الصكوك تحبط المتربصين بها

TT

«الصكوك تفقد بريقها في عيون المقترضين» «الخليجيون يعرضون عن الصكوك» عناوين تزينت بها صدور الصحف، مقتطفة من بعض التقارير المالية الصادرة حول هذه الأداة المالية الإسلامية. إن هذه العناوين توحي للقارئ لأول وهلة بأن الصكوك كأداة مالية لم تعد مرغوبا فيها، وكأن في الأمر خيرة للمستثمرين والمصدرين المسلمين، بين أن يأخذوا بالصكوك أو السندات وقد غفل هؤلاء إما عن جهل أو تجاهل، عن الدافع الذي يدفع المصدرين والمستثمرين لاستخدام هذه الأداة، في العالم الإسلامي بوجه عام وفي الخليج على وجه الخصوص، ألا وهو رغبتهم في البعد عن الحرام والتقرب إلى الله بالحلال، وهو الدافع نفسه الذي يدفع بالصيرفة الإسلامية كصناعة للنمو واكتساح الأسواق الإسلامية، حتى أصبحت هي النمط السائد في بعض الأسواق مع ضعف الدعم الحكومي لها خلافا للصيرفة التقليدية، ولعل البعض يرد بأن ما تذكره لا يعدو أن يكون كلاما عاطفيا وهم يتحدثون بالأرقام، فهلا عززت ما تقول بالدليل والبرهان؟ وكما قال الشاعر: والدعاوى ما لم يقيموا عليها بينات فأصحابها أدعياء وهو اعتراض في محله وطلب لا تعز علينا إجابته ولله الحمد، حيث صدر تقرير بيتك للأبحاث ليرد وبالأرقام على كل من شكك في قدرة الصكوك على تجاوز الأزمة التي مرت بها، فقد رصد التقرير نمو إصدارات الصكوك في عام 2009 و2010 وتوقع أن تحافظ سوق الصكوك على انتعاشها في عام 2010م بحيث تصل إصدارات هذا العام إلى 30 مليار دولار، في حين ذكر التقرير أن حجم إصدارات الصكوك بلغ 100 مليار دولار بنهاية عام 2009م، وهو ما يعني مساهمة الصكوك بنسبة 12% من مجمل أصول الصيرفة الإسلامية، وقد قدر التقرير نسبة النمو في سوق الصكوك في عام 2009م بنسبة 58.8% سنويا عن عام 2008م، وهو العام الذي شهد أزمة إخفاق بعض المصدرين في الوفاء بالتزاماتهم، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ثقة المستثمرين بها، مما ساعد في سرعة تعافي هذه الأداة من الأزمة ومن ثم عودتها سيرتها الأولى من النمو، فقد بلغت نسبة النمو في الربع الأول من عام 2010 م نحو 114%.

لقد قطعت جهيزة قول كل خطيب - كما يقول المثل العربي، فلم يعد بإمكان المشككين الصمود أمام هذه الحقائق الدامغة التي تدل على تجذر هذه الأداة في السوق المالية الإسلامية، وقناعة المستثمرين والمصدرين بها كأداة مالية إسلامية بديلة للسندات، لا تقل عنها كفاءة في الوفاء بمتطلباتهم المالية، كما أن هذه الأرقام تدل على مدى تمسك المجتمعات المسلمة بالصيرفة الإسلامية والوفاء لها، على اعتبار أنها جزء من دينهم يتقربون إلى الله بالأخذ بها في معاملاتهم المالية، وليست خيارا تسويقيا كما يريد لها البعض أن تكون، ومن ثم فإن المجتمع خصوصا في الخليج، يضغط على صانعي القرار نحو تبني هذه الأداة المالية في التمويل والاستثمار، ومن هنا نجد أن مساهمة الصناديق السيادية تزداد يوما بعد يوم في صناعة الصيرفة الإسلامية ومنها الصكوك، على الرغم من عدم الاعتراف بهذه الصناعة قانونيا في بعض الدول، كما أننا نلمس أثر هذا الضغط المجتمعي في توجه الكثير من الشركات الحكومية وشبه الحكومية وشركات القطاع الخاص خصوصا المدرجة في السوق، لتفضيل المنتج المالي الإسلامي على التقليدي، والأمثلة على ذلك كثيرة لا يسع المجال لذكرها. لقد أحبطت الصكوك المتربصين بها، بنجاحها في اجتياز امتحانها الأول بامتياز.

* مستشار في المصرفية الإسلامية