إعادة صياغة المشتقات المصرفية تضيق الخناق على نمو المؤسسات المالية الإسلامية

خبراء يؤكدون أن التوسع غير المنضبط يرمي بالمصرفية الإسلامية في الشبهات ويزعزع الثقة فيها

TT

حذر خبراء في المصرفية الإسلامية من الاندفاع نحو ممارسة نوع من الجراحة المصرفية على المشتقات، ما لم يستصحب في ذلك دراسة متأنية للقواعد الجديدة التي تزمع بعض المؤسسات المالية الإسلامية في أنحاء مهمة من مراكز صناعة المصرفية الإسلامية، استخدامها لمعالجة صياغتها، سعيا لتنظيم المشتقات.

وأكد الخبراء أن إقدام بعض المؤسسات المالية، دون التأكيد على فعالية القواعد المستحدثة في معالجتها للعلل الرئيسية في تعاملات المشتقات أو خلوها مما يتعارض مع الشريعة الإسلامية، ستكون عاقبته وخيمة على وضع وواقع ومستقبل المصرفية الإسلامية.وقال الخبراء، إن «القول بعدم جواز تلك القواعد المستحدثة، أو تقبلها كأدوات دون النظر فيها ومن ثم تطويرها بعناية من قبل جهات متخصصة، لا يخدم المصرفية الإسلامية»، مشيرين إلى ضرورة الحذر من تقديم مبررات لقبول هذه الصيغ التقليدية، كالمصلحة العامة أو الضرورة أو الحاجة، لأن هذه المفاهيم الشرعية المعتبرة برأيهم، لا تصلح لأن تكون مبررا لتقديم نفس المشتقات التقليدية المتعارف عليها بعد إضفاء بعض التعديلات الصورية عليها أو تكييفها قسرا على أنها عقود كعقود السلم والاستصناع. وأكدوا في نفس الوقت أن أي توسع غير منضبط قد يقحم المؤسسات المالية الإسلامية في مناطق الشبهات، والمحرمات، ما من شأنه أن يسبب هزة عنيفة في الثقة في المصرفية الإسلامية التي تشهد في الوقت الحالي الكثير من الجدل حيال بعض المنتجات الإسلامية الصريحة، يولد بموجبه إثارة تشكيكية حيال المصرفية الإسلامية، ما يجعل المشتقات المستهدفة بالتطوير في صدام الانتقادات، حتى مع المتعاطفين معها وهذا بدوره يجعلها في وضع هو أقرب إلى المضاربة منها إلى التحوط، وبالتالي يلفها شيء من الغموض المالي، موضحين أن ذلك سينعكس سلبا على نمو المؤسسات المالية الإسلامية.

وفي هذا السياق، قال الدكتور توفيق الطيب، خبير المصرفية الإسلامية لـ«الشرق الأوسط»: «من المعلوم أن أهم المشتقات المالية التقليدية تدور حول العقود المستقبلية وحقوق الاختيار والمبادلات المؤقتة»، موضحا أنها «سميت بالمشتقات لأنها تشتق قيمتها من أصل آخر موجود، سواء كان هذا الأصل أسهما أو سندات أو عملات أو بضائع».

وقال: «تقوم هذه العقود المشتقة في الغالب إما على تأجيل البدلين، وإما على بيع ما ليس عندك، وإما على الغرر أو المقامرة، وإما على الوعد الملزم من طرف واحد، أو على الفائدة المحرمة أو المضاربة، وربما جمع العقد بين أكثر من ذريعتين أو منهيين أو أكثر في وقت واحد».

وزاد الطيب أنه لما كانت العبرة في الشريعة الإسلامية للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني، فإن الحكم على هذه المشتقات الخاضعة للدراسة من قبل أكاديمية البحوث الشرعية الدولية للتمويل الإسلامي التابعة للبنك المركزي الماليزي ينبغي برأي الطيب ألا يصدر، إلا بعد دراسة هذه القواعد الجديدة التي يعمل على صياغتها لتنظيم المشتقات والتأكد من معالجتها لهذه العلل الرئيسية في تعاملات المشتقات أو خلوها مما يتعارض مع الشريعة الإسلامية.

