرى من حيث التساؤل عن مدى قدرة المصرفية الإسلامية على تقديم حلول بديلة تسهم في درء أزمات مالية أخرى.

ويعتقد المعجل أن المصارف الإسلامية في الجملة تمكنت من تجنب أزمة كبيرة كان يمكن أن تلحق بها الضرر الكبير، مقرّا بأن هناك تأثرا، رغم قلة الإفصاح عن ذلك من قبل تلك المصارف، مؤكدا أن حجم الضرر لم يكن بالغا على كل حال.

ويرى المعجل في تقديم الحلول البديلة حلا ثانيا في أن تتبنى المصارف الإسلامية وبدافع من الحرص على عدم التعرض مستقبلا لآثار أزمات مالية أخرى، صيغا تمويلية أكثر أصالة وتوافقا مع الضوابط الشرعية المتفق عليها بين العلماء المعاصرين.

وقال المعجل إن كثيرا من الصيغ التمويلية الواردة في التراث الفقهي الإسلامي كالاستصناع والمضاربة والمشاركة والإجارة وغيرها من الصيغ قادرة على توفير بدائل أكثر استقرارا وآثارا إيجابية من صيغ المرابحة والتورق، مقرّا بأنه مع أن الحاجة ستظل قائمة للتورق والمرابحة، فإن التوسع في تبني الصيغ الأخرى هو الخيار الأكثر أمنا والأجدى نفعا لاقتصاديات الدول.

وأكد المعجل أن المصرفية الإسلامية ينتظرها مستقبل مشرق في ظل اتجاه الأنظار العالمية نحوها، وهي مؤهلة لتحقيق مكاسب وأرباح كبيرة إن هي أحسنت استغلال ثمرات هذا التوجه، وهذا لا يتأتى إلا بإعادة هيكلة منتجات التمويل الإسلامي بشكل يتوافق والضوابط الشرعية المتفق عليها بين الفقهاء المعاصرين، وخصوصا المجامع الفقهية المعتبرة.

أما إن استمرت منتجات المصارف الإسلامية التمويلية في كثير من تطبيقاتها كما كان الحال في العقود الماضية فإن المحصلة برأي المعجل هي انصراف الاهتمام العالمي بالتمويل الإسلامي، لما يشوب الكثير من تلك التطبيقات من اجتهادات هي محل خلاف قوي بين الفقهاء، موضحا أن هنا بعض منتجات الصكوك الإسلامية والتورق التي يتهمها البعض بالصورية والتحايل على الربا، وهو ما ينفيه عنها من أفتى بجوازها، وإن كانت الإجراءات التنفيذية لبعض تلك المنتجات تقوي جانب المفتين بعدم جوازها.

ودوليا، يعتقد الخبير المصرفي محمد الشلفان أن الصمود - النسبي - للمصرفية الإسلامية في العامين السابقين في وجه الأزمة العالمية، يشكل تحديا كبيرا للصناعة بشكل عام في سنة 2010، حيث إن الأعين والآذان ستصبح أكثر رصدا لها في السنوات المقبلة، في وقت يرى أن هذا الصمود يعطي ثقة واستقرارا للصناعة، كما أنه فرصة لتسويق هذه الصناعة دوليا بشكل أكبر بعد أن بدأت ترسم خطوطها بشكل منفصل، نسبيا.

ورقميا فإن المصرفية الإسلامية بشكل عام - بحسب الشلفان - ليست بمعزل عن الصناعة المالية، وهو ما يبرر وجود خسائر تحملتها كذلك خلال الأزمة، وإن كانت الصناعة أثبتت صمودها مقارنة بنظيرتها التقليدية فذلك يعود إلى طبيعتها المتحفظة وكذلك إلى أماكن تركزها.

و قال الشلفان، إذا ما صدقت التقارير المتفائلة حول انتعاش الاقتصاد العالمي في عام 2010 فإن الصناعة قد تنمو بنسبة 10 في المائة (وهي نسبة متحفظة قياسا على نمو الصناعة في السنوات القليلة السابقة)، وهوا ما يعني وصولها إلى 1.3 تريليون ريال في نهاية العام.

أما وضع المصرفية الإسلامية في السعودية فيعتقد الشلفان أن مراكز تركز أصول المصرفية الإسلامية، مثل دول الخليج والسعودية، أمام فرصة جديدة للانطلاق بالتجربة وفقا لمعايير قوى جديدة ووفقا لسياسات استراتيجية مختلفة فرضها تزايد الاهتمام الغربي بالصناعة.

وأضاف الشلفان أنه بدأت في السعودية عمليات الدعم الحكومي نحو الصناعة تتزايد، وتمثل ذلك في عدة أمور، كان أهمها إنشاء أكبر بنك من حيث رأس المال، قائم وفقا للضوابط الشرعية، وهو ما يعطي مؤشرا واضحا على الاتجاه الرسمي المتوقع والمتماشي مع الاتجاه الشعبي نحو الصناعة في السنوات القليلة المقبلة، وهو ما يبشر - ربما - بدور ريادي جديد للسعودية، بعد أن تخلت السعودية عن ذلك لسنوات سابقة لدول أقل منها قدرة على ممارسة هذا الدور.

ويتوقع الشلفان أن يشهد العام المقبل حدوث تغييرات أكبر على المستوى التنظيمي، حيث يرى أنه ما زالت المظلة التنظيمية الرسمية للمصارف بشكل عام تتعامل مع المنتجات الإسلامية على أساس أنها الاستثناء رغم أنها أصبحت القاعدة الآن، ذلك أن التمويل الإسلامي وصل إلى ما يقارب 60 في المائة من إجمالي التمويل المقدم في السعودية في فترة قريبة سابقة.

