باحث شرعي: البنوك في السعودية تتعاطى مع المصرفية الإسلامية اضطرارا لا رغبة

قال: سقوط سوق الأسهم أجبر المصارف على تطبيق منتجات التمويل الإسلامي

محمد المقرن
TT

شن باحث شرعي هجوما عنيفا على بنوك أخذت تتعامل مع المصرفية الإسلامية سواء كان ذلك بشكل كامل، أو من خلال فروع ونوافذ مزدوجة، بتطبيق بعض من منتجاتها، مؤكدا أن التحول الذي شهدته البنوك السعودية من التعاطي مع المصرفية التقليدية إلى التعاطي مع المصرفية الإسلامية، ما هو إلا نتاج عملية الضغط الكبير الذي مارسه عملاء البنوك باختيارهم التعامل مع النظام المصرفي الإسلامي.

وقال الباحث الشرعي محمد المقرن، لـ«الشرق الأوسط»، إن البنوك وجدت نفسها مجبرة للنزول على رغبة العملاء، ومحاولة جذبهم من خلال النوافذ والفروع الإسلامية، حتى تجد حصتها من التمويل الإسلامي الذي تقوم به البنوك الإسلامية تجاه عملائها، مبينا أن التمويل في السعودية نسبته عالية جدا، مشيرا إلى أن الذي يتحكم في هذه التمويلات هو ما يطبق المصرفية الإسلامية من البنوك، خصوصا بعد سقوط سوق الأسهم، معلقا «لأنه لم يعد لديهم سوى التوجه نحو المصرفية الإسلامية».

ومع تأكيده على صدق العلماء، أوضح المقرن أن البنوك قامت على استغلال بعضهم من خلال لجانها الشرعية بأن تكشف لهم عن منتجاتها وصفاتها ثم ما تلبث أن تسوق منتجا آخر مخالفا للشرع، الأمر الذي جعل من العميل ضحية هذا الاستغلال.

وعزا المقرن ضعف مفهوم المسؤولية الاجتماعية لهذه البنوك، إلى انتهاجها هذا المسلك الذي تضع فيه أعضاء اللجنة الشرعية من العلماء، والعملاء الذين تضللهم بوجود خطاب على ختم أحد كبار العلماء، كنوع من زرع ثقة فيه تجاهها.

وحمل المقرن غياب الأجهزة الرقابية لدى البنوك التي تحاول أن تصبغ على منتجاتها بالمنتجات الإسلامية، لمؤسسة النقد العربي السعودي كجهة إشرافية، في الوقت الذي لم يعف فيه العلماء من أعضاء اللجان الشرعية بالبنوك عن مسؤولية التدقيق في مسألة التطبيقات الشرعية السليمة في تلك المنتجات.

وفيما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية في تلك البنوك، أوضح المقرن أن هناك دراسة قدمها مجلس الغرف التجارية تضمنت 14 برنامجا تشتمل على العديد من البرامج والخدمات والمنتجات المصرفية والاجتماعية، مثل ما يسمى بالتركيز على موضوع القيم، حيث إن هناك العديد من المنتجات التي دخلت فيها المسؤولية الاجتماعية في إبراز القيم الاجتماعية كبر الوالدين والصدق والإحسان.

وأضاف أن كل شركة ومؤسسة مالية تنطلق في مجال المسؤولية الاجتماعية من خلال رؤيتها، مبينا أن هناك جدلية حول مفهوم المسؤولية الاجتماعية، خاصة حول اتجاهات القيادات الإدارية في الشركات الكبرى حول المسؤولية الاجتماعية، مشيرا إلى أن الدراسة كشفت عن خلل كبير، ذلك أن بعض كبار المسؤولين في البنوك يعتقدون أن المسؤولية الاجتماعية ما هي إلا عمل خيري، وهذا خاطئ.

وقال: «بعض الجمعيات الخيرية تحاول رفع مستوى المعيشة لدى الفقراء والمساكين أحيانا ولكن الشركات الكبيرة يجب ألا تدخل في هذا المجال، وعليها أن تقدم خدمات معينة للمجتمع من خلال مثلا شراكات اجتماعية كأن يدخل القطاع الخاص في شراكة مع القطاع الحكومي، بإنشاء مراكز للكلى مع وزارة الصحة على سبيل المثال». ويعتقد المقرن أن التحديات التي تواجه الشركات والمؤسسات المالية الكبرى عند تطبيقها لبرامج المسؤولية الاجتماعية، تكمن في أن الفرص قليلة بمعنى أنه لا توجد دراسات جيدة ومستوفاة وكاملة وعملية، تقدم للمساهمة فيها، حيث إنه من المفترض في الجهات التي تتقدم لمثل هذا العمل أن تقدم أيضا اقتراحات ودراسات علمية تطبيقية.

