فارس مراد لـ «الشرق الأوسط»: القائمون على صناعة المصرفية أهملوا التخطيط المالي الإسلامي

رئيس التمويل الإسلامي ببنك «ساراسين» السويسري: البنوك بحاجة إلى التركيز على المسؤولية الاجتماعية والبيئة والأخلاقيات

فارس مراد، رئيس التمويل الإسلامي في بنك «ساراسين» بسويسرا
TT

أكد خبير مصرفي بارز، أن القائمين على صناعة الخدمات المصرفية الإسلامية، أهملوا التخطيط المالي الإسلامي، مستدلا على ذلك بعدم وجود أي بنك إسلامي يوفر خدمات التخطيط المالي الإسلامي لعملائه، مشيرا إلى أن ما عرض منها حتى الآن يركز بشكل شبه كامل على المنتجات ذات الصلة بالعقارات، وليس على مفاهيم التخطيط المالي الإسلامي أو العقارات الإسلامية أو تخطيط الإرث.

وقال فارس مراد رئيس التمويل الإسلامي ببنك «ساراسين البن» في سويسرا في حوار خاص مع «الشرق الأوسط»: «إن هذه الصناعة ركزت كثيرا على المنتجات والخدمات وبدرجة أقل على المفاهيم، كالملكية الإسلامية والتخطيط للإرث، أو التخطيط المالي الإسلامي، وهي قضايا محددة بشكل جيد للغاية ومطلوبة في الإسلام، ومع ذلك لا يكاد أي بنك إسلامي يقدم حزم الخدمات المختلفة معا، وكثير منها لا يقدم كل تلك الخدمات أساسا».

وأشار فارس مراد إلى أن صناعة المصرفية الإسلامية تحتاج إلى التركيز على المسؤولية الاجتماعية والبيئة والأخلاقيات، مبينا أن هذه الأمور يعرفها المستهلك والمستثمر، مع تأكيده على أن هذه الصناعة مع الوقت ستجذب المستثمرين غير المسلمين، حيث إنها سوف تبرز سمات عالمية مشتركة ذات معايير يسعى لها الجميع.

ومع أنه يرى أن المصرفية الإسلامية شهدت في هذه الفترة القصيرة نموا قويا سواء في الحجم أو تنوع المنتجات، فإن مراد يعتقد أن العديد من القضايا مثل الكفاءة والحوكمة وتحديد المعايير تم تناولها بسرعة كبيرة، موضحا أن هذه القضايا تحتاج إلى إعادة النظر فيها بحكمة وروية.

وأقر فارس مراد رئيس التمويل الإسلامي ببنك «ساراسين البن» في سويسرا، بأن هناك العديد من المخاطر التي تواجه صناعة المصرفية الإسلامية الحكيمة، داعيا إلى تعريفا مع تحديد الأهداف ذات الصلة بتطورات السوق، من خلال المراقبة المستمرة والدقيقة لخطة التطوير، مشيرا إلى أن زيادة الطلب عليها يجبرها مع الوقت على زيادة تركيزها على النوعية بدلا من الكمية.

* ما هو تعريفك للإدارة الإسلامية للثروات؟ وما تجربة بنك «ساراسين البن» في ذلك؟

- نقصد بإدارة الثروات الإسلامية إدارة الثروات وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، ونحن إذ نهتم بذلك لعلمنا أن المسلم يحتاج إلى التوازن بين متطلبات حياته الدنيوية والروحية، ولكن هذا يحتاج في هذا الوقت إلى تحقيق بعض الواجبات التي يكون لها تأثير على إدارة الثروات، كما أنه يحتاج إلى أن يشمل جوانب كثيرة، مثل الجوانب الاجتماعية والبيئية والأخلاقية. وما يهمنا في هذا الأمر هو أن بنك «ساراسين»، الذي أنشئ في 1841، لديه خبرة كبيرة في مجال إدارة الثروات، وقد استثمر بكثافة في إنشاء وتقديم خدمات إدارة الثروات لتوفير خدماتها للمستثمر المسلم. وبذلك، بدأ البنك بتقديم الخدمات منذ نحو 15 شهرا، وكان رد فعل السوق إيجابيا جدا ومرضيا، مما يؤكد أننا نسير على الطريق الصحيح وأن الطلب كبير على الخدمات التي نقدمها.

