مسؤول خليجي لـ «الشرق الأوسط»: المراجعة والمحاسبة في النظام المالي الإسلامي بحاجة ماسة لإعادة النظر

أكد أنها تفتقد للعمق والأدوات التحليلية المتطورة وأنه لا بد من تنظيم معاييرها

عبد العزيز الراشد
TT

أكد مسؤول اقتصادي خليجي، أن المراجعة والمحاسبة في النظام المالي الإسلامي في حاجة ماسة لإعادة النظر في معاييرها وتنظيمها بما يتفق وواقع العالم ككل، من حيث التغيرات والمسؤوليات والصلاحيات، مبينا أنه لا بد من أن تأتي متسقة مع احتياجات المهنة لكي تخدم المستفيدين منها وتحافظ على تعاظم الاقتصاد بشكل عام.

وقال عبد العزيز الراشد رئيس مجلس إدارة هيئة المحاسبة والمراجعة لدول مجلس التعاون الخليجي السابق لـ«الشرق الأوسط»: إنه وعلى الرغم من أن واقع المحاسبة والمراجعة في دول مجلس التعاون الخليجي، يعيش تطورا ملموسا وقد يلاحظه المهتمون بهذا المجال، لا سيما أن دول المجلس بذلت جهدا مقدرا في سبيل تصحيح وضع مهنة المحاسبة والمراجعة في مصاف الدول المتقدمة، فإنه ما زالت هناك حاجة ماسة لتطوير أوضاعها.

وأشار الراشد خلال حواره مع «الشرق الأوسط» إلى أن تأثير المحاسبة والمراجعة على الاستثمارات والأسواق المالية عامة، سواء كان طابعها إسلاميا أو غير إسلامي، متماثل، وإن اختلفت حالتها في طابعها الإسلامي في أنها قد لا تتميز بالعمق والأدوات التحليلية مثل ما عليه الحال في الاستثمارات الأخرى، مستدركا بقوله: «ولكن لعل ذلك يمكن تعويضه بعنصر الأمانة والحرص قدر الإمكان على تحقيقها والذي يعد أهم عناصر قوتها مع أنه لا يتأتي إلا من تحقيق المتطلبات الدينية». وإلى نص الحوار:

* كيف تنظر إلى واقع المحاسبة والمراجعة بدول الخليج بشكل عام وفي السعودية بشكل خاص؟

- أعتقد أن واقع المحاسبة والمراجعة في دول مجلس التعاون الخليجي، في تطور ملموس وقد يلاحظه المهتمون بهذا المجال، حيث تم بذل كثير من الجهد لتطويرها، غير أنها في حاجة ماسة لإعادة النظر في معايير المحاسبة وتنظيم المهنة بما يتفق وواقع العالم ككل، من حيث التغيرات والمسؤوليات والصلاحيات، إذ لا بد من أن تأتي متسقة مع احتياجات المهنة لكي تخدم المستفيدين منها وتحافظ على تعاظم الاقتصاد.

* في رأيك ما مدى تأثير المحاسبة والمراجعة على وضع المصرفية الإسلامية؟

- أرى أن تأثير المحاسبة والمراجعة على الاستثمارات والأسواق المالية عامة، سواء كان طابعها إسلاميا أو غير إسلامي، متماثل، وإن اختلف حالتها في طابعها الإسلامي في أنها قد لا تتميز بالعمق والأدوات التحليلية مثل ما عليه الحال في الاستثمارات الأخرى، ولكن لعل ذلك يمكن تعويضه بعنصر الأمانة والحرص قدر الإمكان على تحقيقها والذي هو أهم عناصر قوتها مع أنه لا يتأتى إلا من تحقيق المتطلبات الدينية.

* على ذكر الأمانة وأهميتها.. كيف تنظر إلى واقع وأهمية عنصر الشفافية في المحاسبة والمراجعة؟

- بحسب متابعاتي أعتقد أن عنصر الشفافية في مهنة المحاسبة والمراجعة أخذت دائرة الاهتمام بها تتوسع، وأكاد أجزم أنها أفضل وضعا الآن أكثر مما كانت عليه على مدى عشرين سنة مضت، ولكن مع ذلك أرى أنها في حاجة إلى الكثير من الجهد باعتبار أنها عنصر أساسي في إدارة ودقة مهنة المحاسبة والمراجعة، وأهم ما تحتاج إليه هو إعادة هيكلة المهنة، ذلك أن العالم جميعه خطى خطوات شجاعة نحو فصل النشاطات المتعلقة بها في مجالس مستقلة. ومن بين المجالس المتسقة حاليا مجلس مراقبة جودة الأداء، حيث إنه لو فرضنا جدلا أن هذه الشفافية فصل لها مجلسا مستقلا بها كما عليه الحال في أميركا وغيرها من البلاد الغربية المتقدمة، فإنني أرى في ذلك التوجه تأثيرا إيجابيا كبيرا على عنصر توفر الشفافية وسرعتها.

