التمويل العقاري

TT

ينتظر سوق التمويل في المملكة العربية السعودية بجميع أطرافه إقرار وتطبيق نظام الرهن العقاري بفارغ الصبر نظرا للحاجة الماسة له، حيث يتوقع أن يرفع من نسبة تملك المنازل في السعودية والتي تعتبر من الدول التي تتدنى فيها نسبة ملكية المواطنين لمساكنهم. ويأتي ذلك نتيجة عدم قدرة المصارف على منح التمويل العقاري نظرا لعدم وجود هذا النظام. حيث لا تتجاوز نسبته اليوم في محفظة تمويل الأفراد المجمعة للمصارف السعودية البالغة 257 مليار ريال، ما يعادل 1 في المائة، فهو أقل القطاعات تمويلا على مستوى الأفراد (وفقا لتصريح الرئيس التنفيذي لشركة سمة). إلا أن الكثيرين ممن يترقبون هذا النظام لا يعرفون الكثير عنه وما الفرق بينه وبين برامج التمويل العقاري التي تسوقها المصارف اليوم. والحقيقة أن الفرق شاسع والبون واسع، فبرامج التمويل العقاري التي تسوقها المصارف هي نوع من التمويل الشخصي بضمانة الراتب ومستحقات نهاية الخدمة فهي ليست معنية بالعقار إلا من باب معرفة الغرض من استخدام التمويل وإن سجلت العقار باسم أحد أعضاء مجلس الإدارة أو شركة عقارية أنشئت لأجل هذا الغرض فهو على سبيل زيادة الضمانات لا أقل ولا أكثر وبالتالي فهي لا تكترث بإعادة تقييم العقار سنويا ولا صيانته أو التأمين عليه ولا يهمها ذلك لأن التمويل مضمون بالراتب وليس بالعقار، ولذا نجد أن العديد من المصارف تمنح هذا التمويل بآلية التورق فلا تدقق في أسعار العقار أو تقييمه المقدم من قبل العميل، وفي حال لجأت بعض المصارف للإجارة مع الوعد بالبيع فهذا اللجوء بهدف تقليل مخاطر تقلب سعر الفائدة نظرا لأنه تمويل طويل الأجل، وقد تحولت الكثير من المصارف لهذا النوع من التمويل بعد أن منعت مؤسسة النقد القروض الشخصية طويلة الأجل والتي كانت تعادل ثلاثين ضعف الراتب.

هذا هو واقع التمويل العقاري للأفراد في المملكة، حيث من لا يملك راتبا أو لا يستطيع تحويله أو من كان راتبه قليلا أو متوسطا فإنه لن يستطيع الحصول على تمويل يكفي لشراء عقار، فالأمر كله مرتبط بالراتب، وتتساوى في هذه الممارسة جميع مؤسسات التمويل التقليدية منها والإسلامية.

أما تمويل الرهن العقاري فمحوره العقار محل التمويل، حيث هو الضمانة الوحيدة للممول وعليه يدور التمويل، ومن ثم فإن الجهات التمويلية تولي عناية فائقة وأهمية بالغة لتحديد القيمة العادلة للعقار محل التمويل ومعرفة اتجاه السوق العقارية، هل هي مرشحة لمزيد من الصعود أم أنها للهبوط أقرب، وبالتالي أخذ ذلك في عين الاعتبار، والاهتمام بديمومة صلاحية المبنى محل الرهن طول مدة التمويل عن طريق الشراء من شركات التطوير العقاري وليس الأفراد، بحيث تضمن الجهات التمويلية وجود كيانات قانونية يمكن الرجوع عليها في حال وجد أي عيب في العقار محل التمويل مع اشتراط التأمين على العقار محل التمويل من قبل العميل، وهذا لا يعني أن الجهات التمويلية لن تهتم بوجود مصدر للسداد لدى العميل مع التأكد من جودة سجله الائتماني بل يجب عليها ذلك حيث لا يجب أن يحصل على التمويل إلا من يستطيع سداده وإلا ستنشأ لدينا أزمة رهن عقاري على غرار ما حدث في أميركا، إلا أن مصادر السداد ستكون مرنة بحيث لن يكون المصدر الوحيد للسداد هو الراتب كما هو الحال اليوم فيمكن لأصحاب المهن الحرة والمهنيين وأصحاب الحرف الحصول على التمويل إذا ما أثبتوا أنهم قادرون على السداد وذوو سجل ائتماني جيد.

إلا أنني أرى أنه لكي يتحقق من النظام ما نصبو إليه من زيادة تملك المواطنين لمساكنهم فلا بد من استكمال إيجاد بقية منظومة الرهن العقاري من الناحية القانونية مثل قانون إفلاس الأفراد والمؤسسات، كما أنه يتعين على مؤسسة النقد، وهي الجهة المناط بها الرقابة على المؤسسات المالية التي ستقدم هذا النوع من التمويل، السعي لوضع لائحة لهذا النوع من التمويل تحدد فيه طريقة التسعير وضوابطه وحدوده وكيفية السداد المبكر واحتساب غرامات التأخير بحيث يكون احتساب الربح على الرصيد القائم مع إسقاط ربح المدة المتبقية عند السداد المبكر. ولعل البعض يجادل بأن هذه المسائل خلافية، فبعض الهيئات الشرعية لا تجيزها وهو أمر معلوم، ولكن متى ما نظم ولي الأمر ذلك في نظام واختار قولا معينا فإن اختياره يرفع الخلاف لا سيما إذا كان فيما اختاره الإمام رفق بالعباد ورعاية لمصالحهم، ولعل تنظيم مؤسسة النقد لهذا النوع من التمويل يكون بداية لتنظيم قطاع الصيرفة الإسلامية ككل الذي يعاني من عدم وجود قوانين تراعي خصوصيته وتنظم عمله مما جعله مسرحا للجشعين والطامعين نتيجة للأرباح التي تحققها أدواته. والله ولي التوفيق.

* مستشار في المصرفية الإسلامية