الهند: نمو التدريب على التعاملات الشرعية مع تنامي صناعة المصرفية الإسلامية

إقبال جيد من الموظفين على برامج تعليمية في التعاملات المالية الإسلامية لشغل وظائف في البنوك المتوافقة

يجري النظر إلى الهند باعتبارها مكانا محتملا للصرافة الإسلامية بمقدوره «اجتذاب مستثمرين من الهنود غير المقيمين بالبلاد (ا.ف.ب)
TT

خاضت نادرة سيد، المصرفية لدى «كوتاك ماهيندرا إنديا»، دورة تدريبية عبر شبكة الإنترنت في الصرافة الإسلامية منذ أن أطلق المصرف الذي تعمل به أول مؤشر إسلامي به. وتكرر الأمر ذاته مع رحيم خان، شاب حاصل على ماجستير في إدارة الأعمال، وذلك قبل تقدمه للعمل لدى مؤسسة «ريليانس» التي أقدمت هي الأخرى على خوض مجال الصرافة الإسلامية العام الماضي.

وكان خان قد سئل خلال المقابلة التي أجريت معه لتقييم مدى ملاءمته للعمل في المؤسسة حول ما إذا كانت لديه معلومات بشأن الصرافة الإسلامية والمبادئ المالية التي يعتمد عليها هذا النمط من الصرافة، وخاض خان أيضا دورة تدريبية في الصرافة الإسلامية للتأهل لشغل الوظيفة.

مع توافر خدمات سمسرة متوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية في الهند حاليا وانفتاح السوق المالية، وإن كان ببطء، على التمويل الإسلامي، زاد الطلب بصورة بالغة على المهنيين المتخصصين في مجال الصرافة الإسلامية.

بالنسبة إلى أعداد متزايدة من الخبراء الماليين في الهند الراغبين في إتقان الصرافة الإسلامية، تتوافر بعض المعاهد الأكاديمية المحلية التي فتحت أبوابها خصيصا لتوفير دورات تدريبية في التمويل الإسلامي والصرافة الإسلامية للهنود.

من بين هذه المؤسسات «معهد الصرافة والتمويل الإسلامي»، ويوجد مقره في مدينة حيدر آباد الواقعة جنوب البلاد. وقد وقع المعهد مذكرة تفاهم مع جامعة حيدر آباد لتوفير دراسة لعامين بعد التخرج تمنح درجة علمية في الاقتصاد والصرافة والتمويل الإسلامي. ويفد على المعهد، الذي يتيح دورات تدريبية عبر شبكة الإنترنت وبرامج تقوم على الاتصال المباشر داخل عدد من المراكز المنتقاة في الهند، مشتركون من مختلف أرجاء البلاد، ومن الخارج أيضا.

وتعد الدورات التدريبية التي يوفرها المعهد أول جهود من نوعها على مستوى البلاد لإضفاء الطابع المؤسساتي على التعليم بجميع ميادين الاقتصاد والصرافة والتمويل الإسلامية.

من جهته، قال إم. إيه. ماجد، عميد المعهد: «يستقبل المعهد طلابا منذ عام 2003، وقد ارتفع عدد المشتركين تدريجيا، وبدأ في اجتذاب مزيد من الاهتمام من جانب طلاب راغبين في دراسة التمويل الإسلامي، تبلغ رسوم الدورة التدريبية 5 آلاف روبية، مما يعني أن خدماتنا أرخص تكلفة بكثير عن الدورات التدريبية في الخارج».

والملاحظ أن بعض الطلاب ينتمون إلى دول أجنبية مثل غويانا وتونس ودول شرق أوسطية أخرى، يتطلع أبناؤها إلى نيل وظائف مجزية في منطقة الخليج العربي، ويتضمن المنهج الدراسي في المعهد علم الاقتصاد الإسلامي والصرافة الإسلامية والمبادئ النقدية الإسلامية والتأمين ودراسات حالة.

ويعمل لدى المعهد الكثير من المهنيين الماليين الذين يتولون أدوارا استشارية في مصارف إسلامية وصناديق استثمارية وشركات التأمين، وعلى الرغم من أن المعهد لا يوفر فرص تعيين رسمية، حصل خريجوه على وظائف في البحرين والسعودية والإمارات، حسبما أشار ماجد.

من ناحية أخرى، تعرض جامعة أليغاره الإسلامية أول دورة تدريبية في مجال التجارة الإسلامية لا تقدمها أي جامعة على الإطلاق داخل الهند، مما أثار اهتمام بعض الطلاب الهنود حيال الإمكانات المستقبلية لهذا القطاع المتنامي سريعا على الصعيد المالي العالمي. في هذا الصدد، أكدت إسرار سليمان، طالبة في مجال المحاسبة قائلة: «أشعر باهتمام بالغ إزاء تقديم جامعة أليغاره دورة في الصرافة والتمويل الإسلاميين. من خلال تعلم القوانين التجارية الإسلامية، يمكنني تعزيز إمكاناتي المهنية المستقبلية».

