لدي حلم

لاحم الناصر

TT

الإنجازات العظيمة تبدأ بحلم ولكنه حلم قابل للتطبيق مع عزم وإرادة لا تعرف الكلل والملل للوصول به للواقع بحيث يتحول الحلم إلى واقع معاش، فالأحلام هي مصدر الإلهام للبشرية. وليس المقصود بالأحلام هنا هي ما يراه النائم في منامه وإنما هو ما يتخيله في صحوه من أمور تكون مستبعدة الحصول في حينه لعدم توفر أسبابها أو وجود موانع تمنع حدوثها لكنها ليست من المستحيلات التي تخالف القوانين الكونية. فحين خطب مارتن لوثر كينغ خطبته الشهيرة «لدي حلم» في عام 1963م التي حضرها 250 ألفا تحت نصب إبراهام لينكون، لم يكن أحد من الحاضرين وعلى رأسهم مارتن لوثر نفسه يحلم بأن يصل السود لسدة الرئاسة في أميركا. إلا أن الواقع اليوم يقول إن ما عز وقوعه في الأحلام في عام 1963م تحقق واقعا بوصول أول أسود لسدة الرئاسة لأميركا في عام 2008م.

ولعل البعض يقول وما المغزى من ذكرك لهذا وما العلاقة بينه وبين الصيرفة الإسلامية، والحقيقة أن هدفي من ذكر ذلك هو التدليل على أنه ليس هناك من أمر مستحيل وأنه لا ضير من أن نحلم بوجود صيرفة إسلامية أصيلة تسعى لتحقيق مقاصد الشرع غير مستنسخة ولا مقلدة. نعم أنا وغيري وقبلنا الآباء المؤسسون لهذه الصناعة لدينا حلم، بأن توجد مؤسسات مالية إسلامية أصيلة تعمل منطلقة من نظرة الإسلام للمال واستخدماته مؤطرة بنظرية إسلامية متكاملة للاقتصاد، تهدف لخدمة مجتمعها والنهوض بأمتها، بعيدا عن النظرية الرأسمالية للمال. حيث إن ما يوجد اليوم من مؤسسات مالية إسلامية لا تعدو عن كونها مؤسسات رأسمالية أعيدت هيكلتها بحيث تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية صورة لا حقيقة.

نعم لدي حلم بأن توجد مؤسسات مالية إسلامية تقوم على مبدأ المشاركة لا على المداينة بحيث يتحمل جميع أطراف العملية المخاطر ويتقاسمون الربح. نعم لدي حلم بأن أجد مؤسسات مالية إسلامية لا تجعل معيار الفائدة الربوية معيارا للربح أو الأجرة مما يؤدي إلى صورية هذه المعاملات، لأنه لن يكون معيار الفائدة مجديا لها لو كانت المعاملات حقيقية لاختلاف القرض في طريقة عمله ومخاطره عن المتاجرة أو الإجارة. نعم لدي حلم بأن أجد مؤسسات مالية إسلامية لديها استراتيجية واضحة لتبني المشاريع التنموية المهمة في مجتمعاتها بحيث تسهم في تقليص البطالة وزيادة إنتاجية المجتمع وتوطين التقنية وحضانة الأفكار الإبداعية وتبني المبدعين. نعم لدي حلم بأن أجد مؤسسات مالية إسلامية تبتكر منتجات أصيلة وليست بديلة تستطيع من خلالها تغيير النظرة التقليدية للمؤسسة المالية. نعم لدي حلم بوجود سوق مالية إسلامية مشتركة تقوم على أدواتها الخاصة بعيدا عن استنساخ المشتقات والسندات وغيرها من الأدوات التقليدية.

نعم لدي حلم بأن أرى جيلا من القيادات المصرفية الإسلامية التي تؤمن بوجود مصرفية إسلامية أصيلة تسعى لتطبيقها ضمن استراتيجيات محددة. نعم لدي حلم بأن توجد مؤسسات مالية إسلامية تخصص جزءا من ميزانياتها للأبحاث بهدف تطوير أدواتها المالية والتقنية. نعم لدي حلم بأن توجد مؤسسات مالية إسلامية تطبق مبادئ الإسلام في الإفصاح والشفافية والعدل والرضا وعدم الغش والتدليس. نعم لدي حلم بأن توجد مؤسسات مالية إسلامية لا تشجع النمط الاستهلاكي في المجتمع المسلم بغرض زيادة الأرباح مع معرفتها بالضرر البالغ على المجتمع نتيجة الإفراط في الاستهلاك. نعم لدي حلم بأن توجد المؤسسات المالية الإسلامية القادرة على تقديم الحلول المالية الناجعة للاقتصاد العالمي وفق رؤية إسلامية أصيلة متكاملة. نعم لدي حلم بأن توجد مؤسسات مالية إسلامية تستطيع نقل رسالة الإسلام الحضارية إلى العالم كما فعل أسلافنا من التجار المسلمين. نعم لدي حلم بأن يأتي رجال أعمال مسلمون يحققون هذا الحلم. والله من وراء القصد.

* مستشار في المصرفية الإسلامية