خبراء مصرفيون: إغلاق النوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية سلاح ذو حدين

أكدوا أن العالم يتجه نحو اعتماد المصرفية الإسلامية في التعاملات المالية

TT

اعتبر عدد من الخبراء الاقتصاديين مسألة إغلاق النوافذ الإسلامية بالبنوك التجارية سلاحا ذا حدين، ففي الوقت الذي يعد فيه مساهما في زيادة موجودات البنوك الإسلامية القائمة أصلا، فإنه أيضا محفز قوي للبنوك التقليدية في إقامة بنوك إسلامية منفصلة، لها موجوداتها وودائعها وموظفوها.

وبالتزامن مع توجه اقتصادات العالم للمصرفية الإسلامية، في محاولة منها للاستفادة من مزايا هذه الصناعة، التي افتقدتها إبان الأزمة المالية العالمية، أخذت بعض الدول الإسلامية السباحة عكس التيار، حيث أثارت الخطوة التي اتخذتها قطر مؤخرا بإصدارها قرارا بإغلاق النوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية، حفيظة الكثير من خبراء المصرفية الإسلامية.

واعتبر متخصصون في المصرفية الإسلامية خلال حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، أن إغلاق النوافذ الإسلامية يعد تراجعا صريحا عن التوسع في المصرفية الإسلامية ونوعا من محاربتها، مقابل التوسع في البنوك التجارية التي ربما تجد في هذه الفرصة كسبا لمزيد من العملاء الجدد، في حين يعتقد آخرون أن وجود جميع المعاملات الإسلامية والتقليدية في بنك واحد، من شأنه الوقوع في المخالفات التي تتنافى مع قواعد الشريعة الإسلامية، وتنجم عنها حسابات واستثمارات مختلفة لا تمت لصناعة المصرفية الإسلامية الصحيحة بصلة.

وفي هذا السياق، قال عثمان بن ظهير الخبير المصرفي وممثل مجلس الخدمات المصرفية الإسلامية بالسعودية، لـ«الشرق الأوسط»: إن وجود النوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية له إيجابياته الكثيرة، وإن احتوى الأمر على سلبيات. مشيرا إلى أنه ليس من مؤيدي منع المصارف التقليدية من العمل المصرفي الإسلامي، حتى في ظل وجود الكثير من الأخطاء.

وأضاف بن ظهير، أنه من باب أولى وضع ضوابط قوية لعمل هذه النوافذ. مبينا أن الناظر في تجربة المصارف التقليدية في السعودية، على سبيل المثال، يجد أن ثمار النوافذ الإسلامية فيها واضحة. مشيرا إلى أن جميع المصارف السعودية لحق بها تحول إيجابي كامل يتعاطى مع المصرفية الإسلامية. ومنها من قارب ومنها من تجاوز نسبة الخمسين في المائة، في طريق التحول. مؤكدا أن هذا الأمر لم يكن ليحصل لولا بدء البنك في طرح منتج إسلامي واحد، حيث كان بمثابة خطوة الألف الميل الأولى.

وذكر عثمان بن ظهير أنه من الأهمية بمكان التشديد على وجود ضوابط تحكم عمل هذه النوافذ، حتى لا تكون سبيلا سيئا يطمع فيه أرباب البنوك التقليدية، ويسيء إلى تجربة المصرفية الإسلامية.

وبحسب ابن ظهير، فإن أهم الضوابط التي تحكم وضع المصرفية الإسلامية، وجود هيئة شرعية لدى البنك تشرف على أعماله الشرعية وتوجهها وتتابعها باستمرار. مستدركا ذلك بقوله: «أما أن يقوم البنك بنسخ منتج من مصرف آخر ويطرحه للملأ فهو أمر غير مقبول».

ولفت الخبير المصرفي، إلى أن هناك ما هو أهم، حتى من هيئة الفتوى، وهو وجود الرقابة الشرعية لدى البنك لأنها عين الهيئة الشرعية على أخطاء المصرف والمتابعة لتنفيذه لمتطلبات الفتوى. مضيفا أن أي بنك لا يوفر الرقابة الشرعية على منتجاته الإسلامية لا يحق له العمل بالمصرفية الإسلامية، في حين أن الأولى لهيئة الفتوى أن تتخلى عن الإفتاء له، إذ إن الأمر سيكون في الغالب حبرا على ورق دون تطبيق حقيقي.

وأوضح أنه بالإمكان العمل على تطوير موضوع الضوابط مستقبلا، من خلال وجود رقابة شرعية خارجية، ثم رقابة شرعية مركزية، وتقديم نتائجها للجمعية العمومية. لافتا إلى أنه «من المهم إيجاد تشريعات مركزية من البنوك المركزية تتابع توجه أعمال هذه النوافذ وتحكم تصرفاتها وتقيدها بما هو مطلوب».