ويجري حاليا بالفعل الترويج لما يوصف بأنه أول دورة جامعية من نوعها في الهند، التي من المقرر أن تطلقها جامعة أليغاره الإسلامية وتمنح دبلوما بعد دراسة تستمر عاما بعد التخرج في مجال الصرافة والتمويل الإسلاميين بناء على مبادئ الشريعة الإسلامية.

من جانبه، قال دكتور محمد نجاة الله صديقي، بروفسور اقتصاد ودراسات إسلامية متقاعد من جامعة أليغاره الإسلامية، الذي تولى وضع المنهج الدراسي للدورة: «حتى الآن، لا توجد جامعة واحدة على مستوى البلاد تعرض دورات تدريبية في الصرافة الإسلامية. على الرغم من أن بعض الجهود البحثية حول هذا الموضوع أجريت في جامعتي كارناتاكا وبيون، وتعرض بعض المعاهد حفنة من الدورات التدريبية التمهيدية في هذا المجال».

فيما يتعلق بالإمكانات المستقبلية للدورة التدريبية، أشار إلى أنه على الرغم من عدم وجود مصارف إسلامية في الهند، فإنه توجد بعض الجمعيات التعاونية غير المصرفية في كارناتاكا ومومباي، ولديها أفرع في أليغاره وتشيناي.

بوجه عام، يجري النظر إلى الهند باعتبارها مكانا محتملا للصرافة الإسلامية بمقدوره «اجتذاب مستثمرين من الهنود غير المقيمين بالبلاد. وقد أطلقت بعض كبرى الشركات الهندية منتجات مالية إسلامية في البلاد. لذا، تحتاج إلى مهنيين»، حسبما أوضح صديقي، مضيفا أن فرص العمل للمشاركين في الدورة التدريبية ستكون جيدة للغاية.

الآن، مع تزايد الطلب على الصرافة والتمويل الإسلاميين في الهند، أطلق معهد دولي أيضا دورة تدريبية في الهند في المجال ذاته، وهو «معهد لندن للأوراق المالية والاستثمار». وترمي الدورة إلى تأهيل المشاركين للعمل في المجال المالي الإسلامي وموجهة إلى مديري الصناديق الاستثمارية. وجرى تطوير الاختبار الذي ينظمه المعهد بالتعاون مع «إكول سوبريير ديز أفير»، وهي كلية فرنسية - لبنانية للتجارة مقرها بيروت.

من ناحيتها، أوضحت أروى تابيا، مسؤولة الربط الهندية لدى المعهد، أنه «على الرغم من أنه لا يزال من المبكر إصدار حكم، يمكننا رصد الكثير من الاهتمام بين المهنيين الهنود بفرصة اكتساب معرفة في المجال المالي الإسلامي. ويمكن خوض الامتحان عبر الحواسب الآلية من داخل مراكز في بنغالور وكولكتا وتشيناي وغورغاون وحيدر آباد ومومباي ونيودلهي. تستهدف الدورة التدريبية مهنيين استثماريين جددا ومتمرسين متخصصين في مجالات التمويل والتجارة والاستثمار المتوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية. وتتناول الدورة القضايا المالية الإسلامية من منظورين فني وشرعي».

من ناحية أخرى، قال ظفر ساريشوالا، مدير «بارسولي كورب»، أكبر شركة سمسرة إسلامية في الهند، إن مثل هذه الدورات التأهيلية خطوة في الاتجاه الصحيح، خاصة مع رغبة مديري صناديق الاستثمار الهندية في الاستحواذ على حصة من الصناعة المالية الإسلامية من دون أن يطلقوا على مؤسساتهم وصف «إسلامية».

يذكر أن «بارسولي كورب»، التي تتخذ من أحمد آباد مقرا لها، تقدم هي الأخرى دورات في النشاطات المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، وتعد أول شركة تطلق مؤشرا إسلاميا في الهند.

وأضاف: «هناك وجهة نظر داخل الهند ترى أن إنشاء صندوق إسلامي من شأنه الإضرار بالطابع العلماني للبلاد. إلا أنه في الوقت ذاته، يستلزم اجتذاب مستثمر مسلم وصف الصندوق بالإسلامي. وبدلا من الخوف من العواقب، على المسؤولين المعنيين النظر إلى الأمر باعتباره فرصة تجارية».

وقال: «نظرا لعدم توافر سوى عدد ضئيل للغاية من المعلمين المؤهلين في المجال المالي الإسلامي في الهند، اضطررنا إلى دعوة علماء دوليين وخبراء في الشريعة الإسلامية من باكستان والسعودية والبحرين وماليزيا».

وطبقا لدراسة أجراها شارق نصار، الخبير في المجال المالي الإسلامي والمقيم في مومباي، عام 2006، فإن نسبة الشركات الهندية المدرجة في البورصة المتوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية تفوق نظيرتها في أي من ماليزيا والبحرين وباكستان، والملاحظ أنه داخل «البورصة الوطنية للأسهم» تعد 355 شركة من إجمالي 1000 شركة مدرجة بها تتوافق في نشاطاتها مع الشريعة الإسلامية، وبالمثل، نجد أن 237 من بين أكبر 500 شركة مدرجة في «بورصة مومباي للأسهم» متوافقة مع مبادئ الشريعة.

