دراسة: تردي الخدمات وغياب المنتجات عائقان أمام عملاء المصارف الإسلامية

دعت إلى ملاحقة التطورات التشريعية والتمويلية والتقنية في الأسواق والصناعة المالية

TT

كشفت دراسة في المصرفية الإسلامية عن انخفاض الإقبال على خدمات المصارف الإسلامية، مؤكدة أن تحول بعض العملاء لبنوك أخرى يعود إلى تردي جودة الخدمات المطلوبة في غياب المنتجات المصرفية الإسلامية المطورة. وبين نواف أبو حجلة، الخبير في المصرفية الإسلامية، وجود رغبة وحاجة للخدمات المصرفية الإسلامية لدى العديد من عملاء البنوك حتى من غير المسلمين، إلا أن نوعية وأسلوب تقديم الخدمة هي من الأسباب التي تقف عائقا أمام العملاء في التعامل مع المصارف الإسلامية. ودعا أبو حجلة معد الدراسة إلى ضرورة تنويع أساليب تقديم الخدمة المصرفية وعدم الجمود تجاه متطلبات الرفاهية في القطاع الخدمي والتركيز على تقديم الخدمة بشكلها المدعم، بالإضافة إلى ملاحقة التطورات التشريعية والتمويلية والتقنية في الأسواق المالية والصناعة المالية عموما وسرعة الاستجابة لأساليب الاستثمار في السوق.

وكانت قد أظهرت دراسة مسحية أخرى أجرتها شركة «إرنست أند يونغ» بعنوان «الخدمات المصرفية للأفراد: التنافس على العملاء»، إلى عدم الرضا عن الخدمات المصرفية المقدمة من قبل البنوك، حيث أشارت الدراسة إلى أن 25 في المائة من عملاء البنوك العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي نقلوا بالفعل أو يخططون لنقل حساباتهم إلى بنوك أخرى خلال العام الجاري وأن 10 في المائة آخرين قد قاموا بالفعل بعملية نقل حساباتهم إلى بنوك أخرى.

وفي هذا السياق، يرى أبو حجلة أن نتائج هذه الدراسة أوضحت أن سبب تحول بعض العملاء لبنوك أخرى يعود إلى تردي جودة الخدمات بنسبة 23 في المائة، وغياب المنتجات المصرفية الإسلامية بنسبة 21 في المائة.

وأوضح أن مطالبة 34 في المائة من عينة الدراسة بتوفير المزيد من الخدمات المصرفية الإسلامية، يشكل أحد أبرز المجالات التي تحتاج إلى أكبر قدر من التحسين. ونبه إلى أن الدراسة أظهرت أن عملاء الخدمات المصرفية الإسلامية لا يحصلون على ما يكفي من سرعة في إنجاز المعاملات، ونوعية الخدمات، والابتكار من مصارفهم، وهي أكثر أو أقل في القطاعات سريعة النمو، ولكنها تمثل أيضا فرصة للمصارف الإسلامية على التكيف ورفع مستوى تلبية متطلبات العملاء المتزايدة.

وأشار إلى أن 83 في المائة من المتعاملين مع المصارف الإسلامية ترى أن سرعة إنجاز المعاملات مهمة للغاية، مقارنة مع 70 في المائة من مجموع المستطلعين، بينما أشار 78 في المائة منهم إلى أهمية خدمة العملاء بالنسبة له.

وبناء على ما سبق أكد الخبير المصرفي أن نوعية وأسلوب تقديم الخدمة هي من الأسباب التي تقف عائقا أمام العملاء في التعامل مع المصارف الإسلامية، مشيرا إلى أن وعي المستهلك نجم عنه عدد من التحديات، أهمها، ازدياد حدة المنافسة، بالإضافة إلى المتطلبات التقنية والقانونية.

وقال: «مع بروز التطور النوعي في الأنظمة المصرفية، بلغ معظم الخدمات المصرفية المقدمة مرحلة النضوج، مما أدى إلى تشابه الخدمات المقدمة، ربما بتعبير مختلف وبشكل مختلف، مع احتوائه على نفس المضمون». وأضاف: «هذا النضوج وضع أطرا جديدة للمنافسة بين المصارف، وبالتالي ظهر مفهوم جودة الخدمة المصرفية، كأحد أهم المجالات التي يمكن أن تتنافس المصارف فيما بينها من خلاله، مما يعني توجه عملاء المصارف في طلب الخدمات المصرفية ليس فقط لمجرد المضامين التسويقية التي يحصل عليها من تلك الخدمة، وإنما لما تتصف به تلك المضامين من قيم رمزية يبحث عنها العميل وتشكل له جودة أفضل».

