غياب البنية التحتية يعزز استخدام المصارف الإسلامية للأصول لإدارة السيولة

خبراء: السبب عدم وجود أسواق ثانوية إسلامية تقوم بالمهمة

TT

عزا خبراء في التمويل الإسلامي أسباب نقص السيولة في المصارف بشكل عام إلى عدة عوامل من أبرزها فشلها في استرداد قيمة الاستثمارات في التواريخ المحددة، معتقدين أن اتباع المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية لإدارة السيولة من خلال الأصول يعود إلى افتقار الصناعة المالية الإسلامية إلى البنية التحتية الملائمة لتحويل ونقل الأموال. وأكد الخبراء في حديثهم لـ«الشرق الأوسط» أن السبب الرئيسي في إفراز هذا الواقع هو غياب الأسواق الثانوية الإسلامية التي تقوم بهذه المهمة، في وقت تبرز فيه حاجة المصارف الإسلامية الماسة إلى السياسات والإجراءات والاستراتيجيات الفعالة اللازمة لإدارة السيولة، وانخفاض رؤوس الأموال في المؤسسات المالية الإسلامية إلى مستوى لا يعزز إدارة السيولة. ويقول خبير التمويل المصرفي الإسلامي نواف يوسف أبو حجلة إن السيولة تتمثل في قدرة البنك على الوفاء بما عليه من التزامات قصيرة الأجل، «مسحوبات الودائع، وسداد ديون حل أجلها على البنك». وتعتمد هذه القدرة، بحسب أبو حجلة، على مواجهة تلك الالتزامات على: الأرصدة النقدية، والأصول سريعة التحويل إلى نقدية، والقدرة على الاقتراض.

وقال أبو حجلة إن لقياس السيولة في البنوك عدة وسائل، منها على سبيل المثال نسبة التمويل إلى الودائع، بمعنى نسبة ما قام البنك بمنحه من تمويل من حصيلة ما تَجمّع لديه من ودائع، وارتفاع النسبة يشير إلى انخفاض قدرة البنك على الوفاء بالودائع، موضحا أن انخفاض النسبة قد يشير إلى العكس، والقدرة على الوفاء تعني توافر السيولة اللازمة للوفاء بالودائع إذا طلبت.

وأضاف أن نسبة الأصول السائلة إلى الودائع، إحدى معادلات قياس السيولة، حيث يكون البسط فيها البنود كافة السائلة للأصول مقسومة على المقام الذي يتكون من الودائع بشكل أساسي أو أي التزام نقدي عاجل، مشيرا إلى أن مكونات البسط والمقاوم تتأثر كثيرا بطبيعة النظام المصرفي والبيئة المحيطة به.

وزعم خبير في التمويل المصرفي الإسلامي أن نقص السيولة في المصارف بشكل عام يعود إلى الفشل في استرداد قيمة الاستثمارات في التواريخ المحددة، أو إلى طلب غير متوقع لاسترداد ودائع انتهى أجلها، وكان المتوقع التجديد، أو طلب استرداد ودائع قبل انتهاء أجلها، أو مصروفات غير متوقعة.

واتفق الخبير المصرفي مسفر آل دحيم مع أبي حجلة في أن نسب الأصول السائلة إلى إجمالي الأصول في المؤسسات المالية الإسلامية زادت عن مثيلاتها في البنوك التقليدية بنحو 9.45 في المائة، وذلك وفقا لدراسة أجراها أحد الباحثين على 10 من المؤسسات المالية الإسلامية من منطقة الخليج العربي بالإضافة إلى ماليزيا، ومقارنة كل واحدة من تلك المؤسسات مع ما يماثلها من البنوك التقليدية من حيث حقوق الملكية.

وأجمع كل من أبي حجلة وآل دحيم على أن المصارف تقوم بشكل عام باستخدام ثلاث استراتيجيات لإدارة السيولة: إدارة سيولة الأصول، وإدارة سيولة الالتزامات، والإدارة المتوازنة للسيولة.

وتتبع غالبية المصارف الإسلامية الاستراتيجية الأولى (إدارة سيولة الأصول)، حسب النسب المالية التي توصلت إليها نفس الدراسة عن طريق تحليل عينة من القوائم المالية للمؤسسات المالية الإسلامية محل الدراسة، حيث وصلت فيها نسبة النقد وأشباه النقد إلى الحسابات الجارية وحسابات الادخار إلى 144 في المائة.

ويعتقد الخبيران أن اتباع المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية لإدارة السيولة من خلال الأصول يعود إلى افتقار الصناعة المالية الإسلامية إلى البنية التحتية الملائمة لتحويل ونقل الأموال بسبب غياب الأسواق الثانوية الإسلامية التي تقوم بهذه المهمة، في وقت تبرز فيه حاجة المصارف الإسلامية الماسة إلى السياسات والإجراءات والاستراتيجيات الفعالة اللازمة لإدارة السيولة، وانخفاض رؤوس الأموال في المؤسسات المالية الإسلامية إلى مستوى لا يعزز إدارة السيولة. وأشار أبو حجلة إلى أن استخدام السيولة المتوفرة في البنوك حسب أولويات تختلف من حيث الأهمية والحاجة، ومنها توفير الاحتياطيات النقدية الأولية وهي لتوفير السيولة التشغيلية، أي لمتطلبات السحب اليومي من أصحاب الحسابات الجارية، ومن أصحاب الودائع، وكذلك لمتطلبات السيولة القانونية التي يفرضها البنك المركزي. ويعتقد أن من الأولويات كذلك، أنه بعد تجنب الاحتياطيات النقدية الأولية يلزم غطاء من الاستثمار الوقائي في أصول سهلة التحويل إلى نقدية وهذه الاستثمارات غالبا ما تكون بهدف السيولة أكثر منها بهدف الربحية.

