دراسة تكشف أن التمويل الإسلامي يوسع قاعدة المشاركة في ملكية المشاريع والتكامل

د. حامد ميرة معد الدراسة يؤكد أنه يدعم المستثمرين ويترك أثرا إيجابيا في بناء الاقتصاد

TT

كشفت دراسة صدرت مؤخرا عن المصرفية الإسلامية أن التمويل الإسلامي يعمل على توسيع قاعدة المشاركة في ملكية المشاريع وتكامل رأس المال، وذلك بعد أن ذهبت الدراسة إلى أن عقود التمويل المستجدة لم يتم عرضها في عصر التشريع، الأمر الذي أدى إلى تعديل الحكم فيها لما طرأ عليها من تغير.

وتوصل الباحث الدكتور حامد ميرة في دراسته «عقود التمويل المستجدة» إلى أن التمويل الإسلامي القائم على العقود الشرعية، من مضاربة ومشاركة واستصناع وسلم وإجارة وغيرها، والمراعى فيها تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية وغاياتها، يساعد على توسيع قاعدة المشاركة في ملكية المشاريع، ما يترتب عليه دعم الصغار والكبار في آن واحد وبالتالي يكون له الأثر الإيجابي في بناء الاقتصاد برمته.

وكانت قد تناولت الدراسة بجانب ذلك، المرابحة بربح متغير، وأحد المنتجات البديلة لتمويل المتاجرة في الأسهم بالهامش، بالإضافة إلى منتجات شراء المديونيات في المصارف الإسلامية والتأجير المنتهي بالتمليك بأجرة متغيرة، وأحد المنتجات البديلة للتوريق، وأحد أبرز مستجدات الصكوك، «صكوك الحقوق المعنوية» ومنتجات بديلة للسحب على المكشوف، ومنتج السلم والاستصناع بسعر السوق يوم التسليم، بالإضافة إلى دراسة ثلاثة أنواع من بطاقات الائتمان ذات الدين المتجدد.

وفي ما يتعلق بأنواع عقود التمويل المصرفي من حيث موافقتها لضوابط العقود في الشريعة الإسلامية، توصل الباحث إلى أن «عقود التمويل المستجدة» هي عقود التمويل التي أحدثت مما لم يكن في عصر التشريع، أو عقود التمويل التي تغير موجب الحكم فيها، نتيجة لما طرأ عليها من تغير، أو عقود التمويل الحديثة التي تكونت وتركبت من عقود شرعية عدة.

كما توصل الباحث في دراسته إلى أن التمويل الإسلامي القائم على العقود الشرعية، من مضاربة ومشاركة واستصناع وسلم وإجارة وغيرها، والمراعى فيها تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية وغاياتها، يساعد على توسيع قاعدة المشاركة في ملكية المشاريع، وتكامل رأس المال - الممول - مع أصحاب الأفكار والمهارات والمشاريع الممولة، ما يترتب عليه دعم الصغار والكبار في آن واحد وبالتالي يكون له الأثر الإيجابي في بناء الاقتصاد برمته.

وقال ميرة في دراسته التي جاءت تحت عنوان «عقود التمويل المستجدة في المصارف الإسلامية - دراسة تأصيلبية تطبيقية»، إن أساليب التمويل في الشريعة الإسلامية ترتبط ارتباطا مباشرا بالنشاط الحقيقي، فالسلم والاستصناع والإجارة والمشاركة والمضاربة وغيرها من الصيغ الإسلامية، تتضمن التمويل بصورة لا تنفك عن النشاط الحقيقي، بل إن التمويل الإسلامي خادم وتابع للبيوع والعقود والأنشطة الحقيقية.

وأوضح الباحث أن من جوانب التميز في التمويل الإسلامي الأساس الأخلاقي، الذي يتجلى في صور عدة تغيب عن التمويل التقليدي، ومنها وجوب إنظار المعسر والحث على إسقاط دينه، ومنها تحريم الظلم والغبن والتغرير والعقود في عقود التمويل الشرعية.