وبعد ذلك، والحديث للطيب، يمكن القول بعدم جوازها أو تقبلها كأدوات تم تطويرها بعناية من قبل جهات متخصصة، مشيرا إلى ضرورة الحذر من تقديم مبررات لقبول هذه الصيغ التقليدية كالمصلحة العامة أو الضرورة أو الحاجة، لأن هذه المفاهيم الشرعية المعتبرة كما يعتقد الطيب، لا تصلح لأن تكون مبررا لتقديم نفس المشتقات التقليدية المتعارف عليها بعد إضفاء بعض التعديلات الصورية عليها أو تكييفها قسرا على أنها عقود كعقود السلم والاستصناع. وكانت أكاديمية البحوث الشرعية الدولية للتمويل الإسلامي التابعة للبنك المركزي الماليزي قامت على صياغة قواعد لتنظيم استخدام المشتقات بهدف تدعيم إطار إدارة المخاطر في هذا القطاع وإصلاح الصورة السائدة عن ضعف التزام البنوك بقواعد الشريعة الإسلامية.

ورأى بعض الخبراء في هذا التوجه التطويري الماليزي، للمصرفية الإسلامية، أنه قد يساعد على سد فجوة كبيرة في القطاع الذي يواجه صعوبة في إنتاج أدوات تحوط لا تشبه أدوات المضاربة وهي عقبة رئيسية قد تعرض البنوك الإسلامية لتقلبات كبيرة في أسعار الصرف وأسعار الفائدة. وبحسب «رويترز» فإن خبيرا كان قد رأى القواعد التي تضعها الأكاديمية الماليزية توضح الحدود التي يتعين على البنوك الإسلامية الالتزام بها لكي تضمن أن استخدام المشتقات يتوافق مع تحريم الإسلام للقمار.

وقال أشرف وجدي دسوقي، رئيس شؤون البحث في الأكاديمية عن المشتقات الإسلامية، إن المشتقات ما زالت أداة مثيرة للجدل رغم أن الأهداف التي استحدثت من أجلها هذه الأداة كانت واضحة ونبيلة للتحوط من المخاطر المحتملة بحسب ما نقلته «رويترز».

وتحظر صناعة التمويل الإسلامي التي يبلغ حجمها تريليون دولار الهياكل المصرفية الغامضة لتجنب الاستغلال، وهي قاعدة يقول بعض الخبراء، إنها تحول دون استخدام أدوات التحوط الشائعة مثل مبادلات أسعار الصرف وأسعار الفائدة والعقود الآجلة.

لكن بعض خبراء التمويل الإسلامي يقولون، إن المشتقات مسموح بها ما دامت تستخدم لمواجهة تقلبات أسعار الصرف والفائدة وليس للمضاربة.

وقال وجدي إن قواعد الأكاديمية التي يتعين أن يوافق البنك المركزي الماليزي عليها لتدخل حيز التنفيذ ستضمن استخدام البنوك الإسلامية للمشتقات للتحوط فقط عن طريق تقديم دليل على معاملة اقتصادية ترتكز عليها المشتقات. وأضاف أن القواعد ستتعامل أيضا مع المسائل القانونية والشرعية الناشئة عن الاستخدام الشائع لمفهومي الوعد والتورق لهيكلة المشتقات الإسلامية. ويستخدم الوعد غالبا كأساس للمشتقات الإسلامية، لكنه ليس ملزما إلا لطرف واحد وقد تنشأ صعوبات عندما يرغب طرف في إتمام الاتفاق بينما يرفض الآخر.

والمواعدة الثنائية محظورة لأنها ترقى إلى أن تكون عقدا قانونيا وهو ما يخالف قاعدة شرعية تستوجب إتمام مبادلات العملة بشكل فوري. وتابع: «إن قواعد الأكاديمية ستنظر في استخدام مواعدات غير مرتبطة تتضمن مجموعات مختلفة من الشروط لتفادي نشوء عقد قانوني. وإذا دخلت قواعد الأكاديمية حيز التنفيذ، فإنها ستطبق على البنوك الإسلامية العاملة في ماليزيا، مثل الأذرع الإسلامية لبنك (إتش إس بي سي) و(ستاندرد تشارترد) و(سيتي)، بالإضافة إلى بيت التمويل الكويتي وبنك (سي آي إم بي) ومصرف (الراجحي) السعودي».

