خبراء يطالبون باستقلال الرقابة الشرعية عن البنوك الإسلامية

قالوا لـ «الشرق الأوسط» : لا بد من إلزام المصارف بالعمل بها مثل المحاسب القانوني

طرح بعض الخبراء موضوع الرقابة الشرعية الخارجية بديلا يمكنه أن يزيل الشكوك والمخاوف («الشرق الأوسط»)
TT

دعا خبراء ومختصون في المصرفية الإسلامية، إلى إيجاد مكاتب رقابة شرعية مستقلة عن المصارف الإسلامية، بحيث لا تخضع لها، وأن يكون ذلك بشكل إلزامي ليعطي مصداقية أكثر للبنوك التي تقدم منتجات مصرفية إسلامية، مشيرين إلى أن المالية الإسلامية في حاجة إليها مع النمو المتواصل لصناعتها.

ولإيجاد مثل هذه المكاتب بصفة رسمية، طالب متخصصون في المصرفية الإسلامية بإنشاء جهاز مسؤول عنها، يعمل تحت مظلة جهة إشرافية مثل البنوك المركزية، يلزم من خلالها البنوك والمصارف الإسلامية التعاقد مع هذه المكاتب.

وعندما اتفق الجميع خلال حديثهم إلى «الشرق الأوسط» على أهمية وجود مكاتب أو مراكز رقابة شرعية مستقلة عن البنوك، وتكون تحت إشراف جهة رسمية تؤطر أنظمتها ومسؤولياتها، لم يختلفوا في أن نقص الكوادر المتخصصة يعد عائقا أمام وجود هذه المكاتب، إلى جانب أن أدواتها وقدراتها ما زالت في حاجة إلى تطوير أكثر.. حيث أكدوا أهمية وجود مؤسسات رقابية لديها الكفاءة العالية والإمكانات، التي تؤهلها لممارسة عمل الرقابة الشرعية بكفاءة وفحص وتدقيق مدى التزام المؤسسة أو البنك بالمعايير المحاسبية الشرعية، أو بما اعتمدته الهيئة الشرعية للمؤسسة، وسلامة تطبيق المنتجات الإسلامية.

واعتبر المتخصصون في المصرفية الإسلامية ما تقدمه المصارف الإسلامية يحتاج إلى جملة من الإجراءات، من أهمها متابعة المنتجات المالية التي تقدم إلى العملاء، حيث إن بعض الهيئات الشرعية في البنوك لا تتابع تطبيقات المنتجات التي أجازتها من الناحية الشرعية، إلى جانب أن كثيرا من أعضاء الهيئات الشرعية يواجهون ضغوطا كبيرة من المؤسسات المالية الإسلامية من حيث كثرة اجتماعاتها مع الشح الكبير في المتخصصين في هذا المجال.

وطرح بعض الخبراء موضوع الرقابة الشرعية الخارجية بديلا يمكنه أن يزيل الشكوك والمخاوف، التي تعتري بعض المتعاملين مع البنوك الإسلامية، مشيرين إلى أن الرقابة الخارجية شبيهة في عملها بالمحاسبة الخارجية، التي تُلزم بها المؤسسات المالية.

ياسر دهلوي، المدير التنفيذي لـ«دار المراجعة الشرعية»، أكد لـ«الشرق الأوسط» أهمية الرقابة الشرعية المستقلة، وأن الصناعة المالية الإسلامية في حاجة إليها مع النمو المتواصل لها، مشددا في الوقت ذاته على أهمية التكامل فيما بين الرقابة الشرعية المستقلة والرقابة الداخلية في المصارف.

وقال دهلوي إن تطوير العمل المصرفي الإسلامي يتطلب وجود مراكز أو مكاتب مراقبة شرعية مستقلة، تعمل تحت مظلة هيئة شرعية ضمن إطار نظام محدد يحدد أعمالها والتزاماتها مع البنوك والمصارف الإسلامية، إلا أنه لفت إلى أن نقص الكوادر المتخصصة يعد عائقا أمام وجود هذه المكاتب وإظهار أعمالها بالشكل الصحيح.

وشدد المدير التنفيذي لـ«دار المراجعة الشرعية» على أهمية وجود مكاتب أو مراكز للمراقبة الشرعية المستقلة، لكونها تتولى فحص وتدقيق مدى التزام المؤسسة أو البنك بالمعايير المحاسبية الشرعية، أو بما اعتمدته الهيئة الشرعية للمؤسسة، وبالتالي تعطي رأيا مستقلا للمؤسسة، مضيفا أن الرقابة المستقلة لن تراجع قرارات الهيئات الداخلية للبنوك، إذ إن المهم في ذلك هو الرقابة على سلامة التطبيق.