وزاد الخبير المصرفي أنه ضمن هذا السياق ظهرت مجالات للتمايز في تقديم الخدمات المصرفية وهو ما يشكل مفهوما لجودة الخدمات المصرفية مثل، خدمة وحسن استقبال العملاء، سرعة الإنجاز، السرية في التعامل، أسلوب تقديم الخدمة. وأشارت الدراسة إلى أنه على المصارف الإسلامية التزود بالمعلومات الضرورية التي تمكنها من معرفة مستوى الخدمات المقدمة لعملائها من وجهة نظرهم، وليس من وجهة نظر المصرف، للتمكن من تلافي النواقص ومعالجة الخلل وذلك بتحسين نوعية الخدمات وترشيد القرارات التي تتخذها الإدارة، بما يسهم في احتفاظ المصارف بعملائها الحاليين، وجذب عملاء جدد، مع ما يؤدي إليه ذلك من نتائج إيجابية على مجمل أداء البنوك الإسلامية». وفي هذا الإطار يعتقد الخبير المصرفي، أن نجاح المصارف الإسلامية يكمن في تصميم خدماتها المصرفية بما يتناسب واحتياجات عملائها خلال العقدين الماضيين، بالإضافة إلى نمو عدد فروع البنوك الإسلامية في العالم، والتركيز على مفاهيمها كعامل جاذب ومؤثر في الصناعة المصرفية، وبالتالي فإن قياس أداء المصارف الإسلامية، وتقويم فاعليتها، واختبار جودة خدماتها، وتلمس واكتشاف جوانب القصور فيها، يعد إحدى السبل المهمة للرقي، والتطوير، والنهوض، من أجل تحقيق أهداف التنمية والمساهمة الفاعلة في الاقتصاد الوطني. وأضاف: «لذا فإن هناك ضرورة لقياس جودة الخدمات المصرفية، من وجهة نظر عملائها وتحديد أبعادها، ومحاولة معرفة توجهات العملاء نحو الخدمات المصرفية الإسلامية، وذلك لتصويب قرارات إدارات البنوك الإسلامية لتطوير وتحسين خدماتها بما يسهم في تطوير أعمال هذه المصارف». وزاد أن الخدمات المصرفية الإسلامية مع تطورها مع الزمن فإنها لم تسلم من الانتقادات من قبل العديد من عملائها، لذا فإن قياس جودة الخدمات التي تقدمها البنوك الإسلامية من خلال دراسة علمية ميدانية أصبح مطلبا مهما، وذلك لتلمس جوانب القصور والضعف في هذه الخدمة.

