المسؤولية القانونية للهيئات الشرعية

لاحم الناصر

TT

الهيئة الشرعية ركن مهم من أركان المؤسسة المالية الإسلامية والمؤسسة التقليدية التي تقدم خدمات ومنتجات مالية إسلامية؛ فهي التي تكسب المؤسسة المالية الحق في تسويق نفسها أو منتجاتها على أنها متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية. والسبب في ذلك أن الخدمات المالية الإسلامية نابعة ومستمدة من الشريعة الإسلامية، وتتطلب تأهيلا خاصا فيمن يستطيع استنباط الحكم الشرعي منها وإيقاعه على الواقعة بصورة مناسبة. وهذا التأهيل لا يتوافر إلا في علماء الشريعة وفقهائها الذين قال الله فيهم «وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا» (النساء 83). وهم ورثة الأنبياء كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسندة من حديث أبو ذر رضي الله عنه (إن العلماء هم ورثة الأنبياء لم يرثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر). وقد عرفت الأمة الإسلامية للعلماء مكانتهم فأصبحت لا ترد ولا تصدر إلا عن رأيهم. ومن هنا أصبحت للهيئة الشرعية هذه المكانة في منظومة صناعة المال الإسلامي بحيث إنها فرضت وجودها كأحد المكونات الرئيسية في هذه الصناعة حتى لدى المؤسسات المالية العالمية التي حرصت على تشكيل الهيئات الشرعية واستقطاب العلماء المعروفين في العالم الإسلامي للعمل فيها مع الحرص على إظهار استقلاليتها عن هذه المؤسسات. كل ذلك في سبيل إقناع العملاء بالتعامل معها وشراء منتجاتها. إلا أنه ومع تطور هذه الصناعة وسرعة نموها بحيث لم تعد الأسماء المعروفة قادرة على الوفاء بمتطلبات السوق ومع التطور الإداري الحاصل في العالم وعلى وجه الخصوص العالم الإسلامي نتيجة للعولمة التي اجتاحت جميع مناحي الحياة في العالم الإسلامي خصوصا في جانب الصناعة المالية ونظرا لتطور المعايير العالمية التي تحكم الصناعة المالية، لذا وجب على صناعة المال الإسلامي أن تواكب هذا التطور وذلك بالسعي لتنظيم وتأطير عمل الهيئات الشرعية. ومن جملة التطوير الذي طال الهيئات الشرعية ما صدر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بخصوص تعيين هيئة الرقابة الشرعية. كما أن مجلس الخدمات المالية الإسلامية وضع مبادئ إرشادية لحوكمة أعمال الهيئات الشرعية سماها المبادئ الإرشادية لنظم الضوابط الشرعية للمؤسسات التي تقدم خدمات مالية إسلامية، ومع ذلك فما زالت الهيئات الشرعية تعمل دون أطر قانونية تنظم عملها وتفصل مسؤولياتها القانونية تجاه المؤسسات التي تعمل معها مثل مسؤوليتها القانونية تجاه ما يصدر عنها من قرارات. إذا تبين عدم صحتها إما بنقضها من قبل الجهات القضائية في البلد الذي تعمل فيه أو نتيجة إهمال الهيئة في إجراء البحوث الشرعية اللازمة للوصول للحكم الشرعي الصحيح أو إذا تراجعت الهيئة عن قرارها نتيجة تغير وجهة نظرها في المسألة وما هي مسؤوليتها القانونية تجاه العملاء المستفيدين من خدمات المؤسسة المالية في جميع الحالات السابقة وفي حال عدم قيامها بواجباتها الرقابية على الوجه المطلوب مما نتج عنه خلل في التطبيق أدى إلى ضرر بأحد العملاء. إن هذه الأطر القانونية وما تعنيه من تحمل الهيئات الشرعية للمسؤولية القانونية عن قراراتها وآرائها غائبة في جميع قوانين المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية الصادرة في بعض الدول التي سنت مثل هذه القوانين وهو أمر لا يجوز التغاضي عنه. حيث إن عمل الهيئات الشرعية لا يقل حساسية وأهمية عن عمل المحاسب القانوني أو المراجع الخارجي وبالتالي يجب أن تعامل الهيئات الشرعية ومؤسسات الرقابة الشرعية الخارجية ومكاتب الاستشارات الشرعية في الجانب المالي معاملة المراجع الخارجي أو المحاسب القانوني من حيث ترتيب المسؤولية القانونية على أعمالها وهو أمر تحاول الهيئات الشرعية تفاديه حتى اليوم. ولكن مصلحة صناعة الصيرفة الإسلامية تفرض علينا المناداة بإيجاد هذا المبدأ وذلك حتى تنضبط أعمال الهيئات الشرعية ومؤسسات الرقابة الشرعية والاستشارية فلا يصدر قرار إلا بعد دراسة وتمحيص ولا يصدر تقرير إلا بعد فحص وتدقيق وفق المعايير المهنية وبهذا يمكن أن نقضي على الكثير من الظواهر السلبية التي تعاني منها الصيرفة الإسلامية اليوم كالتخبط في الفتاوى، وما قضية الصكوك عنا ببعيدة، وتقليص جانب مخالفات التطبيق التي تتذرع بها الكثير من الهيئات الشرعية عند مواجهتها في بعض المنتجات الخلافية. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

* مستشار في المصرفية الإسلامية