من جهته، دعا الدكتور محمد الغامدي، رئيس الصيرفة الإسلامية في «بنك الجزيرة»، خلال حديثه إلى «الشرق الأوسط»، إلى إيجاد مكاتب رقابة شرعية مستقلة عن البنوك، تعمل تحت مظلة جهة إشرافية مثل وزارة التجارة أو مؤسسة النقد، لتلزم بذلك البنوك والمصارف الإسلامية التعاقد مع هذه المكاتب المستقلة أو حتى مراقبين شرعيين مستقلين، إلا أنه قال إن هذه العملية تحتاج إلى مزيد من الوقت حتى تستطيع المكاتب المستقلة تطوير أدواتها وقدراتها في عمل المراقبة الشرعية.

وتوقع الدكتور محمد الغامدي أنه ستكون هنالك حاجة ملحة، خلال الـ5 سنوات المقبلة، إلى وجود مكاتب رقابة شرعية مستقلة، حيث ستكون هذه المكاتب المستقلة عاملا مهما في استقلالية وحيادية الرقابة الشرعية، وداعما مهما لمصداقية قرارات الهيئات الشرعية داخل البنوك.

إبراهيم الصعب، أحد خبراء المصرفية الإسلامية، ذكر لـ«الشرق الأوسط» أن الرقابة تنقسم إلى قسمين، داخلي يمكن أن تمارسه البنوك والمؤسسات من خلال ما عندها من أجهزة وكوادر مخصصة لمتابعة تطبيق المنتجات والتأكد من العمليات، والآخر رقابة خارجية، وهو الأمر الذي يندر تطبيق المؤسسات المالية الإسلامية له.

وأشار الصعب إلى عدم اهتمام المؤسسات والبنوك الإسلامية بموضوع الرقابة الشرعية الخارجية، لكون الرقابة تعطي شفافية ووضوحا أكثر، وأن بعض المؤسسات والبنوك لا ترغب في التعامل بمثل هذه الأشياء، مضيفا أن لجوء بعض المؤسسات المالية إلى المراقب الشرعي الخارجي فرصة لزيادة المصداقية لدى شريحة كبيرة من العملاء، الذين يرغبون في معرفة تفاصيل تطبيقات المنتجات المالية التي تقدمها المؤسسات.

وهنا أكد الدكتور محمد الغامدي أن الرقابة الخارجية المستقلة تزيد من مصداقية المؤسسة نفسها من خلال الاعتماد على الرقابة الخارجية التي هي شبيهة بمراقب الحسابات الخارجي، ويعتبر جهة مستقلة غير خاضعة للمؤسسة المالية، ولا تربطه أي علاقة سوى علاقة تعاقدية بين الطرفين، معتبرا أن الرقابة الداخلية في المصارف الإسلامية هي الأهم، إذ إنها عمل يومي لا يمكن الاستغناء عنه.

وأشار ياسر دهلوي إلى أن المراجع الشرعي الخارجي يؤدي أدوارا كبيرة، خصوصا في نقل الصورة الصحيحة للمؤسسة المالية الإسلامية أو البنك الذي يقدم منتجات متوافقة مع الشريعة الإسلامية، مضيفا أن هدف وجود مراقب أو مراجع شرعي خارجي هو تعزيز المصداقية، ودعم الهيئة الشرعية للمؤسسة مع استقلالية المراقب الخارجي.

وطالب المدير التنفيذي لـ«دار المراجعة الشرعية» بضرورة معاملة المراقب الشرعي الخارجي، كما هو الحال مع مدقق الحسابات الخارجي، حيث إن كلا منهما جهة مستقلة تقوم بالتدقيق ومتابعة سلامة الأداء، وإن الحاجة ماسة أكثر إلى البنوك التي تتعامل بالمنتجات المتوافقة مع الشريعة، لكون العملاء يبحثون دائما عن مدى مصداقية ما يقدم، ومدى توافقه مع ما أجازته الهيئات الشرعية.

وقال دهلوي إن عمل هيئات الرقابة في البنوك والمصارف الإسلامية، يتفاوت، وإن أنظمة الرقابة تتباين من مصرف لآخر، حسب توجه إدارة البنك، داعيا إلى وجود جهود أكبر لتنظيم أعمال الرقابة وإيجاد أدلة لعمل الرقابة الشرعية.

ولفت الصعب، خبير المصرفية الإسلامية، إلى نداءات كبيرة يطالب بها عملاء البنوك بوجود جهات رقابية شرعية بعيدة عن تأثير البنك وسلطته، موضحا أن الهيئات الشرعية الموجودة حاليا تعين بمعرفة إدارة البنك، وأنه من الضروري تعيين جهات مستقلة خارجية لمتابعة المنتج، وأن يكون تعيينها عن طريق الجمعية العمومية للمؤسسات أو البنوك.

الصعب أوضح أن دور المراقب الشرعي يتجاوز متابعة المنتجات إلى تقويم المؤسسات والشركات التي ترغب في طرح الاكتتابات وتنتهج العمل وفق الشريعة الإسلامية، حيث إن كثيرا من المراقبين الشرعيين المستقلين يقوم بفحص أداء وعمل المؤسسات الجديدة أو التي ترغب في التحول إلى عمل وفق الشريعة.