ومن ناحية مبدئية يرى أبو حجلة، أن المصارف الإسلامية إذا ما استمرت في دراسة مستوى الخدمات المقدمة لعملائها والعمل على تلافي الثغرات فإن ذلك سيزيد من حصتها في السوق المصرفية. وعزا استمرار تعامل عدم الراضين عن الخدمات، بسبب المعطى الديني أو بسبب التزامهم بالتعامل مع البنوك الإسلامية، كون أن المؤسسات التي يعملون بها توطن رواتبهم لديها، مستدركا أن عدم الرضا، يؤثر على تفاعل العميل مع الخدمات، وبالتالي يصبح تعامله مقتصرا على الحد الأدنى من الخدمات، مما ينعكس على ربحية المصرف، بالإضافة إلى سهولة تحول العميل إلى مصرف آخر عندما تسنح له الفرصة. وقال: «بشكل عام فإن هناك انطباعا متدنيا من قبل عملاء البنوك الإسلامية عن الجودة الكلية للخدمات التي تقدمها المصارف الإسلامية مع محدودية القدرة التفسيرية للتغير في الجودة الكلية للخدمة المصرفية». ويعتقد أبو حجلة أن أفضل العوامل لتحسين نوعية الخدمات تتمثل في إيجاد أوقات دوام للبنك مناسبة لعملاء المصرف، وحسن استقبال وحسن توجيه العميل بالوقت المناسب، وسمعة جيدة للموظفين، وتحليهم بأخلاق وأدبيات، ومعرفة بأصول التواصل، بالإضافة إلى ضرورة دقة ووضوح كشوفات البنك المقدمة للعملاء، ومن ثم تقديم خدمات جيدة في مجال استفسار وأسئلة العملاء، وبالتالي إعطاء أهمية كبيرة لسرية معاملات العملاء. ورغم وجود انطباع إيجابي عن جودة الخدمات المصرفية الإسلامية في الجوانب المادية الملموسة والتفاعل والتجاذب، فإن أبو حجلة يرى أن هناك حاجة بنفس درجة إرضاء العملاء في إطار الإمكانية والثقة، مما يؤكد أن على المصارف الإسلامية أن تحث الخطى للعمل على تحسين هاتين الناحيتين في مجال تقديم الخدمة. وبشكل عام اقترح الخبير المصرفي، عددا من التوصيات التي يمكن الأخذ بها لرفع كفاءة وتحسين الخدمات التي تقدمها المصارف الإسلامية ومنها، ضرورة الاستعانة بالأساليب والتوجهات التسويقية الحديثة في التعامل مع العملاء لتطوير الخدمات المصرفية الإسلامية، بالإضافة إلى تفصيل الخدمة حسب نوعية العملاء بشكل يتناسب مع المضامين الديموغرافية والتقليدية للعملاء، ويمكن من خلالها استهداف وتجزئة السوق وتوجيه الأنشطة التسويقية المناسبة لكل فئة. كما اقترح تطوير التكنولوجيا المستخدمة في تقديم الخدمات، وعلى سبيل المثال العمل على نشر عدد أكبر من أجهزة الصراف الآلي، إضافة إلى استمرار مراقبة توفر النقدية الكافية لهذه الأجهزة وكذلك مراقبة الأعطال التي تحصل لهذه الأجهزة بهدف تأمين تشغيلها باستمرار، بالإضافة إلى الاستجابة السريعة وتلبية مطالب العملاء كعوامل تؤثر في جودة الخدمات المصرفية.

ودعا إلى تكثيف الدراسات التي تعنى بمعرفة خصائص توجهات المجتمع والبيئة الاجتماعية التي يوجد بها المصرف، وخاصة الفئات التي يكون لديها ميل أكبر للتعامل مع المصارف الإسلامية، بما يساعد في تصميم برامج مصرفية ملائمة لكل فئة من العملاء، بجانب الاهتمام بالجوانب المادية للمصرف كالمباني الحديثة والمكان المنظم المريح، وهذه العوامل لها أثر كبير في نظر العملاء عند تقويم جودة الخدمة. ونادى الخبير بضرورة وضع استراتيجيات لتطوير الخدمات المصرفية الإسلامية لمواجهة تحديات المنافسة من المصارف التقليدية على صعيد وطني، بالإضافة إلى المنافسة العالمية في الصناعة المصرفية خاصة في ظل ظروف التحاق كثير من الدول الإسلامية والعربية بمنظمة التجارة العالمية.

ويرى أبو حجلة أن الاهتمام بالعنصر البشري، يمثل واجهة مهمة للمصرف، بجانب ضرورة الاهتمام ببرامج التدريب وإعادة التدريب والتأهيل في مجال العمل المصرفي الإسلامي، لوجود ضعف لدى العاملين في المصارف الإسلامية في مجال أدائهم في تقديم الخدمات.

من جهة أخرى يعتقد أبو حجلة أن أهمية النشاط التسويقي في المصرف الإسلامي، تبرز من خلال الطبيعة المميزة لهذا المصرف، ومنها أهمية توظيف أمواله عن طريق الاستثمار والتمويل «المشاركة بالربح والخسارة»، مؤكدا أن المصارف في حاجة ماسة نحو التجديد والابتكار في إطار الشريعة الإسلامية، حيث إن العديد من الفرص الاستثمارية المتاحة للمصارف التقليدية غير متاحة لها بسبب الالتزام بالضوابط الشرعية.

وأوضح أن اللانمطية التي تميز أساليب التمويل الإسلامية المختلفة، جديرة بأن تقنع العملاء، مع أهمية تحمل المصرف الإسلامي مسؤولية تسويق الخدمات التكافلية لإثراء الجانب الاجتماعي والإيجابي في حياة الأفراد والمجتمع.