وفي ما يتعلق بالعقود المستجدة في التمويل بالمرابحة، ترجح للباحث أن الوعد ملزم، سواء كان ملزما لطرف واحد أو طرفين، إنما يجوز في المواضع التي يجوز فيها العقد، ويحرم في المواضع التي يحرم فيها العقد، وعليه برأي الباحث لا يجوز الوعد الملزم على صرف العملات مع تأجيل العوضين، لأن التعاقد على ذلك محرم لأنه من «ربا النسيئة».

كما يرى الباحث أنه لا يجوز في «عقد الأمر للشراء»، لا للمصرف ولا للعميل، أحدهما أو كليهما، أن يعد وعدا ملزما ببيع عين أو شرائها ولما يملكها المصرف بعد لأنه يكون من بيع ما لا يملك، ومن التعاقد على المعدوم، فضلا عما يعتري ذلك من شبهة شرعية. إلا أن الأمر في التأجير المقترن بوعد التمليك مختلف، إذ إن المؤجر مالك للعين المؤجرة، فوعده بتمليكها للمستأجر وعد ملزم عند انتهاء عقد الإجارة لا يترتب عليه محظور.

وزاد الباحث أن الأصل في الغرر التحريم وأنه إذا داخل العقد أفسده، إلا أنه من الأهمية بمكان تقرير أنه ليس كل غرر كذلك، وأن منه المؤثر وغير المؤثر، كما أن نهي الشارع عن بيع الغرر ليس المراد به مطلق الغرر، إذ لو كان ذلك مرادا لوقعت الأمة في حرج، بل لحرمت جملة كبيرة من العقود، إذ إن كثيرا من المعاملات قديمها وحديثها يخالطها الغرر ويعتريها بوجه من الوجوه.

وفي هذا الإطار اجتهد الباحث في تلمس ما يمكن أن يعد بمثابة الضوابط التي تعين في التفريق بين المؤثر من الغرر وغير المؤثر منه، موضحا أن أهم هذه الضوابط التي يلزم اجتماعها للحكم على الغرر بأنه مؤثر، ويؤول بالعقد الذي يشتمل عليه إلى تحريم، أن يكون الغرر كثيرا، وأن يكون الغرر في المعقود عليه أصالة، وأن لا تدعو إلى العقد المشتمل على الغرر حاجة، وأن لا يكون الغرر آيلا إلى العلم على وجه ليس فيه ربح لأحد العاقدين وخسارة للآخر المؤدي إلى الشقاق والنزاع.

ومع أن بعض أهل العلم ذهب للتفريق بين بعض صور الجهالة والغرر المحرمة والأخرى الجائزة من خلال القول: «ما كان من صور الجهالة والغرر آيلا إلى العلم فإنه جائز، وما لم يكن فإنه محرم»، إلا أن الباحث يرى أن هذا الضابط غير مانع، مستدلا بمثال بيع الحصاة، فإن الثوب أو السلعة التي وقعت عليها الحصاة أصبحت معلومة بعد سقوط الحصاة عليها، ومع ذلك لم تكن الأيلولة كافية لنقل العقد من التحريم إلى الإباحة.

ومع ذهاب بعض أهل العلم للتفريق بين الغرر المحرم وغيره، إلى القول بأن ضابط الغرر والجهالة الجائزة غير المؤثرة، «ما يؤول إلى العلم على وجه لا يؤدي إلى الشقاق والنزاع»، إلا أن الباحث يعتقد أن الممحص لهذا الضابط، والمتأمل في أثره في الخلاف، يجد أنه ضابط يحتاج إلى ضابط، إذ برأيه لا يستقيم جعله معيارا، وذلك لعدة أسباب، منها أن العقول والأفهام تختلف في ما يؤدي إلى الشقاق والنزاع، وما لا يؤدي إلى ذلك. كذلك من هذه الأسباب بحسب الباحث أن الأيلولة إلى الشقاق والنزاع أو عدمها نتيجة وعاقبة ومآل لا يعلم عن العقد، فلا يصح جعله ضابطا، ثم إنه عند الخلاف في حكم مسألة من المسائل لتقدير إن كانت هي من الغرر المؤثر أم لا، مشيرا إلى أن المحرم سيدعي أن ما في هذه المسألة من غرر أو جهالة سيؤول إلى النزاع بينما المبيح ينفي ذلك، فيكون الضابط المذكور لا فائدة له عند الاختبار، ثم إن عدم الصيرورة إلى النزاع أو الشقاق حكمه النهي عن الغرر والجهالة لا علته.

