كينيا.. بوابة الصيرفة الإسلامية للقارة السمراء

TT

منذ بدأت كتابة هذه المقالة قبل ثلاث سنوات وضعت نصب عيني عددا من الأهداف لتحقيقها، أحدها تنبيه رجال الأعمال والمؤسسات المالية الإسلامية للفرص المتاحة أمام صناعة الصيرفة الإسلامية للتوسع والنمو عبر دخول أسواق جديدة أو تطوير أعمالها في بعض الأسواق المهملة من جانبها، يحدوني في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم «من دل على خير فله مثل أجر فاعله أو قال عامله» رواه الترمذي وقال حسن صحيح وقوله صلى الله عليه وسلم «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له» رواه مسلم. متذكرا في هذا المقام قول الشاعر العربي «يبقى الكتاب سنينا بعد كاتبه – وكاتب الخط تحت الأرض مدفون». فلا أريد أن أخلف ورائي سوى ما يكون زادا لما أنتظره أمامي. ويندرج في هذا الإطار ما أنا بصدده اليوم من الحديث عن الصيرفة الإسلامية في كينيا؛ تلك الدولة التي تقع في شرق أفريقيا وتتمتع باستقرار سياسي جيد عطفا على الأوضاع السياسية السائدة في أفريقيا. وتعتبر العاصمة نيروبي مركزا سياسيا واقتصاديا مهما في شرق أفريقيا. كما أنها تتمتع ببنية تحتية جيدة وتتوافر فيها طبقة من المهنيين المؤهلين وهي مركز مهم للأعمال في شرق أفريقيا حيث توجد فيها الكثير من المؤسسات الدولية. وتتمتع كينيا بنسبة نمو اقتصادي جيدة تتراوح بين 5 - 7% سنويا، وقد وضعت الحكومة رؤية اقتصادية طموحة تمتد للعام 2030 م من شأنها - في حال تحقيقها - وضع كينيا على خارطة المراكز المالية المهمة في العالم أسوة بالنمور الآسيوية. ومن ضمن هذه الخطة تشجيع صناعة الصيرفة الإسلامية والسعي لاستقطابها بحيث تكون نيروبي مركزا لهذه الصناعة في أفريقيا، حيث لا تزال صناعة الصيرفة الإسلامية صغيرة وضعيفة في هذه القارة، فلم تتجاوز أصولها 15 مليار دولار وحجم التمويل الإسلامي لم يبلغ سوى 2%. كما أن عدد المصارف الإسلامية في هذه القارة 37 مصرفا، إلا أنها جميعها صغيرة الحجم بحيث لم تستطع تحقيق اختراق يذكر في السوق المصرفية، وهذه من المفارقات العجيبة، حيث إن المسلمين في أفريقيا تتجاوز نسبتهم 45% من إجمالي سكان القارة البالغ عددهم نحو مليار نسمة، أي إن عدد المسلمين 400 مليون نسمة. وهذا بلا شك دليل يضاف إلى الأدلة الكثيرة على ضعف همة المسلمين دولا وشعوبا ومؤسسات مع غياب الرسالة والأهداف لديهم، وهذا هو سبب تأخر دخول صناعة الصيرفة الإسلامية إلى هذه القارة التي تتنافس عليها أمم الأرض قاطبة من الصين شرقا إلى أوروبا وأميركا غربا، في حين تغيب عن المشهد الدول الإسلامية الغنية وعلى وجه الخصوص الدول الخليجية. إلا أنني أرى أن صناعة الصيرفة الإسلامية يمكن أن تتيح لها موطئ قدم في هذه القارة لا سيما أنها صناعة موعودة بالنجاح نظرا لما تعيشه تجربة الصيرفة الإسلامية في كينيا من نجاح. لقد قرنت الحكومة الكينية الأقوال بالأفعال في سعيها لتحقيق رؤيتها للعام 2030م فسعت لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية ومنها صناعة الصيرفة الإسلامية، حيث رخص البنك المركزي الكيني لمصرفين إسلاميين هما مصرف «فيرست كومينتي» وهو أكبر مصرف إسلامي في كينيا برأسمال مليار شلن كيني (100 دولار تعادل 8000 آلاف شلن) ومصرف «الخليج الأفريقي» 800 بليون شلن كيني. وقد استطاعا في السنة الأولى لعملهما جمع أصول قدرها 8 مليارات شلن تعادل 0.6% من الحصة السوقية وبلغت ودائعهما 5 مليارات شلن تعادل 0.6% من الحصة السوقية.

وقد حقق مصرف «الخليج الأفريقي» المرتبة 32 ومصرف «فيرست كومينتي» المرتبة 41 من بين 43 مصرفا من حيث حجم الأصول. والحقيقة التي لا مرية فيها هي أن السوق الأفريقية والكينية على وجه الخصوص تبشر بمستقبل باهر لصناعة الصيرفة الإسلامية في ظل النمو الذي تتمتع به السوق المصرفية في كينيا، حيث نمت الحسابات من 2.6 مليون حساب في عام 2005م إلى 6.4 مليون حساب في عام 2008م وهذا يعني أن الحسابات تضاعفت ثلاث مرات. الله ولي التوفيق.

* مستشار في المصرفية الإسلامية