وتأتي هذه القواعد الجديدة في الوقت الذي يسعى فيه المنظمون والبنوك الإسلامية للارتقاء بصورة الصناعة التي تأثرت بنزاع قانوني كبير بشأن التوافق مع الشريعة وتصورات عن عدم كفاية الرقابة.

وقال وجدي: «الهدف الرئيسي من وضع حدود للمشتقات هو تقوية نشاط الصناعة لكي تصبح عملية التوافق مع الشريعة بأكملها أكثر شفافية، وهذا سيؤدي في نهاية المطاف إلى الحد من عدم التوافق مع الشريعة ومخاطر سوء السمعة».

أما الخبير الاقتصادي والمصرفي فضل بن سعد البوعينين، فيؤكد أن غياب المنتجات والمشتقات المالية لإدارة المخاطر والتحوط المتوافقة مع متطلبات الشريعة يعطل نمو المؤسسات المالية الإسلامية، لأسباب مختلفة، إلا أن ذلك برأيه لا يسوغ الاندفاع نحو إقرار مشتقات إسلامية قد لا توفر المتطلبات الشرعية الكاملة، ما يدخل المؤسسات المالية الإسلامية في مخالفات شرعية صريحة.

وفيما يتعلق بأهمية التوسع في البحث عن هيكلة شرعية لمنتجات التحوط، يرى فيه البوعينين أمرا محمودا ومطلوبا، إلا أن الوصول إلى النتائج المرضية برأيه قد يكون عسير جدا، لأسباب فقهية، وهيكلية خاصة في الهندسة المالية الحديثة التي يصعب فهمها على كثير من خبراء المصارف التقليدية، فكيف بعلماء الشريعة، أو رجال الفقه الذين يغلب العلم الفقهي لديهم على الجانب المالي هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالمشتقات الشرعية، والحديث لأبو العينين، موجودة في الوقت الحالي إلا أنها محدودة، موضحا أن محدوديتها ترجع إلى الضوابط الشرعية التي لم تقبل بكثير من أدوات التحوط غير المتوافقة مع متطلبات الشرع، مؤكدا في نفس الوقت أن أي توسع غير منضبط قد يقحم المؤسسات المالية الإسلامية في مناطق الشبهات، والمحرمات.

وأضاف أنه في هذه الحالة، سيؤدي التوجه الأخير أيضا إلى هز الثقة في المصرفية الإسلامية التي تشهد في الوقت الحالي الكثير من الجدل حيال بعض المنتجات الإسلامية الصريحة.

وعن رأيه في إثارة مزيد من الجدل حيال المصرفية الإسلامية، يعتقد البوعينين أن ذلك ليس بالأمر المقبول في الوقت الحالي، ويعتقد أن المشتقات المستهدفة بالتطوير ستتعرض لكثير من الانتقادات، حتى من المتعاطفين مع المصرفية الإسلامية.

والسبب في ذلك يعود إلى أنها في وضع هو أقرب إلى المضاربة منها إلى التحوط، وأنها محاطة بكثير من الغموض المالي، مبينا أن ذلك أمر مشاهد في المشتقات التقليدية، «فكيف بالإسلامية التي لا تقبل إلا الوضوح التام في العقود وأطرافها؟».

ويعترف البوعينين بأن المشتقات المتوافقة مع الشريعة قليلة في الوقت الحالي، ولا تساعد على نمو المؤسسات المالية الإسلامية، إلا أن قلتها مع الشرعية الموثوقة، برأيه خير من كثرتها مع الشبهات، ومن هنا يعتقد أن التطوير والبحث أمر غاية في الأهمية، إلا أن النتائج قد لا تكون حسب اعتقاده منضبطة شرعيا، أو متوافقة مع رؤى علماء الشريعة الضليعين بفقه المعاملات، المختلفين حاليا على بعض المنتجات الإسلامية المطبقة في المصارف الإسلامية، ما يجعلها أقرب إلى تعقيد الأمور وإثارة الجدل من إسهامها في توفير منتجات جديدة تساعد على نمو المصارف الإسلامية.