* في رأيك كيف يمكن العبور من خلال معايير محاسبية جيدة إلى صناعة مصرفية جاذبة وصامدة ومنافسة؟

- ما زلت أعتقد أن المصرفية الإسلامية مثلها مثل غيرها من النشاطات الاقتصادية المختلفة، ولذلك أفترض نظريا أن تشمل المعايير المحاسبية كل الأساسيات والأشياء المتخصصة، وأن تصمم معايير خاصة بها بحسب ما يجري حاليا، ومن الأفضل أن يكون ذلك بشكل أسرع مما هو عليه الآن، فمثلا الأدوات المالية لها معايير مثلها مثل معايير المحاسبة للنشاطات الأخرى.

* كيف يمكن أن يكون للمزايا الدينية الإسلامية حضور في المحاسبة والاستثمار لكي تجعلها جاذبة كما هو الحال في المصرفية الإسلامية؟

- من المهم أن نقوم نحن المسلمين بنشر هذا الفكر نفسه أولا ومن ثم نقوم بتطبيقه عمليا من خلال القدوة الحسنة، ومن المؤكد سيجد ذلك صدى طيبا وقبولا عند الآخر، للاستفادة منها في الوصول إلى وعي أفضل بالمحاسبية ومراجعة شفافة تنعكس إيجابا على مجمل المنتج المعمول عليه.

* ما رؤيتك لأهمية اندماج الهيئات المحاسبية العربية مع رصيفاتها في المنظومة الدولية لصناعة جسم أكثر قوة لتجاوز معضلات المهنة؟

- يفترض أننا جزء من هذا العالم الواحد والذي أصبح ليس فقط أصغر من قرية بل غرفة صغيرة في عالم انفتح على بعضه البعض بفضل التقنية التكنولوجيا والإنترنت. وفي ظل هذا الواقع يفترض بنا نظريا أن نساهم في كل منشآت العالم المتخصص في هذا المجال ونقدم أنموذجا يقوم على أسس تتوفر فيها كل مقومات الدقة والأمانة التي هي من أسس ديننا.

* أنت تتحدث عن مساهمتنا نظريا ولكن ماذا عن مساهمتنا عمليا؟

- من الناحية العملية والواقعية، أعتقد أننا قطعنا شوطا كبيرا، إذ إن هناك جهودا كبيرة تبذل وتم الاتفاق عليها، غير أنها تظل مرتبطة بمدى تأثير المسلمين في دول ذلك الجزء من العالم قوة وضعفا، حيث إنه كل ما كان الأثر قويا قوي أثر إنفاذ إيصال فكرة الأمانة لدى الآخر في مثل عملنا هذا وغيره.

* لماذا أصبحت مهنة التحليل المالي قضية مثيرة للجدل؟

- في رأيي فإن صناعة التحليل المالي متشعبة وفي نفس الوقت تكاد تكون من أهم النشاطات المؤثرة على الأسواق المالية، حيث نجد أن الكثيرين من المتخصصين فيها اتسم بعض منهم بأن تخصصه واسع والآخر تخصصه ضيق للغاية، وكل يقول إنه محلل مالي، ومن ثم تختلط الأمور على الكثير من المستثمرين في الأسواق المالية وربما ينتج عنه الكثير من الخلط في وسائل الإعلام المختلفة في تحديد ماهية المحلل المالي.

* وإلى أي مدى يمكن أن يوثق ما يقول؟

- لقد طال الأمد على معالجة هذا الموضوع على الرغم من خطورة ما يقال من أفكار سواء في وسائل الإعلام أو الوسائط الأخرى المختلفة، وكان هناك حاجة لتحديد وتوافق الأفكار حتى ينطلق الجميع من منطلق واحد تجاه تعريف المحلل المالي.