ويرى أنه بعد أن يصبح البنك آمنا من كل احتمالات سحب الودائع، يتوجب عليه التصدي لخدمة أهدافه التي أنشئ من أجلها، ومن بينها التمويل بالمشاركة المستمرة، والمتناقصة، وتمويل الاستيراد بالمشاركة، وتمويل التصدير، وتمويل رأس المال العامل، وتمويل الصفقات الوحيدة بالمشاركة والتمويل بالمرابحة والمضاربة، وغيرها.

ويعتقد أنه قد يجد البنك ضرورة في أن ينشئ مشروعات يديرها بنفسه أو شركات مساهمة يسهم بجزء كبير أو صغير من رأسمالها ويروجها، مبينا أنه غالبا ما لا يكون من السهل التخلص من هذه الاستثمارات إلا بعد فترة من الوقت. أما من حيث إدارة السيولة في المصارف الإسلامية، فيشير الخبير في التمويل الإسلامي أنه على الرغم من أن المصارف الإسلامية تحقق معدلات نمو متسارعة منذ نشأتها في أوائل السبعينات من القرن الماضي، فإن الصناعة المالية الإسلامية تعززت الثقة بها.

وقال أبو حجلة إن كسب ثقة العملاء من قبل المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية جاء معتمدا على عدد من الأمور ومن أهمها الطريقة التي تدير بها هذه المؤسسات سيولتها. فمسألة إدارة السيولة في رأيه تبقى من أهم العوامل في اتخاذ قرار العميل الراغب في الإيداع بهدف الادخار أو الاستثمار.

وأكد أن المؤسسات المالية الإسلامية - على النقيض من البنوك التقليدية - لا تستطيع الاقتراض من مصدر خارجي إلا بوجود أصل وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية. لذلك يعتقد أبو حجلة أن المؤسسات الإسلامية تجد نفسها مضطرة إلى الاحتفاظ بجزء كبير من الأصول السائلة أو شبه السائلة.

ولم يختلف المحلل المالي عبد الرحمن العطا عن كل من أبي حجلة وآل دحيم، في أن الوصول إلى استراتيجية فاعلة في إدارة السيولة ومخاطرها، يحتاج إلى أن تقوم المصارف الإسلامية بتبني استراتيجية متوازنة لإدارة السيولة تقع وسطا بين إدارة سيولة الأصول وإدارة سيولة الالتزامات. أما عن الأدوات اللازمة لإدارة السيولة فقد أكدوا على وجود نقص واضح في هذه الأدوات، عازين ذلك إلى اعتماد استثمارات المؤسسات المالية الإسلامية على أدوات طويلة المدى، لا قصيرة الأجل، وفائض السيولة بحاجة إلى قنوات استثمار قصيرة أو متوسطة الأجل، ونتيجة لذلك يمكن القول إن سوق الصكوك أحد أهم الأدوات الاستثمارية الواعدة.

وقالوا إن التحفظ الشرعي وصورية التعامل في بعض الأحيان وصعوبة تحقق هيئة الرقابة الشرعية في عمليات بيع السلع والمعادن إحدى أهم الإشكاليات التي تواجه المؤسسات المالية الإسلامية في إدارة السيولة، حيث إن الكثير من هذه المؤسسات دخلت عمليات بيع السلع والمعادن في البداية لتستثمر السيولة، لكن هيئة الرقابة الشرعية لم تكن مرتاحة لهذا الأمر. وأشاروا إلى أنه منذ 15 عاما تدرس المؤسسات المالية الإسلامية طرقا بديلة لإدارة السيولة، وهذه الطرق تحتاج إلى أصول التي يمكن من خلالها إدارة السيولة.

ويرى أبو حجلة أنه حاليا تطورت العمليات وأصبح هناك فهم شرعي أفضل ومنتجات وأدوات مطروحة بشكل أكبر تستطيع من خلالها المؤسسات إدارة سيولتها ومنها التورق وإصدارات الصكوك.

واستدرك بأن ذلك يحتم وجود سوق متوافقة مع الشريعة بين البنوك لتداول السيولة، موضحا أن أهم الأدوات في تلك السوق عقود التورق، وعقود السلع والمعادن والاستثمار، وصناديق السيولة الإسلامية، مؤكدا أن الصكوك إحدى الأدوات التي يمكن للبنوك أن تقوم بإدارة السيولة من خلالها في حال وجود سوق ثانوية للإصدارات.

من جهة أخرى، تطرق أبو حجلة إلى مشكلة أساسية في موضوع إدارة السيولة في المؤسسات المالية الإسلامية تكمن في سوق النقد، التي تعتمد على الفائدة في البنوك التقليدية والتورق والمرابحة في البنوك الإسلامية، مبينا أن هذه السوق بحاجة إلى تطوير في سوق المال الإسلامية.

وقال إن «هذه السوق ليست مغلقة أمام المؤسسات المالية الإسلامية، لكنها بحاجة إلى تطوير»، مشيرا إلى عدد من المعوقات أو المشكلات الأخرى، لخصها في أن البنك المركزي يقوم بدور الملاذ الأخير للسيولة وفقا لآليات الفائدة عند البنوك التقليدية».

واستدرك بأن البنك الإسلامي لا يعتمد على الفائدة كما هو معروف، وإنما يعتمد على الاستثمار المشترك أو التورق أو المرابحة الدولية وهو الأمر الذي يرى أنه يوجب على البنوك المركزية تعديل بعض سياسات التمويل والودائع الخاصة بالبنوك الإسلامية لتتواءم وطبيعة نشاط هذه البنوك.