وشهدت مؤسسات الرقابة الشرعية، إقبالا جيدا خلال الأعوام القليلة الماضية بسبب مطالبات كثير من عملاء البنوك والمؤسسات بضرورة وجود مراقبين خارجيين مستقلين يتولون الرقابة على ما يتم تقديمه من منتجات وإعطاء الرأي المستقل بذلك.

وتهدف الرقابة الشرعية بأشكالها جميعها إلى بيان المعاملات والأنشطة الحلال التي تقام بالمصرف وإقرارها، وبيان المعاملات والأنشطة الحرام، أو التي فيها شُبه شرعية مانعة من تداولها، وذلك لاجتنابها أو الانتهاء منها إن كانت قائمة وإيجاد البديل الشرعي لها، بالإضافة إلى القيام بدور الرقابة نيابة عن المودعين في المصارف.

وتتخذ الرقابة الشرعية أشكالا تختلف من بلد لآخر، بل وحتى من مصرف لآخر، وذلك بسبب حداثة تجربة المصارف الإسلامية عموما، والرقابة الشرعية على الخصوص، وتبعا لدرجة قناعة الإدارات والمسؤولين في المصارف بأهميتها وبدورها.

ولا تخرج الرقابة الشرعية عن أحد الأشكال التالية، فإما أن تكون هيئة رقابة شرعية داخل البنك المركزي، وتكون مسؤولة عن كل ما يتعلق بالمصارف الإسلامية على ألا تخضع هذه الهيئة لإدارة البنك المركزي، ولها سلطة الرقابة الشرعية المستمرة على عمليات هيئات الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية، أو أن تكون هيئة أو جهاز رقابة شرعية مستقلا غير تابع لأي من المصارف الإسلامية، ومنفصلا عن البنك المركزي.

وقد تكون الرقابة الشرعية عبارة عن جهاز رقابة شرعية مستقل ومنفصل عن البنك المركزي، وتابع لمجموعة من المصارف الإسلامية، كالهيئة الشرعية الموحدة لمجموعة «دلة البركة»، أو تكون جهة استشارية مركزية داخل المصرف أو خارجه، تفتي بالمسائل المعروضة عليها فقط، ولا صلة لها بمراجعة الأعمال المنفذة.

ومن أشكال الرقابة الشرعية، أيضا، الهيئة الرقابية الشرعية المستقلة داخل المصرف، تابعة للجمعية العمومية للمساهمين، وتمارس الدور المتكامل للرقابة والإفتاء، أو جهاز رقابي شرعي متكامل لا يتبع الجمعية العمومية للمساهمين، يضم أعضاء للإفتاء، وآخرين مستشارين، وغيرهم للتدقيق والمراجعة، وآخرين للرقابة والمتابعة، بالإضافة إلى رئيس الهيئة ومقررها، والدعاة.

ومن الممكن، أيضا، أن تتخذ الرقابة الشرعية من إدارة الرقابة الشرعية شكلا لها، أو تكون جزءا من إحدى الإدارات.

ومن الممكن القول بأن عمل الرقابة الشرعية بشكل عام هو الرقابة والإفتاء، حيث تشمل الرقابة كلا من الرقابة السابقة والآتية واللاحقة، وتكون الرقابة الشرعية في المصرف بكامل أعضائها ومستشاريها وموظفيها، وكامل أجهزتها مسؤولة بشكل متضامن.

وتكمن الصعوبات التي تواجه الرقابة الشرعية في ندرة المتخصصين في فقه المعاملات في الشريعة الإسلامية بشكل عام، ومن يجمع مع فقه المعاملات الدراية بالعلوم المصرفية والبنكية بشكل أخص، وليس من السهل إيجاد أفراد يحسنونه من خلال برامج تدريب مهما طالت.

ومن الصعوبات، أيضا، عدم تفرغ أعضاء هيئات الرقابة الشرعية للعمل في المصارف الإسلامية، وصعوبة الاتصال بأعضاء الهيئات، ويرى بعض خبراء المصرفية الإسلامية، أن بعض هيئات الرقابة الشرعية لا تتمتع بالقوة القانونية لتحقيق أهدافها.

وأضافوا أن الرقابة الشرعية تواجه أنواعا من التعاملات السيئة بين الناس، وندرة تعامل هؤلاء بطرق التعامل الإسلامية، إلى جانب ضعف آليات التنسيق بين هيئات الرقابة ومحدودية تعاونها.

ويرجع البعض وجود الخلل في استقلالية هيئات الرقابة الشرعية، إلى الاختلاف في وجهات النظر الصادرة عن هذه الهيئات، مما يثير الشك من قبل البعض في قدرة أعضاء لجان المراقبة الشرعية على مخالفة رغبات إدارات هذه المصارف، بالإضافة إلى أن هذه القضايا تحتاج إلى معالجة مؤسسية تأخذ بعين الاعتبار مصلحة المصارف الإسلامية كمساهمين وإدارات، وتهتم أيضا بالمودعين والمتعاملين مع هذه المصارف، الذين يدفعهم الجانب الشرعي بشكل أساسي إلى التعامل مع المصارف.