* ما أهمية الدور الذي تقوم به صناعة التحليل المالي في مجال المحاسبة والمراجعة ومن ثم ضبط عمل المحلل المالي؟

- هذه مهمة ممتازة لا بد أن تهتم بها الهيئات المحاسبية للتوفيق بين ما لدى الجهات الأخرى ذات الصلة وما يتم التحصل عليه من خلال البيئة المحلية وظروفها، حتى يتم التنظيم الداخلي المقترح للمهنة وبعد ذلك المراجعة من ذوي الاختصاص. إن صناعة التحليل المالي بدأت مع نشوء الأسواق المالية في أوروبا وتطورت مع الزمن، ولكن ميزة الغرب أنهم عادة ما يقومون بتوثيق التجارب التي يمرون بها، لتأتي قادرة على التطور ومبنية على أسس معينة، فمثلا عندما تحدث كوارث طبيعية أو بشرية فإنهم يطورون معها التحليل المالي، ومع ذلك تتكرر الكوارث ويكتوي الجميع بنارها ويعاودون التطوير. ويلاحظ أن بعض تلك البلاد تأخذ ما يليها من حصة التطوير في مجال معين ثم تبقى عليه دون أن تتجه لتطويره أو متابعة تطوراته مما ينتج عنه بالضرورة أضرار عظيمة، وعليه إذا أردنا تعريف المحلل المالي كصناعة سنجده موصوفا في طبيعة العمل وتشتمل على تقييم وتحليل الأسهم المتداولة سواء خاصة أو عامة وتخدم المنشآت الاقتصادية سواء كانت حكومية أو خاصة أو تجارية أو شخصية.

* إذن ما هو تعريف المحلل المالي؟

- المحلل المالي هو من يقوم بالتحليل المالي، باعتبار أنه عنصر أساسي في صناعة التحليل المالي، فنجد مثلا في أميركا أن أول شخص لديه خبرة في تحليل الاستثمارات المالية ويقوم بتقييم الأداء الاقتصادي، كما نجد الاتحاد الأوروبي يتسم بالمهنية الاستثمارية المؤهلة الخاضع إلى معايير مرتفعة من الأمانة وباستطاعته العمل لدى أي بنك استثماري، والاتحاد الأوروبي يقوم على ذلك من خلال ضبط أداء المحلل المالي، علما بأن الأخير ودولا أخرى أوجدوا هيئة في 19 دولة الأمر الذي أجد فيه مثالا حيا يجب الاحتذاء به من قبل دول مجلس التعاون الخليجي، وفي الدنمارك فإن المحلل المالي شخص يقوم باستخدام البيانات المالية إلى آخره وفي ماليزيا يعملون في القطاعين العام والخاص كمديري محافظ إلى غير ذلك. بعد كل ذلك أستطيع أن أخلص إلى تعريف المحلل المالي بأنه شخص مؤهل يستطيع أن يقوم بتقييم وتحليل الأوراق المالية والمنشآت الاقتصادية مستخدما في ذلك البيانات والمعلومات النوعية والإحصائية لقياس الأداء وقراءة المشروع واتخاذ قرار بشأنه.

* كيف يمكن الاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في مجال المحاسبة والمراجعة؟

- أعتقد أن التجارب الكبيرة في هذا المجال حري بها أن يتم الانطلاق منها لتطوير أي مجال من مجالات الحياة ذات الصلة، وأرى في تجربة أميركا والاتحاد الأوروبي والدنمارك وماليزيا انطلاقة قوية لمراجعة هذه المهنة، مع ضرورة متابعة الأحداث والمتغيرات التي تصحبها دون الانتظار إلى أن تقع الكارثة ومن الأهمية بمكان تطويع هذه التجارب بما يتسق مع البيئة المحلية.

* ما هي مقومات مهنة المحاسبة والمراجعة وما أوجه القصور فيها؟

- أهم معايير هذه المهنة تبدأ من إيجاد قواعد ومعايير يعمل بموجبها المحللون الماليون وتعيد المتطلبات العملية والعلمية والمهنية بالإضافة إلى صياغة مسؤوليتها أمام الجهات التي يقدمون خدماتهم لها، أما القصور فيأتيها من نافذة أن الجهات المسؤولة الحكومية لا يكون لديها إمكانية التطوير والاختبار وتوفير متطلبات التنافسية لرفع مستوى المهنة.