دور المنح المالية في تطوير الصيرفة الإسلامية

لاحم الناصر

TT

المال هو عصب الحياة للمؤسسات العلمية والبحثية، فبوجوده تدب الحياة فيها وتنشط حركتها، فكلما زاد ضخه تسارعت وتيرة البحث والإنتاجية فيها وزادت كفاءة مخرجاتها، ما دام هذا المال يوظف بطريقة صحيحة وفق معايير وسياسات محددة بعيدا عن الفساد والمحسوبية، وإلا أصبح هذا المال المتدفق وبالا على هذه المؤسسات يثقل كاهلها كما يثقل الدم الفاسد جسد المرء فيصيبه بالخمول ويقعده عن الحركة فلا سبيل للتخلص منه سوى بالحجامة أو الفصد. ومن هنا فإن وجود المال مهم ولكن الأهم وجود سياسات وإجراءات محددة بالتفصيل لكيفية صرفه واستخدامه مع وجود آليات للرقابة فعالة تحد من إمكانية سوء استخدامه مع الحرص على عدم الوقوع في البيروقراطية المعقدة التي تحد من فعالية هذه الأموال في تحقيق أهدافها. إن ما دفعني لهذا الحديث هو ما تمر به الجامعات في المملكة العربية السعودية من طفرة في مجال الكراسي العلمية والمراكز البحثية الممولة من القطاع الخاص التي لم تعهدها الجامعات السعودية من قبل مما ينبئ بحصول تقدم كبير في مجال البحث والتطوير المنتج نتيجة للتعاون بين القطاع الأكاديمي وقطاع الأعمال. ومن بين قطاعات الأعمال التي استفادت من هذه المنح المالية قطاع صناعة الصيرفة الإسلامية حيث تم إنشاء كرسيين في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية هما كرسي شركة سابك لدراسات الأسواق المالية الإسلامية وكرسي الشيخ محمد الراشد لدراسات المصرفية الإسلامية الذي يديره الدكتور محمد السحيباني بمساعدة عدد من الخبراء في هذه الصناعة. كما تم الإعلان عن إطلاق مجموعة كراسي الشيخ صالح كامل في الصيرفة الإسلامية وكرسي بنك الجزيرة في الاستثمار في جامعة الملك سعود. أما جامعة الملك فهد للبترول والمعادن فقد تميزت بإنشاء مركز التميز في الدراسات المصرفية والتمويل الإسلامي بدعم سخي من مؤسسة الشيخ عبد الرحمن بن صالح الراجحي وعائلته الخيرية ويدير المركز الدكتور صلاح الشلهوب وهو من الأكاديميين المميزين في جانب الصيرفة الإسلامية والخبراء العارفين بها.

إن القائمين على هذه الكراسي والمراكز البحثية يجب أن يعوا جيدا المهمة الجليلة المناطة بهم والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبارها مهمة سهلة، حيث إنها تتعلق بنشاط يعتبر من أشد الأنشطة المعاصرة تعقيدا وأكثرها حراكا وتطورا. كما أنه النشاط الأخطر على الاقتصاد المحلي والعالمي، وفي الأزمة المالية العالمية التي يمر بها العالم اليوم دليل على ذلك. ومن ثم فيجب عليهم العمل وفق استراتيجيات محددة تراعي أولويات هذه الصناعة، والتي تتمثل في ثلاثة جوانب، هي: جانب البحث وجانب التطوير وجانب المعرفة. فتقوم في جانب البحث بتكوين فرق بحثية تجمع بين الشرعي والاقتصادي والمالي وذي الخبرة العملية لدراسة واقع التجربة وتقييمها دوريا ودراسة التحديات التي تواجهها ومحاولة إيجاد حلول لها. أما جانب التطوير فيتولى مهمة تحويل نتائج الأبحاث إلى منتجات يمكن تطبيقها في الواقع العملي بحيث تتلاءم مع متطلبات السوق وآليات عمل هذه المؤسسات. أما في جانب المعرفة فتقوم بإصدار تقارير دورية عن الصناعة بأشكالها المختلفة من حيث النمو والانكماش والتوسع والتحديات والفرص وإصدار تقييمات لمؤسسات هذه الصناعة من حيث الجودة الشرعية وجودة الخدمة وثقة العملاء مع السعي لإيجاد قاعدة بيانات لهذه الصناعة من حيث عدد المؤسسات وتوزيعها الجغرافي والمؤسسات الخدمية والخبراء والهيئات الشرعية والجهات الأكاديمية والأبحاث والكتب والدراسات الجامعية والأكاديمية الخاصة بها.ولكي يستطيع القائمون على هذه الكراسي والمراكز البحثية الاستفادة من جميع الطاقات المتاحة دون استنفاد جميع الموارد المالية، فيجب عليهم الاتجاه نحو مشاركة المعلومات مع جميع المهتمين بهذه الصناعة والعاملين بها عبر عقد ورش العمل وجلسات العصف الذهني مع السعي لإيجاد مواقع تفاعلية لها على الإنترنت ذات اتجاهين بحيث يجد فيها الباحث ضالته من المعلومات. كما يمكن للمهتم التفاعل مع القائمين على الكرسي أو المركز عبر الحوار وطرح المقترحات والشكاوى بصورة كتابية أو عبر ملء استمارات تمت صياغتها لهذا الغرض مع الحرص على عدم إهمال أي مقترح أو شكوى والتعامل بحضارية مع جميع المستخدمين للموقع.

والله من وراء القصد.

* مستشار في المصرفية الإسلامية