رئيس هيئة شرعية في أكبر بنك إسلامي يحرم «التورق» ويصفه بـ«الربا المستور»

الشيخ السلامي لـ «الشرق الأوسط»: من ينتقد قرار مجمع الفقه الدولي عليه التأدب مع العلماء

الشيخ محمد السلامي
TT

فجر رئيس هيئة شرعية لدى إحدى أكبر الدوائر البنكية الإسلامية، رؤية انتقادية جديدة في صناعة المصرفية الإسلامية حينما وصف «التورق» بأنه بات يشكل مشكلة كبيرة تورطت فيها البنوك الإسلامية مع استمرار الاعتماد عليه كمنتج رئيسي للتعاملات المالية الإسلامية.

وأفصح لـ«الشرق الأوسط» الشيخ محمد المختار السلامي أبرز علماء الاقتصاد الإسلامي ورئيس الهيئة الشرعية في مجموعة «البنك الإسلامي للتنمية» - أكبر بنك إسلامي في العالم والتابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي -، عن رؤيته بأن «التورق» يختلف عن الربا في شيء واحد. إذ يشير إلى أن المعاملة الربوية تقوم من نافذة واحدة، أما «التورق» فيقوم من نافذتين، مضيفا بالقول: «يقع البيع في شباك ويقع الشراء في شباك آخر فتصبح العملية إنما هي عملية صورية ورقية لا قيمة لها». وأضاف الشيخ السلامي: «التورق منهي عنه.. وأعتقد اعتقادا جازما أن التورق حرام، وأن التورق الذي يجري في البنوك حاليا هو عملية ربوية مستورة لأنها لم تقع من مكان واحد وإنما وقعت من مكانين، وهو قرار مجمع الفقه الإسلامي».

وشدد الشيخ السلامي على أهمية التقيد بما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي، وشدد على أنه «يجب التأكيد على أنه على من ينتقد مجمع الفقه الإسلامي أن يتأدب مع العلماء ومع المجمع نفسه».

وكان بعض المشايخ وأعضاء الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية قد أجازوا التورق، الأمر الذي شهد إسهابا من البنوك الإسلامية في الاعتماد على التورق لتوفير السيولة الفورية لطالبي التمويل من الأفراد والشركات.

فيما رأى مجمع الفقه الإسلامي الدولي في اجتماعه الذي عقد قبل عامين تحريم التورق، ودعا فيه المؤسسات والمصارف الإسلامية، إلى تشجيع القرض الحسن وإنشاء صناديق له، وذلك لتجنيب المحتاجين اللجوء إلى «التورق».

ويذهب مجمع الفقه الإسلامي في رؤيته إلى التشديد على ضرورة التزام المؤسسات المالية والمصارف الإسلامية باستخدام صيغ الاستثمار والتمويل المشروعة، وتجنب الصيغ المحرمة والمشبوهة، والالتزام بالضوابط الشرعية.

كما دعا عالم سعودي إلى إيجاد حلول شرعية حقيقية، والاستفادة من البدائل الكثيرة المتوافرة في فقه المعاملات، والاستعاضة بها عن «التورق» الذي تدعي الكثير من البنوك أنه متوافق من الشريعة الإسلامية.

ودعا الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي في محاضرة في غرفة تجارة الرياض العام الماضي، المصارف الإسلامية إلى العمل على إيجاد حلول شرعية حقيقية، والاستفادة من البدائل الكثيرة المتوافرة في فقه المعاملات، والاستعاضة بها عن «التورق»، الذي تدعي كثير من البنوك أنه متوافق مع الشريعة الإسلامية.

في الوقت الذي أجاز فيه عالم بحريني وهو الشيخ نظام يعقوبي عملية «التورق»، مستشهدا بجوازه لمنتج «التورق» الإسلامي أن الكثير لا يفرقون بين «التورق» المنظم وغير المنظم، وموضحا أن من يحرم «التورق» عليه تحريم كافة تعاملات البنوك الإسلامية، كالمرابحة والمضاربة والسلم وغيرها مما يعتبر تحايلا على الشريعة الإسلامية.

والمعروف أن الشيخ نظام يعقوبي قد احتل مرتبة متقدمة في قائمة أبرز العلماء العاملين في الهيئات الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية، وبات مطلبا لكثير من المؤسسات التي تعمل وفقا للشريعة الإسلامية.

وكان الشيخ يعقوبي قد أكد لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق، أن «التورق» جائز شرعا، وأن «كثيرا من الفقهاء أباحوا التعامل به»، مشيرا إلى أن كثيرين لا يفرقون بين «التورق» المنظم وغير المنظم. وأوضح يعقوبي أن من يحرم «التورق» عليه تحريم كافة تعاملات البنوك الإسلامية، كـ«المرابحة» و«المضاربة» والسلم وغيرها مما يعتبر تحايلا على الشريعة الإسلامية، مبينا أنه لا يمكن تحريم «التورق» دون بقية التعاملات المصرفية الأخرى، والحرمة إنما سببها «التنضيض».

ووصف الشيخ اليعقوبي قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي القاضي بتحريم التورق بـ«السقيم»، مؤكدا أن المجامع الفقهية تعمل بالبيروقراطية التي أصبحت تركز على الجانب السياسي أكثر من غيره.

وأضاف الشيخ أن نظام المجمع الفقهي لا يستمع إلى ملاحظات الباحثين قبل إصدار أي قرار، مؤكدا أن قرار تحريم «التورق» صدر قبل مناقشة الموضوع مع الباحثين الذين حضروا.

وبين يعقوبي أن المجمع الفقهي الإسلامي لم يناقش «التورق» بشكل مستفيض، وأن مثل هذه المواضيع وإصدار الأحكام حولها تستوجب مناقشة كافة علماء المسلمين والباحثين وطلاب العلم، وليس من المعقول أن يتم إصدار الأحكام هكذا.

وفيما يتعلق بالأوراق الصورية التي يتم تداولها داخل البنوك، بزعم أنها لمعاملات تتعلق بـ«التورق» ومبايعات، أوضح يعقوبي أن التورق له شروط معروفة، وفي حال تطبيقها، فلا يمكن تحريمها، وإن وجد بعض الملاحظات عند بعض البنوك، فلا يعني أن الجميع قد تحايل على الشريعة بموضوع «التورق».

في الوقت نفسه انتقد الدكتور يوسف القرضاوي العالم المعروف في الشريعة الإسلامية تغليب المصارف الإسلامية الاعتماد على «المرابحة» وتغييب الكثير من مكونات صناعة المصرفية الإسلامية الغزيرة التي تقوم على المشاركة والمضاربة والتجارة والإجارة والمعاملات الإسلامية.

وقال القرضاوي لـ«الشرق الأوسط» في حديث سابق الشهر الماضي، إنه غير راض عن المصارف الإسلامية، لأنها قامت لتكون بديلا عن الربا والمعاملات المحظورة التي جلبت على المسلمين والعالم الشرور، مبينا أن البنوك الإسلامية قامت أساسا على أن البديل هو في المشاركة والمضاربة والبيوع والتجارة والإجارة والمعاملات الإسلامية الحقيقية وغيرها، لكنه عبر عن أسفه لأن المصارف الإسلامية أصبحت أسيرة «المرابحة».