وأضاف المقرن أن ما يقدم في مجال المسؤولية الاجتماعية ليس بالصورة المأمولة، بمعنى أنه عندما تتقدم إلى شركة أو مؤسسة مالية لعمل شراكة في المسؤولية الاجتماعية لا توجد أي رؤية وبرنامج واضح يمكن أن تتم المشاركة فيه.

وقال: «للأسف إن التجارب الغربية تختلف عنا كثيرا، حيث إنه عندما يأتي أحد إلى الشركات التي تقدم خدمات حول المسؤولية الاجتماعية، تطرح له أكثر من 20 برنامجا وتدع الخيار لمن يريد أن يشاركها هذا العمل المسؤول وتقدم فيه دراسات جدوى ومخرجاتها وتكاليفها وتجيب عن سؤال: ماذا تريد أن تقدم للمجتمع في ظل عدد من الخيارات المطروحة».

الأمر الآخر وفق المقرن، هو أن هناك تقصيرا في إبراز المسؤولية الاجتماعية من ناحية إعلامية، حيث إن هناك خلطا عند بعض الصحافيين في الفرق بين المسؤولية الاجتماعية والعمل الخيري.

وقال الباحث الشرعي: «من الصعوبات أيضا أتصور أننا نتعامل مع جهات متعددة في البلد وكل منها يريد أن تقدم له خدمة اجتماعية وتدعم مجاله الاجتماعي، لكن في المقابل لا تجد أثرا لما تقدمه ولو بعد حين».

وعن تطبيقات المسؤولية الاجتماعية في المؤسسات المالية الإسلامية، في السعودية، أكد المقرن أن العملاء أجبروا المصارف على التحول من النظام التقليدي إلى النظام المصرفي الإسلامي، إذ في رأيه أن البنوك لم تتحول حبا للمصرفية الإسلامية، بقدر ما كان ذلك نتاجا للضغط الاجتماعي الكبير الذي مارسه أولئك العملاء، ذلك أنهم بدأوا ينتقلون من البنوك التقليدية نحو البنوك الإسلامية، الأمر الذي أحدث خللا عندها خاصة في مجال الودائع، مما جعلها تنشئ مصرفية إسلامية ولجانا شرعية في بنوكها.

ومع تقديره لجهود ومصداقية العديد من أعضاء اللجان الشرعية الذين انضموا مؤخرا للبنوك، إلا أنه أكد أنهم لم يستطيعوا أن يقنعوا أحدا حتى الآن، إذ في رأيه أن هناك حرجا كبيرا في ذلك، ذلك أن المصرفية الشرعية تقوم مثلا على مجموعة من العلماء الفضلاء، علما بأنه لا يمكن أن تقوم هذه المصرفية دون أن يقوم معها جهاز رقابي يضبطها، الأمر الذي سبب خللا كبيرا ومحرجا لدى القائمين على أمرها.

وقال المقرن: «حيث إنه يقوم بنك تقليدي بأن يأتي بعلماء لا نشك في صدقهم ويعرض عليهم أجندة أعماله فيقرونها له بأن هذا المنتج لا بد أن يباع بالطريقة الشرعية، إلا أنه عند التطبيقات يتم إهمال العمل عليه بطريقة شرعية سليمة، وذلك بسبب غياب الأجهزة الرقابية التي تراقب هذا المنتج وتطبيقاته واستيفائه للشروط الشرعية، الأمر الذي أزعج الكثيرين من عملاء البنوك التي تتعامل مع تلك الجهات والذين يكتشفون فيما بعد أن تلك البنوك تستغل خطابات مختومة من المشايخ الذين أقروا شرعية منتجاتها، غير أنها غير مراقبة وغير مطابقة لغياب الجهاز الذي يقوم بهذه المهمة».