* قمتم بدعوة القطاع إلى المضي قدما في تطوير العمل في الإطار الإسلامي وتنويع المنتجات والعروض، ما هو شكل التنمية التي تسعون لها؟ وكيف يمكن أن يتحقق ذلك؟

- ركزت الصناعة إلى حد كبير في القضايا المتصلة بالفائدة غير المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، أو الغرر، أو الميسر، ولكن التمويل الإسلامي هو أكثر من ذلك بكثير، فهو حول المسؤولية الاجتماعية، وحول البيئة التي نعيش فيها وكيفية الحفاظ عليها لأجيال المستقبل، وهو حول الأخلاق في العمل والسلوكيات، وتحمل المسؤولية من أجل المستقبل وغيرها من أمور الخير، وبالكاد نرى أي دليل على وجود هذا التركيز في هذه الصناعة، فعلى سبيل المثال، عندما نفحص الامتثال للأسهم يتم رصد النسب المالية والأنشطة التجارية، ولكن لا أحد يطرح أي أسئلة تتعلق بأخلاقيات العمل في الشركة بين الإدارة والموظفين والمسائل المتعلقة بعمالة الأطفال على سبيل المثال. هذه الصناعة تركز كثيرا على المنتجات والخدمات وبدرجة أقل على المفاهيم، وعلى سبيل المثال فالملكية الإسلامية والتخطيط للإرث، أو التخطيط المالي الإسلامي تعد قضايا محددة بشكل جيد للغاية ومطلوبة في الإسلام، ومع ذلك لا يكاد أي بنك إسلامي يقدم حزم الخدمات المختلفة معا، وكثير منها لا يقدم كل تلك الخدمات أساسا.

* ما هي توقعاتك لوضع المصرفية الإسلامية في النصف الأخير من عام 2011؟ وما هي أفضل السبل لإدارة الأصول وفقا للشريعة؟

- لقد كان الطلب يدفع دائما هذه الصناعة بدلا من العرض، وهنا أذكر أنه أنشئ أول بنك في منتصف الستينات ومن ثم أتى الجيل الثاني من المؤسسين وهم الآن أصحاب القرار وهم يطالبون بأكثر بكثير مما فعل المؤسسون الأصليون، ويرافق هذا الطلب زيادة المعرفة في مجال الخدمات المصرفية والمالية، وبالتالي اكتسبت هذه الصناعة تعقيدا أكبر، وهذا ينعكس على تقدم هذه الصناعة وما تقدمه. وفي حين أنه من المتوقع أن يزداد عدد المؤسسات المالية التي تقدم نهجا شاملا للإدارة الإسلامية للثروات ويزداد عدد المشاركين قي تقديم هذا النوع من الخدمات، فإن هذا سيجلب معه منتجات فريدة ومتميزة، سواء كان ذلك في التطور أو التنويع. كذلك سوف تجبر هذه الصناعة مع الوقت على زيادة تركيزها على النوعية بدلا من الكمية. وقد أثبت التمويل الإسلامي على مدى السنوات الماضية أنه استثمار حكيم، وبشكل عام فقد نجحت الاستثمارات الإسلامية في تجاوز مختلف العواصف المالية بشكل جيد جدا، ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن أداء الأسهم الإسلامية كان أفضل من تلك التقليدية حتى قبل بدء الأزمة المالية.

* ما هي المخاطر الرئيسية التي تواجه الثروة الإسلامية؟ وكيف يمكن تعظيم الفرص المتاحة للعملاء؟

- الحكمة والتروي في التخطيط تقلل من المخاطر المختلفة بشكل كبير، والأخذ بنصيحة الخبراء هو أمر ضروري جدا، وبالإضافة إلى ذلك فإنه يجب تعريف الاحتياجات وتحديد المخاطر والأهداف، وبطبيعة الحال لا يمكن التخلص تماما من المخاطر ذات الصلة بتطورات السوق، ولكن من الممكن تقليصها إلى حد كبير، وبعد مرحلة التخطيط تأتي مرحلة التنفيذ، وخلالها يتم تنفيذ الخطة وتليها المراقبة المستمرة والدقيقة لخطة التطوير وهي جزء أساسي من التخطيط المالي الإسلامي، وبالتالي فهو نهج استباقي ومستمر ينبع من تحديد الأهداف وطرق تحقيقها بالتعاون مع مدير ثروة من الدرجة الأولى، مثل بنك «ساراسين».

* كنتم قد ذكرتم في تقريركم الصادر عن بنك «ساراسين» أن صناعة الخدمات المصرفية الإسلامية قد أهملت التخطيط المالي الإسلامي، ماذا قصدتم من ذلك؟ وما هي الحلول؟

- ما لم أكن مخطئا، فإنني لم أر أي بنك إسلامي يوفر خدمات التخطيط المالي الإسلامي لعملائه، وعموما فإن العرض يركز إلى حد كبير جدا على المنتجات، وبشكل رئيسي المنتجات ذات الصلة بالعقارات، وليس على مفاهيم مثل التخطيط المالي الإسلامي أو العقارات الإسلامية وتخطيط الإرث. وأعتقد أن أي مدير ثروات يحتاج إلى معالجة مختلف احتياجات ومتطلبات العميل، وبالتالي فإن فشله في ذلك، يعني أنه كأنما هو محل متخصص يركز على منتجات أو خدمات معينة، وهذا بطبيعة الحال سيحتاج إلى استثمار من البنك في الموارد البشرية والتطرق إلى العديد من القضايا في هذه الصناعة على مستوى المفاهيم.