وقال: «لا يكفي عند بيان حكم العقود والمنتجات البنكية المركبة، النظر إلى آحاد عقودها وخطواتها، بل إن المتعين عند دراسة الحكم الشرعي لهذه العقود المستجدة المركبة النظر في آحاد عقودها، وما تشتمل عليه من مسائل كل على حدة، والتأكد من جوازها ومطابقتها للأدلة الشرعية ثم النظر في المنتج في صورته المركبة المتكاملة، باعتباره منظومة عقدية مترابطة، والتأكد من استجماعه للضوابط الشرعية وانتفاء الموانع عنه، وتحقيقه لمقاصد الشريعة وقواعدها».

وأكد الباحث أن الأصل في عقد المرابحة أن يكون رأس المال والربح فيها محددا بمبلغ ثابت مقطوع في مجلس العقد، إلا أن الباحث قد بحث حكم كون رأس المال محددا في مجلس العقد، وأما مقدار الربح فيتفق العاقدان في المجلس على ربطه بمؤشر منضبط عام العلم به في آجال مستقبلية محددة، وفق آلية محددة، وهو ما يسمى بـ«المرابحة بربح متغير».

وأوضح أنه يتم تطبيق المرابحة بربح متغير في الواقع العملي في المصارف عبر آليات عدة، أبرزها أن يتفق العاقدان على سداد المتمول لأصل الدين بأكمله في نهاية المدة التي يتفقان عليها، بينما يدفع المتمول في مواعيد دورية محددة «سنوية، أو نصف سنوية، أو ربع سنوية» طوال مدة المديونية مقدار الربح فحسب، والذي يتحدد بناء على مقدار المؤشر المتفق عليه.

كما لا بد أن يتفق العاقدان على سداد المتمول أصل الدين في أقساط دورية محددة «سنوية، أو نصف سنوية، أو ربع سنوية» موزعة على كامل مدة المديونية، ويضاف إليه دفع الربح على الجزء القائم غير المسدد من أصل الدين فحسب، والذي يتحدد بناء على مقدار المؤشر المتفق عليه.

وبحسب الدراسة فإن المعاصرين اختلفوا في حكم المرابحة بربح متغير على قولين. وترجح للباحث رجحان القول بجواز «المرابحة بربح متغير» شريطة اشتمال العقد على بيان آلية تحديد أقساط الثمن وآجال حلولها بشكل واضح ينفي عنها الجهالة، وأن يحدد العاقدان في مجلس العقد معيارا أو مؤشرا منضبطا لا يستقل العاقدان بعلمه، ولا يتطرق النزاع بينهما في تحديده، ويكون هو المرجع في تحديد أقساط الثمن المؤجلة، على أن يكون اتفاق العاقدين عند التعاقد على سقف أعلى وسقف أدنى لمقدار التذبذب المقبول في مقدار أقساط الثمن الآجل، بالإضافة إلى تحديد مقدار أي قسط من أقساط الثمن الآجل، ثم حل أجله. «فلا يجوز بحال أن تفرض على المدين زيادة في الدين نظير التأجيل أو التأخر في السداد، سواء أكانت تلك الزيادة مبلغا ثابتا أم متغيرا، وسواء أكان منصوصا عليها في العقد أم اتفق الطرفان عليها لاحقا». وقال الباحث إن من أبرز المنتجات التي طبقت في المصرفية الإسلامية للوصول إلى المرابحة ذات الربح المتغير: منتج المرابحة المدارة، أو المرابحة المدورة.