وأشار إلى أن موظف البنك في هذه الحالة، يقوم بارتكاب مخالفة شرعية، وذلك لأنه يقوم بتسليم العميل شيئا لم يكن قد تسلمه وقام بشيء في البيع لم يبعه بعد، وقال: «خذ مثلا في حالة الحديد والإسمنت والصابون والخشب تلاحظ أن الذين يقومون بالتمويل لهم نسبة مئوية في ذلك، ولذلك فهم حريصون على تسويق هذه المنتجات، اعتمادا على ما يبرزون من خطابات موقع عليها من قبل بعض المشايخ»، مستدركا أنه يرى أن هؤلاء العملاء لا يلامون في هذه الحالة، ولكن كان من المفترض في المشايخ ألا يكونوا جسر عبور، إلا إذا اطمأنوا إلى أن هناك جهازا رقابيا يتابع العملية المصرفية، متسائلا: من يتحمل وزر ذلك؟ هل العميل الذي يتوسم في البنك أن يلبي رغباته الشرعية الدينية ويطلب الدين ويطلب الشرع، أم اللجنة الشرعية التي أحسنت الظن في البنك وقدمت له هذه الخدمة؟

وأوضح المقرن أن البنوك توجهت للمصرفية الإسلامية مرغمة وليس رغبة، ذلك أن التمويل في السعودية نسبته عالية جدا، في الوقت الذي يتحكم فيه على هذه التمويلات من البنوك، تلك التي تطبق المصرفية الإسلامية خصوصا بعد سقوط سوق الأسهم الذي لم يجعل لهم من خيار آخر أو بديل، إلا التوجه نحو المصرفية الإسلامية.

وعن كيفية فرض جهاز الرقابة على البنوك، يعتقد المقرن أنه من المفترض في الجهاز الرقابي الاستقلالية، وألا يتبع لإدارة البنك، بل المفترض أن يتبع لجهة المصرفية الإسلامية، محملا مؤسسة النقد العربي السعودي مسألة ضبط العملية المصرفية للبنوك وألا تقف موقف المتفرج باعتبارها الجهة الإشرافية عن ذلك.

ومع أن المقرن لا يعفي العلماء المنضوين تحت اللجان الشرعية بالبنوك، فإنه قال: «عند دخول العلماء في البنوك كان هناك رأيان لا بد من احترامهما، الأول أن مجموعة من المشايخ رأوا أن هذه البنوك ما هي إلا تجارية تقليدية لا بد من تعديلها تعديلا كاملا ولا يصح تجميلها، أما الرأي الثاني فهو رأي لمجموعة من كبار المشايخ حيث رأوا أن الصمت عن هذه البنوك والوقوف منها موقف المتفرج ليس سليما، بل لا بد من الدخول والتغيير».

وأشار إلى أن التغيير يبدأ تدريجيا من نقطة معينة، مبينا أن هذه التجربة لها ما بعدها، وأوضح أنها عمليا أثرت تأثيرا ملحوظا في الكثير من البنوك، حيث إن أحد البنوك العملاقة اتجه إلى جعل بعض فروعه يتعامل فقط مع المصرفية الإسلامية وبالتالي أصبح الفرع بكامله بنكا إسلاميا صرفا. وهنا ورد لدى المقرن استفهام، حيث قال: «كيف يمكن أن نقول إن هذا الفرع بنك إسلامي صرف سليم في الوقت الذي نجد فيه أن كل الفروع تتفرغ ودائعها في بنك واحد؟ وهو ما من شأنه تصعيب مهمة التمييز بين البنك الإسلامي من التقليدي»، مبينا أنه يؤيد كلا الرأيين، لأنه في رأيه يجب أن نعود أنفسنا على الحوار واحترام وجهة نظر المخالف، فهؤلاء في رأيه يدخلون البنوك ويصلحون، وهؤلاء في مقابل وجود آخرين يتحفظون.

وحول إجابته عن حتمية الوصول إلى نقطة التلاقي في مثل هذه الحالة، قال المقرن: «كنت أتمنى أن نصل قبل أن يصل غيرنا ولكن الدراسات تشير إلى أن بعض الدول سبقتنا، حيث إنه في ماليزيا وفي سنغافورة تحديدا، حدث تغيير في بعض قوانينها لكي تدخل عالم المصرفية الإسلامية، وكذلك الحال في لندن حيث حدث هناك تغيير، مع أنه في بعض البلاد الغربية التي لا يهمها مسألة الإسلام والدين، وجدت في المصرفية الإسلامية سفينة النجاة!».

وأوضح المقرن أن الأيام القادمة كفيلة بالتغيير كما تغيرت الكثير من الأمور، غير أن هذا التغيير يصعب أن يكون بين ليلة وضحاها، وخاصة أن البنوك التقليدية لديها خبرات وتجارب متراكمة ويحتاج التغيير فيها إلى وقت طويل، علما بأن التغيير يحدث تدريجيا نحو المصرفية الإسلامية.