وفي ما يتعلق بالمنتجات وتطويرها، فإن الشلفان يتوقع اتجاها أكبر نحو التطوير النوعي - لا الكمي - للمنتجات القائمة، باعتبار أن المنتجات الإسلامية تعرضت لبعض النقد الشرعي والقانوني والائتماني، كذلك في بعض الحالات، وهو ما يعني أن المنتجات ما زالت تعيش مرحلة التجربة والتطوير.

ويضيف الشلفان أن ذلك أمر طبيعي نظرا لحداثة التجربة، بيد أنه إذا ما تخلص المطورون من بعض الإشكاليات الشرعية في بعض المنتجات التي تسهم في هز مصداقية الصناعة، وكذلك معالجة بعض الإشكاليات القانونية التي تعيق عمل المنتجات أو تفقدها قوتها الائتمانية - كما حدث في بعض مسائل الصكوك المتعثرة في دبي - فإن الصناعة تسير بالشكل الصحيح الذي يحفظ لها مصداقيتها وأمانها في وقت واحد.

وفي هذا السياق يقول الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن علي باعشن رئيس «مركز الشروق للاستشارات»، إنه نظرا لما يعانيه القطاع المصرفي العالمي هذه الأيام من مشكلات جمة ومخاطر كثيرة فإن توقعاتهم كخبراء للنظام المصرفي الإسلامي لعام 2010 لا تدعو للتفاؤل الشديد جدا ولا التشاؤم بنفس الدرجة.

واستدرك باعشن أنه ما دام النظام الإسلامي دائما يستند على الإعجاز القرآني فإن النظام الإسلامي المصرفي في منأى عن العلل والضرر، مشيرا إلى أن هذا ما تناولته بعض الأوراق في المجمعات الفقهية، حيث تحدثت عن إعجاز القران الكريم في خروج المصارف الإسلامية من الأزمة العالمية، معددين وضاربين الكثير من الأمثلة الواردة نصا في القران، والتي لا يسع المقام لذكرها.

ويشير باعشن إلى أن هناك المزيد من المصارف الإسلامية التي يتم التقدم إليها لممارسة نشاطها سواء داخل الدول الإسلامية أو خارج حدود الدول الإسلامية لفرض التجربة الإسلامية نفسها في أرض الواقع، مفيدا أنه سيتم التعامل مع نظام المزارعة والسلم والتعامل مع الودائع وكثير من الفتاوى.

وفي ظل الرقابة الشرعية المفروضة من قبل البنوك المركزية الإسلامية على البنوك الإسلامية في الدولة الإسلامية فإن النظام الإسلامي - وفقا لباعشن - يراعي الحقوق والواجبات والفرائض وينأى عن الضرر سواء كان هذا التمويل للأفراد أو الشركات أو المؤسسات، حيث إن هناك رقابة لصيقة لا تهاون فيها أثبتت الكفاءة والأخلاق المهنية والمتمسكة بالتعاليم الإسلامية السمحة.

ويعتقد باعشن أن التطبيق في النظام المصرفي الإسلامي بدأ في الكثير من الدول الإسلامية، وذلك بفرض الضمانات ودراسات الجدوى، وهذا برأيه ما يميز المصرفية الإسلامية عن النظم المصرفية الأخرى في الغرب، حيث تعطى القروض من غير ضمانات، وهذا يشكل مخاطرة كبرى، وهو قد يكون السبب المباشر في تدهور النظام المصرفي العالمي عدا البنوك المصرفية الإسلامية، مما حدا بالخبراء الإسلاميين المصرفيين بتسميته بالإعجاز القرآني في النظام المالي.

ويتوقع باعشن أن حجم التمويل خلال العام الجاري سوف يتضاعف مقارنة بالمشاريع الكبرى التي ينتظر تطبيقها في مطلع العام الجاري، سواء في الصعيد الداخلي بالسعودية أو في الصعيد الخارجي لبقية الدول الإسلامية التي لم تؤثر الأزمة المالية في ضرب وتدمير بنيها الاقتصادية، وكذلك لوجود السيولة الفائضة بعد جني أرباح عالٍ سجلته الكثير من البنوك الإسلامية خلال الربع الأخير من العام السابق 2009، وهذا برأيه يحفز ويشجع البنوك على الدخول في المزيد من التمويلات الكبرى لجني مزيد من الأرباح بعد فتح شهيتها في العام السابق.

من جانبه، يعتقد الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور حسني الخولي، أنه «على الرغم من تداعيات الأزمة العالمية فإن معدلات الربحية للبنوك الإسلامية نسبيا لا تزال أعلى منها في البنوك التقليدية»، وهذا مما يدعو إلى التفاؤل حيال انتشار المصرفية الإسلامية على مستوى العالم الذي ما زال يترنح اقتصاديا.

وأشار الخولي إلى شهادة من المنظمات العالمية المعنية بالمصارف والاقتصاد، حيث أصبحت المصارف الإسلامية على الرغم من حداثة التجربة أمرا واقعا في الحياة المصرفية المحلية والدولية، وذلك بعد أن شقت طريقها بصعوبة في بيئات مصرفية، بعيدة في أسسها وأنظمتها وآليات العمل فيها عن الروح والقواعد التي تدار بها المصارف الإسلامية.