* ما هي التحديات التي تواجه صناديق الاستثمار الإسلامية من أجل النمو والأداء؟

- بدأت هذه الصناعة في منتصف الستينات من القرن الماضي عندما تم تأسيس أول بنك إسلامي، وهي في الواقع لا تزال في بداياتها، إلا أننا يجب أن نوفي جميع المشاركين فيها حقهم، حيث إنه بالفعل قد تم تحقيق الكثير منذ ذلك الحين. في هذه الفترة القصيرة كان النمو قويا سواء في الحجم أو تنوع المنتجات، ولكن تم تناول العديد من القضايا مثل الكفاءة والحوكمة وتحديد المعايير بسرعة كبيرة، وهذه القضايا تحتاج إلى إعادة النظر فيها بحكمة وروية. علاوة على ذلك، فإن الصناعة تحتاج إلى التركيز على قضايا أخرى تناولها الإسلام مثل المسؤولية الاجتماعية والبيئة والأخلاقيات، وهذه الأمور يعرفها المستهلك والمستثمر، وإذا نجحت الصناعة في تسليط الضوء على هذه الجوانب، فإنني أعتقد حقا أن هذه الصناعة مع الوقت ستجذب المستثمرين غير المسلمين حيث إنها سوف تبرز سمات عالمية مشتركة ذات معايير يسعى لها الجميع وهي مستقاة من الدين الإسلامي.

* كيف تنظر إلى العمل الخيري والأوقاف كوجه من أوجه العمل الاقتصادي الإسلامي في دول الخليج؟

- أعتقد أن هذا الأمر متعاظم جدا في منطقة الخليج، حيث يمثل أحد أبرز أوجه التخطيط المالي الإسلامي في دول مجلس التعاون الخليجي، إذ من المتوقع أن ينتقل به النهج المطلوب للتخطيط المالي الإسلامي إلى التركيز على المجالات الرئيسية للعمل الخيري، ومكتب خدمات الأسرة وصناديق الاستثمار والصكوك ويقدر قيمة العمل الخيري الفعلي في هذه المنطقة بنحو 50 مليار دولار أميركي سنويا.. إلا أن القضايا الرئيسية التي تواجه الجهات المتبرعة للوقف، على الرغم من النمو القوي في هذه السوق تتمثل في نقص الأداء الذي يرجع جزئيا إلى نقص عدد المهنيين، مما يؤدي إلى تدني نوعية إدارة الأصول وانعدام الشفافية.

* ما هي التوقعات الاقتصادية لبنك «ساراسين» فيما تبقى من عام 2011؟

- يتوقع بنك «ساراسين» أن يستمر الاقتصاد العالمي القوي على مسار النمو على الرغم من الأزمات العديدة، وسيتم تعويض ارتفاع أسعار النفط من خلال الانتعاش في أسواق العمالة، وستؤدي التوقعات الإيجابية للاقتصاد العالمي إلى رفع سعر الفائدة في الربع الثاني من عام 2011، مما سيزيد الضغط على أسعار سندات الشركات، ومن المتوقع أن تستأنف أسواق الأسهم اتجاهها التصاعدي على خلفية زخم النمو الإيجابي في البلدان الصناعية. ويرى بنك «ساراسين» أن الأسهم الأوروبية تتمتع بإمكانيات كبيرة، كما أن الطلب لا يزال موجودا على السلع الأساسية بفضل التطور الإيجابي للاقتصاد العالمي. ومع ذلك، فمن المتوقع أن يضعف الفرنك السويسري قريبا. وسوف تثبت قوة الدولار على الانتعاش، سرعان ما يقرر الاحتياطي الفيدرالي وقف سياسته النقدية المتراخية. وعلى الرغم من وجود العديد من الشكوك، فإن الأصواع تبقى إيجابية للأصول الخطرة. وفي حين أن النمو في الأسواق الناشئة سيتباطأ قليلا، فإنه سيكتسب قوة الدفع تدريجيا في البلدان الصناعية. ومن المفارقات الكبرى أن دول الخليج العربية ستستفيد من الاضطرابات السياسية في شمال أفريقيا، حيث إن الارتفاع المستمر في أسعار النفط سيولد كمية مذهلة من العائدات الإضافية لدول الخليج. ومن ناحية أخرى، فإن أداء قطاع الخدمات، ولا سيما القطاع المالي والسياحة، الذي حولته دول الخليج إلى الدعامة الثانية في السنوات الأخيرة، سيختلف كثيرا.