ويعتقد ابن ظهير أن من الأمور المهمة داخل المصرف نفسه أن توجد لديه خزينة مستقلة، إن صح التعبير، أو فصل في الحسابات داخل الخزينة بين أموال المنتجات والفروع الإسلامية وأموال المنتجات والفروع التقليدية، حتى يحصل الفصل الكامل في استثمار تلك الأموال وصرف رواتب الموظفين المتخصصين بأعمال تلك المنتجات، وغير ذلك من الأمور المهمة لاستمرار المصرف نحو التحويل.

ويرى ممثل مجلس الخدمات المصرفية الإسلامية بالسعودية أن طرح منتج واحد أو منتجين فقط دليل على بحث المصرف عن ربحية مؤقتة، وهو ما يجعله غير مقبول لدى المصرفيين الإسلاميين، إذ يجب أن تكون خطة التحول لدى المصرف نحو المصرفية الإسلامية من تحويل فروعه وحساباته ومنتجاته، تحت إشراف الهيئة الشرعية، ويشرف على تطبيقها أناس متخصصون يرفعون تقاريرهم باستمرار للهيئة الشرعية.

من جهته، انتقد الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن باعشن، إقدام قطر على خطوة إغلاقها للنوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية، مبديا دهشته، وقال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لا أفهم معنى أن تغلق نوافذ إسلامية في بنوك تجارية في بلاد إسلامية، في الوقت الذي يتجه في العالم الغربي نحو الاستفادة من تجربة المصارف الإسلامية، ومن ثم التوسع فيها».

وأشار الدكتور عبد الرحمن باعشن، إلى أن اتجاه البنوك التقليدية نحو افتتاح نوافذ إسلامية، كان بمثابة سلك طريق جديد لها في كسب المزيد من العملاء، خاصة الذين لا يتعاملون إلا مع منتجات متوافقة مع الشريعة الإسلامية، في الوقت الذي ترى فيه بعض المصارف الإسلامية أنه بمثابة نوع من التحدي الجديد.

ويعتقد باعشن أن النوافذ الإسلامية في البنوك التقليدية قد تسبب بعض التشوهات للمنتجات المصرفية المصبغة بالإسلامية، ذلك لأنها في بعض الأحيان تكون تقليدية أكثر منها إسلامية، بحكم أن المتعاملين معها ما زالوا يعيشون تجربتهم مع المصرفية التقليدية، وبالتالي لا يلقون بالا للمنتجات التي تخرج من نافذتها الإسلامية، ولو خرجت عن القوانين الإسلامية.

وأوضح باعشن أن وجود جميع المعاملات الإسلامية والتقليدية في بنك واحد لا يعني بالضرورة الوقوع في المخالفات التي تتنافى مع قواعد الشريعة الإسلامية، إلا أنه أشار إلى احتمالية الوقوع في مثل هذه الأخطاء التي تنجم عنها حسابات واستثمارات مختلفة، لا تمت لصناعة المصرفية الإسلامية الصحيحة بصلة.

وعزا ذلك لعدة أسباب، أهمها أن العاملين بالمصارف التقليدية لم يكونوا، في غالبيتهم، قد تلقوا تدريبا وتأهيلا للعمل وفق الشريعة الإسلامية، في الوقت الذي تسيطر فيه على بعضهم العمليات التقليدية، وإن لم يكن قاصدا. داعيا لتكوين هيئات رقابة شرعية تضم في عضويتها علماء لهم خبرة طويلة في هذا المجال، كما دعا البنوك المركزية للبلاد التي تطبق نظام النافذتين في البنوك التقليدية، إلى أن تطبق الإجراءات الصارمة والضوابط المصرفية والرقابية والضبط الإداري والائتماني لمعالجة الخلل الذي قد يصاحب عمليات تلك البنوك عند التعامل مع المنتجات الإسلامية.

وقال باعشن إن وجود نوافذ إسلامية في بنوك تقليدية يعد أمرا مهما، من شأنه تعزيز روح التعامل مع المصرفية الإسلامية، وبالتالي فرصة لتلقي غير المؤهلين من عامليها جرعات تأهيلية، تمكنهم من تعزيز منهج العمل المصرفي الإسلامي، كوسيلة لتقديم الخدمات المصرفية الإسلامية بشكل متطور. مؤكدا أن التجربة تحتاج إلى نوع من التشجيع ومحاولة معالجة آثار السلبية، للوصول إلى المزيد من التطوير، لما فيه فائدة لعملاء المصارف التقليدية والإسلامية على حد سواء.

ودعا باعشن القائمين على أمر المصرفية الإسلامية في مجلس الخدمات المالية الإسلامية والجمعية الدولية للاقتصاد الإسلامي إلى أن يتدارسوا تجربة إغلاق النوافذ الإسلامية لبنوك تجارية، ومدى الأثر الكبير الذي يمكن أن يسهم في خلق أجواء تنافسية تؤدي هي الأخرى إلى صناعة سوق مصرفية جديدة بمزايا مختلفة ومعالجات متطورة بشكل كبير، مع ضرورة العمل على تطوير الخدمات المصرفية المختلفة لجميع البنوك الإسلامية ووضع منتجاتها المصرفية تحت المجهر لمراقبتها وضبط جودتها وأدائها.