ومع ذلك، لم تنطلق الصناعة المالية الإسلامية بقوة بعد في الهند، ومن بين أكبر الأسباب وراء ذلك الافتقار إلى علماء دينيين ومصرفيين مؤهلين. في هذا الصدد، قال أشرف عبد الحق محمدي، المدير الإداري لـ«إضافة انفستمنتس ليمتيد»، وهي شركة سمسرة مقرها مومباي متخصصة في الاستثمارات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية فقط: «تنظيم ورشة تدريبية قصيرة الأمد سيكون كافيا، لكن هناك نقصا بالغا في العلماء ومديري الأصول المؤهلين».

وأضاف: «في ظل غياب بنية تحتية مناسبة وأفراد مؤهلين ومؤشر إسلامي، نبقى عاجزين عن اجتذاب أموال من الشرق الأوسط، بينما تحصل أسواق مثل ماليزيا وباكستان على استثمارات من الدول الثرية بالنفط».

وسعيا لإضفاء صبغة دولية على مؤهلات الصرافة الإسلامية، دخل «المعهد الدولي للتجارة والتمويل الإسلاميين»، ومقره الهند، في شراكة طويلة الأمد مع جامعة تريساكتي الإندونيسية تتضمن الاعتراف المتبادل بالبرامج التعليمية بكل منهما وتطوير دورات تدريبية جديدة في مجالات ناشئة، مثل التمويل الأصغر الإسلامي والمؤسسات الخيرية وغير الهادفة للربح الإسلامية.

ويعرض المعهد درجات الماجستير والدكتوراه في مجال الاقتصاد الإسلامي، بحيث تتصدر معتمدة من جامعة تريساكتي. وتركز البرامج التي ينظمها المعهد في هذا الصدد على تناول الممارسات المثلى للتمويل الأصغر الإسلامي من تجارب لا حصر لها يجري تنفيذها في مختلف أرجاء إندونيسيا، وتشجع على تكرارها في الهند.

يذكر أن جامعة تريساكتي تعد أكبر جامعة خاصة في إندونيسيا وتتميز بدور رائد في التعليم المرتبط بالاقتصاد والتمويل الإسلاميين في البلاد. من ناحيته، قال دكتور صفيان سيفري هاراهاب، مدير برنامج تريساكتي للاقتصاديات الإسلامية: «تتميز إندونيسيا والهند بأول وثاني أكبر جالية مسلمة على مستوى العالم، وتضمان أيضا نسبة كبيرة من الفقراء والمعوزين عالميا. ويشكل برنامجنا شراكة بمقدورها تحقيق نفع هائل على الصعيدين الاجتماعي والتجاري».

على صعيد متصل، وفي خطوة جديدة ستترتب عليها تداعيات واسعة النطاق، قررت مدرسة دينية إسلامية في حيدر آباد، وللمرة الأولى في تاريخ الهند، تدريب مدرسيها على مبادئ التمويل الإسلامي. وعلق خالد سيف الله رحماني، مدير «المعهد العالي الإسلامي»، وهي مؤسسة تعليمية قائمة منذ 12 عاما في مجال الدراسات العليا الإسلامية، بأن هذه الدورة التدريبية موجهة لخدمة السوق المالية والمصرفية الإسلامية المتنامية. وسيسمح لمن يحمل لقب «مفتي» فقط خوض الدورة التدريبية الجديدة، بعد إنجازه دورتين للحصول على لقب «عالم» و«فاضل»، مما يعني أنه اكتسب معرفة تؤهله لإصدار فتاوى.

ومن الملاحظ وجود فجوة واسعة بين جانبي العرض والطلب فيما يخص الموارد البشرية في المجال المالي والتجاري الإسلامي. وفي أغلب الحالات، تجد المؤسسات نفسها أمام إما خبراء اقتصاديون على دراية كبيرة بالنماذج الاقتصادية الغربية أو رجال دين لا يملكون سوى قدر ضئيل من المعرفة بالأنظمة المالية.

وأشار رحماني إلى أنه «نظرا إلى أن الاستثمارات الموجهة إلى النظام المالي الإسلامي تقدر بمليارات الدولارات، رأينا أن الوقت المناسب حان لضخ أفراد مدربين بصورة مناسبة في مجالي الاقتصاد الحديث ومبادئ الاستثمار الإسلامية في سوق العمل».

وأشار الدكتور أوصاف أحمد، العالم البارز في مجال الاقتصاد الإسلامي ورئيس «معهد الصرافة والتمويل الإسلامي» إلى أن الشراكة بين المعهد وجامعة تريساكتي من شأنها «توفير دفعة للقطاع المالي الإسلامي الناشئ في الهند من خلال إعداد مهنيين مؤهلين لتولي مناصب إدارية».