ومن ناحية أخرى قال الباحث إن من أبرز بدائل تمويل المتاجرة في الأسهم بالهامش التي طبقتها المصارف الإسلامية هو منتج «تمويل المتاجرة في الأسهم بالهامش عبر عقد المرابحة»، الذي تشتمل هيكلته على جميع آليات منتج المتاجرة بالهامش التقليدي وخصائصه الفنية مثل: إجراءات فتح محفظة المتاجرة بالهامش، وتحديد الحد الأدنى للهامش، وهامش الوقاية، ورهن المحفظة، وآلية تسييلها، إلا أن الفارق الرئيسي بين هذا البديل والمنتج التقليدي هو تمويل السمسار للمستثمر من خلال عقد المرابحة للآمر بالشراء.

وهنا رجحت الدراسة لحكم أربع مسائل ينبني عليها حكم المنتج، وهو جوازه في صورته المركبة المتكاملة شريطة استجماعه لضوابط شرعية عدة، منها أن تستجمع عقود بيع الأسهم بالأجل شروط صحة عقد البيع وتنتفي عنها موانعه، ومن أهم ما يؤكد عليه في ذلك: تحقق العلم بالمبيع، وذلك بتحديد عدد الأسهم المبيعة في كل شركة، وتحديد ثمنها، وأجل سداد دينها، وأن تكون جميع الأسهم التي تحويها محفظة المتاجرة في الأسهم بالهامش مباحة ومستجمعة للضوابط الشرعية للأسهم.

وقال الباحث إنه إذا سيل البنك المحفظة الاستثمارية للعميل وباع موجوداتها من الأسهم المرهونة - أو بعضها - فيجب أن يتم تنفيذ ذلك بسعر السوق، وأن لا يكون ذلك على وجه فيه ضرر ظاهر وبالغ على المستثمر وعلى الاقتصاد برمته، كالأزمات الاقتصادية الطارئة وانهيارات الأسواق، إذ إن من المقرر في القاعدة الفقهية الكبرى أن «لا ضرر ولا ضرار»، مع عدم اشتمال صفقات المتاجرة في الأسهم التي ينفذها المستثمر على التغرير والنجش، والغش والخداع، والاحتكار والتلاعب والتضليل.

وبالنظر إلى مقاصد الشريعة في المال ومقارنة ذلك بحقيقة منتج المتاجرة في الأسهم بالهامش، وما ذكره بعض الاقتصاديين من آثاره السلبية فإن الباحث يرى أن المجازفات (المضاربات) في الأسواق المالية ليست الخيار الاستثماري الأمثل الذي ينبغي تشجيعه، فضلا عن دعمه بالديون، وعليه فالأولى تحجيم هذا المنتج ومعالجة آثاره السلبية بوضع جملة من الضوابط والمعايير.

والدور الأكبر في هذا السياق بحسب الباحث يقع على عاتق الجهات الحكومية المنظمة والمراقبة للأسواق من خلال تقدير المصلحة في ذلك، وعدم السماح بنمو المضاربات والمجازفات بشكل ضار بالأسواق، فضلا عن إدارة حجم التمويلات التي تقدمها البنوك والمؤسسات المالية لأنشطة المضاربة في الأسواق المالية مقارنة بحجم التمويلات التي توجه للتنمية الاقتصادية الحقيقية من صناعة وزراعة وتجارة ذات القيمة المضافة والآثار الإيجابية على الفرد والمجتمع، فضلا عن اتخاذ خطوات عملية تحمي آحاد المستثمرين من التورط في حبائل القروض والتمويلات الكبيرة التي تفوق قدراتهم على السداد التي يجذبهم إليها السعي خلف سراب الثراء السريع.