وقال «إن تغيير صورة المصرف في أذهان المتعاملين يجب أن يسبقه تغيير فعلي في السياسات والإجراءات التي أدت إلى تكوين هذه الصورة في الوقت الذي تتبنى فيه المصارف التقليدية سياسات تسويقية واستراتيجيات ترويج مستمر ومشاركة إيجابية مع المجتمع المحيط». وتابع «نجد المصارف الإسلامية تعتمد على الجهود الفردية للترويج والتسويق الموسمي غير الممنهج، وما يرى مجرد لافتات لا تحمل أي مضمون بل وربما قام عليها أشخاص غير أكفاء، وهو ما من شأنه فشل المصرف في مجاراة المصارف التقليدية في الترويج والتسويق وإدارة العلاقات العامة مع المجتمع المحلي».

وللتغلب على هذه الصورة النمطية، فإنه لا بد من استحداث دائرة مختصة بالتسويق تعمل مع الطاقم الوظيفي كله على تحقيق أهداف المصرف وتنسق جهود العاملين فيه وترسم الخطط الاستراتيجية، آخذين بعين الاعتبار تضمينها عددا من العناصر المهمة، ومنها، نشر الوعي بعمليات الصيرفة الإسلامية لدى الجمهور والمساهمة في توجيه الرأي العام نحو التعامل بها.

وأوصت الدراسة بإجراء بحوث السوق التي تعنى بمسح السوق وتحديد الجمهور المستهدف لأن البداية الصحيحة للتسويق ترتكز على المعلومات الدقيقة عن آراء الجمهور المستهدف، مع الاستمرار في عمليات الرقابة والتصحيح للعمل المصرفي الإسلامي وتجنب السلبيات وتحييدها وتعظيم الإيجابيات والتركيز عليها.

وقال «يمكن إجراء استبيانات قياس رضا العملاء بين فترة وأخرى وسؤال هؤلاء العملاء عن مستوى توقعاتهم تجاه المصرف ومدى تلبيته لطموحاتهم وأين يمكن إجراء التحسينات وما هي حاجات هؤلاء العملاء وكيف يمكن تلبيتها؟».

وأكد على ضرورة أخذ المنافسة بشكل جاد وعدم الركون إلى فطرة التدين عند العامة، مع الأخذ بعين الاعتبار دخول جهات إقراض غير المصارف التقليدية تتعامل بأساليب الإقراض الإسلامية من بيوع مرابحة وإجارة منتهية بالتمليك وغيرها، كما هو الحال في مؤسسة تنمية أموال الأيتام، وصندوق توفير البريد ، وشركات تمويل جديدة ظهرت على الساحة، لإبراز المزايا التي تقدمها المصارف التقليدية وجهات الإقراض الأخرى لعملائها. وأضاف الخبير المصرفي إلى ذلك العمل على كسب تأييد العملاء الداخليين «موظفي المصرف» من خلال تعظيم المنافع والمكاسب للموظفين على قاعدة أن العمل في المصارف الإسلامية خدمة للإسلام، مع إنتاج النشرات والكتيبات والتقارير الخاصة ومواد الاتصال المصورة والدوريات، للتعرف على السياسات والإجراءات الضابطة للمنتجات وذلك لتعزيز شرعية المعاملات المصرفية المتوافقة مع أحكام الشريعة.

ودعا إلى ضرورة تنويع أساليب تقديم الخدمة المصرفية وعدم الجمود تجاه متطلبات الرفاهية في القطاع الخدمي والتركيز على تقديم الخدمة بشكلها المدعم، بالإضافة إلى ملاحقة التطورات التشريعية والتمويلية والتقنية في الأسواق المالية والصناعة المالية عموما وسرعة الاستجابة لأساليب الاستثمار التي تظهر في السوق، بحيث ألا يكون بشكل متأخر. وأوصت الدراسة بضرورة تطوير وتنويع الخدمات في المصرف الإسلامي بما يحقق المنافع من وجهة نظر العملاء والمستفيدين منها وتوزيعها على العملاء بالصورة المناسبة وتطوير أسلوب المعاملات المالية من خلال تنمية المزيج المقدم للخدمات المصرفية بتعميقه وتوسيعه وتنويعه، مع ضرورة تبني رسالة ترويجية للبنك وصياغتها بوضوح وشمولية ودقة ومصداقية.